كلما جمعت اللقاءات والمهرجانات المفكرين، والأدباء، والأكاديميين، في أبهاء الفنادق، أو في «ردهات» المؤسسات، بعد جد العمل، وضوابط المجاملات، وحدود المسؤوليات، اندلقت فيما بينهم أقتاب المشاكل، وشكا بعضهم إلى بعض ما يتعرضون له من نهب متعمد لجهودهم الفكرية، ونزف مسرف لمعارفهم، وما من أحد منهم إلا يشكو تعديات المؤسسات العلمية والإعلامية على حقوقه وأثمان جهده، فكل شيء عند غيرهم، ومن غيرهم بثمن ناجز، لا يتبعه منٌّ ولا أذى، أما أشياؤهم فهي مبذولة كما الأوقاف المعرّفة: ب«تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة». ولو أن أحدهم سأل أبخس الأثمان لجهده، لقيل عنه: وصولي مرتزق. وإذا كانت أقدام الرياضيين توزن بالذهب، فلا أقل من أن توزن أدمغة المفكرين بالفضة، وذلك أضعف الإيمان. ولما لم أكن متعرضاً لكل هذا النزيف المجاني، الذي تشكو منه الأغلبية، ولا ممن يقتات من قلمه، وتلك من النعم التي يمن الله بها على من يشاء من عباده، وليس عيباً أن يكون القوت من شباة القلم، ولكن من النعمة ألا يكون، فإن من واجبي والحالة تلك أن أعرض على المستنزفين لطاقات الكفاءات الفكرية ما يعانيه البعض منهم من مصادرات لوقتهم وجهدهم، وأخص منهم المقتاتين لا المتكسبين، إذ يُدْعَوْن للحضور أو للمحاضرات، وكأن الداعي منعم متفضل، يدل بدعوته، فيأتون رجالاً وركباناً بُجْر الحقائب، يسعون بجهودهم التي ترمدت عيونهم في سبيل التنقيب عنها في بطون الكتب، وحفيت أقلامهم في مطاردة شوارد الأفكار ونوادر المعارف التي عقلوها، وأنهكت أدمغتهم من أجل الظفر بأحدث ما توصلت إليه الإنسانية وما شُغلت به من قضايا وظواهر في مختلف المجالات، فإذا عرضوا أنفسهم بالقول، وعرَّضوها للمساءلة، عادوا خفافاً عيابهم، ونصيبهم في الأعمال الأكاديمية من إشراف ومناقشة وتحكيم دون ما يبذلون من جهد ووقت. يُستكتبون في الأفراح والأتراح وسائر المناسبات، والويل لهم إن لم يرتجلوا آراءهم عبر الهاتف أو يبعثوا بها عبر الناسوخ. وتُستطلع آراؤهم فيما يريدون وما لا يريدون، وفيما يفقهون، وما لا يفقهون. ويستدرجون إلى حوارات غير متكافئة، تتحول إلى مناكفات مخلة بالأخلاق، وقد يُصعدها الخليون إلى معارك مسفة، تلجئهم إلى طي الكشح، والنجاة بما بقي من سمعتهم. ودعك من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الذين تتخطفهم عضويات المجالس، وتنهكهم البحوث والرسائل: إشرافاً ومناقشة وتحكيماً، وترهقهم القاعات: تدريساً وامتحاناً. وتأتي الطامة الكبرى على هؤلاء وأولئك حين يقترفون خطيئة التأليف، حتى إذا لم يجدوا ناشراً، غامروا بطباعتها على حسابهم، ثم تكون عليهم «ندامة كسعية»، وقد تضطر أحدهم الظروف إلى طرق أبواب المشترين تشجيعاً، فلا يجد من يأسوه، أو يواسيه، أو يتوجع. وحين يبحث عن مسوِّق، يخلصه من ركامها المؤذي له، والمضايق لأهله، يطلب منه المسوِّق دفع مبلغ من المال لدعم عملية التسويق، إلى جانب الكتب المسوَّقة، وساعتها لا يجد بداً من أن يُتْبع نفقة الطبع دعماً للتسويق، وقد تعاد إليه الكتب بعد أمة، ولا يعاد معها دعم التسويق، بحجة إنفاقها للنقل أو للأرضية، ويعلَّق المبيعُ إلى التصفية التي لن تتم، فيكون كمن عاد «بخفي حنين». وتزيد المرارة حين يرى المخفين من المعلومات والأفكار، وقد طارت بأعمالهم خفتها، فحصدوا المال والشهرة. والصحف التي تستنزف جهد من أدركتهم «حرفة الأدب»، لا تنظر إلى أكثرهم ليلة القبض على الأرباح، واقتسام المغانم، وقد يكون المسكين ممن حضر القسمة، ومن حضرها من أولي القربى واليتامى والمساكين فواجب المقتسمين أن يرزقوهم منها، وإن لم يفعلوا فإن قسمتهم ضيزى، وليس الاقتسام إرثاً فرضه الله، لنقبل بنسخ الارزاق بحديث «لا وصية لوارث». و «حرفة الأدب» آتية من دسِّ الأديب نفسه بين كتب ضيَّق ثمنُها قوتَ معوليه، وضيقت كثرتها عليهم سكنهم، فيما انطلق غيره، كما الطير، تغدو خماصاً وتعود بطاناً. لقد كنا عند فورة الشباب، وطوفان المثاليات، والتهالك على الأضواء، وفي زمن صحافة الأفراد المتطوعين بجهدهم ومالهم ووقتهم، نتندر، ونسخر من طلاب العوض على ما يكتبون، وحين قيل عن أحد المفكرين بأنه طلب التعويض عن مقابلة أجريت معه، ثارت الأقلام المثالية، تنال منه، ومن تهالكه على المال، مستنكرة متاجرته بفكره، حتى لقد كنا نستعيذ بالله من هذا الطمع، الذي بلغه هذا الإنسان الجشع، وكأن ثمن الفكر محرم كما «حلوان الكاهن» أو «ثمن الكلب». وفاتتنا أشياء ما كنا قد مررنا بها، كانت رؤيتنا منحصرة في أن المفكر ك«الكلأ» و «الماء» و «النار» الناس فيها شركاء، وأن على المفكر ألا يمنع شيئاً من معلوماته، محيلين التمنع إلى كتمان العلم، وللجام من النار، حتى إذا وقعنا تحت طائلة المهمات الأكاديمية والملاحقات الصحفية، وأمطرتنا وسائل الإعلام بالأسئلة المتعاقبة، والاستكتاب المتواصل، لتسد خلتها، وتسوِّد صفحاتها من جهدنا المكرور بدون فائدة، وبدون ثمن، وبدون اقتصاد، تبين لنا وجه الصواب. وفي نقدنا الموجع لهذا المفكر المسكين فاتنا ما يترتب على الملاحقة من إضاعة مضاعفة، تطال الحسي والمعنوي، من مال وسمعة. وأنهر الصحف كما «نار المجوس»، لا تعف ساعة عن جهد المحتطبين، وكيف تعف الصحف والقنوات؟ وهي تنافس على عدد الصفحات، وتنوع المعلومات وطرائق الإثارة. وتبين لنا ألا علاقة بين «التمنع» و «الكتمان». ومما يضاعف عناء الأكاديمي تدفق آلاف الطلاب على الجامعات، وتسرُّبُ مئات الأساتذة خارج أروقتها. ولقد أشرت إلى هذا الاستنزاف من قبل، وناشدت تخفيف القضاء، ولم أتطلع إلى رده، ولما تكن الأوضاع إذ ذاك كما هي الآن على المستويين الجامعي والإعلامي. إذ في الراهن تعددت منافذ الإعلام، واستفحلت المنافسة، واستشاط النزف المجاني، أما عن التعليم الجامعي فإن علينا استنطاق الأرقام للمقارنة بين الأعضاء والطلاب. وحين أعيد القول، وأبديه، فإنما أريد كفالة حق الفكر المهدر، ليكون الحق دون مستوى قدم الرياضي، ولسان الممثل، وأنامل العازف، وبخاصة بعدما تحولت الصحافة إلى شركات تجارية، وتحولت وسائل الإعلام كافة إلى مصدر كسب مادي مشروع، وأفسح المجال للجامعات الأهلية. فالصحفيون المتعاونون والمحترفون والمبتدئون، يتأبطون أجهزة التسجيل، وأوراق الكتابة، وكمرات التصوير، ولاقطات الصوت، يطاردون من يعرفون ومن لا يعرفون، ومن ينطوي على فائدة، ومن هو خالي الوفاض. ومما فاقم الأمور، وضاعف الأعباء ظهور الناسوخ «الفاكس»، ففي كل يوم يفاجأ الأديب أو المفكر بصفحة أو أكثر من الأسئلة في الأدب، أو الدين، أو السياسة، أو سائر المناسبات الاجتماعية، تقتحم عليه خلوته، وتعكر صفوه، وقد يسبق الناسوخ مكالمة هاتفية، يسمع فيها الثناء والرجاء والاستعجال. وأذكر أن الكاتب المثير الأستاذ «داود الشريان» قال: إن الأدباء والكتاب مثلهم مع الإعلام مثل «الطقاقات» لا يذكرون إلا في المآتم، يدعون إلى إحيائها: ترحاً أو فرحاً، وتصور البعض أن ذكرهن مذمَّة، وفات الممتعضين أنهن بانتظار المناسبات، ليأتينها سعياً بثمن، فيما ينتظرها الأديب والمفكر فيأتيانها مجاملة. وفوق هذا فإن اقتراب النخب من وسائل الإعلام - مع ضرورته تعب يرهق الأعصاب، ويحول دون استكمال متطلبات التحصيل، ذلك أن المفكر والأديب والمبدع كالنحلة، لا بد أن يطوفوا ويمتصوا نسغ الكتب، وإن لم يفعلوا ضوت أفكارهم، كما تضوي الأجسام الجائعة. والمفكر المسكين الذي أكلنا لحمه وشحمه، ووصفناه بأقذع الأوصاف، مر بهذا المشوار الشاق الذي نقطعه جيئة وذهاباً، ونحن ما زلنا صغاراً إلى جانبه، وهو حين وضع هذا الكابح، لم يكن همه في الدرجة الأولى كم يستلم؟ ولكنه أراد أن يدفع عن نفسه وطأة الملاحقة، فلم تسعفه الحيلة بحل مناسب، فكانت وسيلته لصرف الصحفي مظنة الاتهام. ولو أنه كان سمحاً، لتحولت حياته كلها إلى تحبير متواصل، مجيباً أو مستجيباً لما يبلغه عبر الهاتف أو «الفاكس» أو التسجيل أو الرسائل. وويل له ولنا إذا وعدنا وأخلفنا، أو سوَّفنا، أو اعتذرنا، أو حتى عدلنا في الأسئلة، أو ألغينا شيئاً منها، أو كانت إجاباتنا قليلة لا تغطي المساحة المكلف بتغطيتها ذلك المحرر، والمتروكة له ليملأها، بما يملكه من شطارة وعلاقات طيبة، مع الذين يقولون، ويكررون القول، ثم لا يقولون شيئاً. ولما كان الأديب مطالباً بمتابعة ما يحدث في المشاهد، وتقصّي التليد والطريف في الفكر والأدب والسياسة والثقافة، فإن ملاحقتها تتطلب مزيداً من الجهد والوقت والمال، وهو في ظل هذه المهمات لا يقدر على تلبية كل الدعوات، ولا الإجابة على كل الاستفتاءات، ومن الضروري أن ينتج عملاً باقياً، يرفع من قيمته، ويحافظ على مستواه، وبعض هذه الحوارات المكررة والاستكتاب المتواصل مضيعة لوقت كل الأطراف: السائل والمجيب والقارئ. والحوارات والندوات والاستطلاعات تأتي وليدة حاجة خاصة بالصفحة لا بالصحيفة، وهي قد تعد بشكل رديء، لأنها في الغالب لا تمس اهتمامات القارئ، أو لا تقع ضمن تخصص المشارك ورغبته، ومع هذا فالنخبوي ملزم أدبياً أن يجيب، وأن يبعث بإجابته، وليس من حقه الاحتفاظ بأقل الحقوق. والبارعون من الصحفيين يتحرفون لمواجهة الأديب بأسئلة «بوليسية» أو قل «إبليسية»، بحيث يجرون أقداماً بعيدة ويوقظون فتناً نائمة، حتى إذا اشتبك الأطراف بالمحابر والأقلام، رقصوا على أشلاء سمعتهم، وفي التنابذ والتنابز ملء للفراغ، وتسويق للعمل، وذلك أقصى ما يحلم به البعض. وإذا صرفنا النظر عما يستحقه من مكافأة مادية، بوصف الجمع في انتظار أثمان الجهد الشريف والمضاربة النقية. وجب أن أشير إلى حقوق أخرى غير مستوفاة، كان بودي أن تراعى من قبل كل الأطراف. فالوجوه حين تتكرر تمل، كما أنه ليس من اللائق أن يُسأل المثقف عن كل شيء، حتى في الأمور التي لا يعرفها، فتارة يسأل عن قضايا المجتمع، وأخرى يحشر في قضايا: الدين والسياسة والفكر والاقتصاد، وثالثة يتداول مع غيره أموراً ليست في العير ولا في النفير، يمدح من لا يفعل، ويزكي من لا يعرف، ويحمد على المكروه، ويحشر مع غير جنسه، المهم أن يكون رقم هاتفه موجوداً عند المحررين والمراسلين وأصحاب الخبطات الصحفية، كما يقول قاموس الصحافة، وهو حين يتحدث راغباً أو راهباً، يختلف أداؤه، وتتباين تصوراته، لأنه يقول ما قالت «حذام». هذا المسكين المستهلك إلى حد الإنهاك له حق، ليس شرطاً أن يكون مادياً، إنه مشرد بلا خطيئة، وملاحق بلا ذنب، ومستَغَل بلا ثمن، ولا أقل من مراعاة حقه الأدبي على الأقل، ومن حقه الأدبي ألا يسأل إلا في مجال اختصاصه، وفي محيط اهتمامه، وألا يكثر طرحه حتى لا يمل. وأن ينشر رأيه كاملاً، وبدون ابتسار أو استفزاز. وأن يوضع في المكان المناسب لمستواه المعرفي والوظيفي ومكانته الاجتماعية، فقد يواجه المسكين بوضع إجابته في زاوية منطفئة، وبحرف دقيق لا يُقرأ، وبدون أي إشادة، وقد يحشر مع العامة والسوقة الذين سئلوا عن انطباعهم عن شيء ما، وقد يأتي في ذيل إجابات أخرى، أعطيت من الأهمية فوق ما تستحق، وإذا لام أو عاتب، قيل له: الأمور محكومة بظروف الطبع والإخراج، وليس للتقديم أو التأخير أي اعتبار، ومع الرد الجاف، والتصرف الجارح، يفاجأ بعد ساعة أو أكثر ب«الفاكس» ينقل إليه رغبة أخرى للمشاركة، أو مهاتفة من طرف لم يشهد عذاباته. ومما هو مثير ومسيء اتصال بعض المراسلين هاتفياً، ومحادثته في أمور شتى، وطرح قضايا متعددة، وجر قدمه للحديث عن قضايا أو أشخاص لا يريد أن تكون للنشر، فيفاجأ بأن هذا المحاور يسجل حديثه الأخوي، ثم يصدم بنشره مستهلاً ب«مانشتات» مثيرة، وإذا أنكر أو استنكر، قيل له: لدينا الوثائق الدامغة التي تدينك، لقد قلت ما نشر. نعم، قال هذا بصفته حديثاً أخوياً، ولم يقله كي ينشر على الملأ، وكل إنسان له حديث مجالس، لا يرى إشاعتها، ومن أدبيات المحاورة أن يشعره المحاور بمقاصده، وأنه سوف ينشر ما دار بينهما. وكل إنسان سوي له حديث مجالس، فيها الهزل، وفيها الجد، وفيها ما لا يريد إشاعته بين الناس، فما تقوله في مجالسك الخاصة، وعند زملائك وخاصتك، لا يمكن أن ترضى به حديثاً صحفياً ينشر على الملأ. والرسول صلى الله عليه وسلم قال عن قادم إليه: «بئس رجل العشيرة هو»، ثم لقيه وأكرمه، وعلل ذلك حين سئل باتقاء الشر. وكل صحفي يلتقط مثل هذه الأحاديث، ثم ينشرها، يقع في دائرة النمامين الذين يفسدون في ساعة ما يفسده الساحر في سنة، والأسوأ من هذا أن يذهب الصحفي إلى الطرف الآخر، ويعرض عليه ما سمعه، ليأخذ رداً قاسياً، وقد يكون الطرف الآخر مسناً له حق التقدير، أو مريضاً له حق الرأفة. ومثل هذه «القفشات» الصحفية، تسيء أكثر مما تحسن، والذين يجرُّون أقدام المفكرين والأدباء عن طريق الاحتيال تتساقط سمعتهم كما ورق الخريف، ويتواصى الناس بالبعد عنهم، والأنكى حين يكونون متمرسين، أما إذا كانوا حديثي السن والتجربة، فإنهم لا يقدِّرون المواقف قدرها، وقد يرون ذلك من البراعة الصحفية، ومن ثم لا يهمهم ما يترتب على ذلك من قطيعة أو شحناء، وقد لا يأبهون بما يترتب على هذا الفعل من إساءات، ومثل هؤلاء لا ينزلون الناس من منازلهم. ومما لا يختلف فيه اثنان أن طرق أبواب الأدباء والمفكرين، وإجراء الحوارات واللقاءات معهم تقدير لهم، واهتمام بآرائهم، وأنَّ صرف النظر عنهم، وعدم الاستعانة بهم في مثل هذه الأمور تهميش لهم. ولكن يجب أن يكون هناك ضوابط، ولابد أن يكون هناك أخلاقيات، تدرأ عن الجميع المساءلة الأدبية، وتحفظ للنخب شيئاً من حقوقهم. إن على المفكر والأديب ضريبة وطنية، يجب أن يقدمها راضية بها نفسه، سواء كان أستاذاً جامعياً أو مفكراً أو أديباً، ولا يمكن إشاعة الفائدة إلا عبر وسائل الإعلام، وإذا تمنع الأدباء والمفكرون والأكاديميون عن إشاعة الفائدة، جمدت الحياة، وصوح نبتها، ثم رعي الهشيم. النخبة مطالبة بخدمة المجتمع، وتوظيف خبراتها وامكانياتها لترشيد مساره، وتهذيب أخلاقه. هذه قضية مفروغ منها، ولكن من حق النخبة على هذا المجتمع أن تراعي حقوقهم المادية والأدبية، وألا يساء إليهم باستغلال يضيع معه الجه دوالوقت والسمعة، أو بتكرار يغثي القراء، أو بابتسار لا يسمن ولا يغني من جوع، أو بافتراء وتحريف يضع المسكين تحت طائلة المساءلة، وعلى النخب أن يفكروا، ويقدروا، قبل أن يُقْدموا أو يحجموا. تلك خواطر تراكمت مع الزمن، وسمعت بعضها من السنة المتأذين، وأصابني شيء من دخنها، وهي ظاهرة قائمة ما أقام عسيب، ولكن علينا أن نحدَّ من استشرائها، وعلى الكتبة المبتدئين أن يسترشدوا بمن سبقهم، فلا يبنوا مجدهم على سمعة الآخرين، ولا يفرغوا لاستغلالهم. وسوف أوفي الموضوع حقه، حين أكتب عن «حكايتي مع الصحافة» في سلسلة الحكايات التي تشكل جزءاً من السيرة الذاتية.