إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    وزير الحرس الوطني يفتتح قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللوبي اليهودي أفقد أمريكا قدرتها على التميُّز
العلاقات الأمريكية العربية.. الحقائق والأوهام « 2 - 3»
نشر في الجزيرة يوم 23 - 08 - 2002

* القاهرة مكتب الجزيرة: ريم الحسيني عثمان أنور علي البلهاسي طارق محيي:
لا تزال آراء المحللين والمفكرين السياسيين وخبراء الاستراتيجية تتوالى في محاولة تقييم للعلاقات الأمريكية العربية والسياسة الخارجية الأمريكية ومدى التوتر الذي أحدثته مع أصدقائها وحلفائها خاصة مع الدول العربية، وأكد المحللون والمفكرون وخبراء الاستراتيجية ان تعاظم نفوذ اللوبي اليهودي والدوائر الصهيونية والمسيحية الغربية داخل الولايات المتحدة أفقدها قدرتها على التمييز وعدم الوعي بمصالحها المشتركة مع الدول العربية والتي قد تفوق مصالحها مع إسرائيل.. وإلى آراء المحللين والخبراء.
يقول السفير عبدالرؤوف الريدي سفير مصر الأسبق في الولايات المتحدة الأمريكية إن العلاقات الأمريكية العربية شهدت فترات توتر كثيرة وكانت الولايات المتحدة الأمريكية في كل مرة تراجع سياستها وتعي مصالحها المشتركة في المنطقة العربية لكن هذه المرة يبدو ان التعصب الأعمى وتأثير اللوبي اليهودي طغى على رؤيتها فهي تعمد الآن إلى تطوير أساليب الهيمنة والسيطرة على محدودات ومصائر الدول الأخرى خاصة دول منطقة الشرق الأوسط فطبول الحرب تدق نحو العراق وهناك حملات إعلامية استفزازية على قطبي الأمة العربية المملكة العربية السعودية ومصر وهذا الهجوم هو جزء من المخطط الأمريكي للهيمنة على العالم وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط لاعتبارات استراتيجية واقتصادية ودولية ولاشك ان كلاً من السعودية ومصر دولتان ركيزتان أساسيتان في المنطقة وهذا جزء من مخطط تديره الهيمنة الأمريكية واللوبي الصهيوني يهدف إلى دخول المنطقة مرحلة التفتت والتفكيك وهذا يحقق الأهداف الأمريكية ومخططات الدوائر الصهيونية واللوبي المسيحي الغربي ويجب علينا تعلم الدرس حيث نلاحظ ان جانباً كبيراً من الحرب النفسية التي تشن على الدول العربية تأتي لها من منظمات تزعم حماية حقوق الإنسان وعلى ذلك لابد من إجراء المزيد من المشاورات بين قيادات البلدين في كل من المملكة ومصر إضافة للعمل الدبلوماسي المكثف من خلال جامعة الدول العربية للتصدي للأخطار التي تواجه الأمة العربية حتى تفيق السياسة الأمريكية من غرورها وتعود لوعيها.
اتجاه تصقري
أكد خالد الأزعر الكاتب والمفكر الفلسطيني ان موضوع العلاقات العربية الأمريكية أصبح موضوع الساعة وقال: يبدو ان الولايات المتحدة دخلت في طور جديد في علاقاتها مع العرب فقد أصبح مسار عمل السياسة الأمريكية يتسم بالغطرسة وبمنهجية القوة فهي تأخذ بالأدوات العنيفة في السياسة الدولية مما جعل هناك هاجساً عاماً يسيطر على الإدارة الأمريكية في تعاملها مع الدول الأخرى وهو هاجس القوة وأصبح الصوت الأعلى داخل منظومة صناعة السياسة الأمريكية للقوة «المتصقرة» وهي القوة التي ترى ان أمريكا كقوة عظمى لا ينبغي إلا ان تبقى منفردة على رأس النظام الدولي وتتبع الأساليب المضادة في السياسة الدولية بحيث تجعل أهدافها ومصالحها ذات أولوية على مصالح كافة الدول ومنهم العرب الذين تندرج علاقاتها معهم تحت هذا الإطار.
وأضاف: ما أطمع الولايات المتحدة في العرب هو الحال العربي الضعيف الذي أصبح لا يسر كثيراً، فالنظام العربي مازال تحت الضغط الأمريكي ويخضع له وهو يعي المخاطر لهذه الضغوط ولكنه لم يتحرك لدرئها ويفعِّل قواه الذاتية وهي مشكلة قديمة وليست جديدة واعتقد ان هناك اتجاهاً «تصقرياً» داخل الإدارة الأمريكية تجاه العرب يشجعه عربياً عدم القدرة على تجميع القوى الذاتية وتفعيلها.
وأشار الأزعر إلى ان الحملة الأمريكية الأخيرة ضد المملكة ومصر هي حملة مغرضة وقال إن هذا أمر غريب جداً فالسعودية ومصر تصنفهما واشنطن بأنهما من الدول الصديقة، والغريب في هذا ان تجمع أمريكا بين صداقة العرب والتحالف مع إسرائيل والأعجب ان العرب تعاملوا مع هذه السياسة الغريبة من منطلق ان الدبلوماسية وارخاء الحبل من الممكن ان يجعل واشنطن تميل ناحيتنا وتعيد النظر في انحيازها لإسرائيل، وحاولت أمريكا استغلال الدبلوماسية العربية لتحقيق تسوية للصراع العربي الإسرائيلي تميل إلى المفهوم الإسرائيلي وهي معادلة صعبة وغير منطقية فعلاقة أمريكا بإسرائيل تكاد تكون علاقة شراكة وليست انحيازاً فقط في حين انها تدعي انها على علاقات طيبة مع الدول العربية ومن هنا تبدو المفارقة والسياسة الأمريكية الغريبة وهذه الاشكالية هي أساس التوتر والتذبذب في العلاقات.
وأكد الأزعر ان وجود إسرائيل في منتصف طريق العلاقات بين أمريكا والعرب ساعد على تعكير هذه العلاقة وجعلها في حالة من عدم الاتزان فإما ان ينصاع العرب لتسوية إسرائيلية بالكامل أو لا ترضى عنهم أمريكا وهذا مطلب صعب، وأوضح ان السياسة التي تتبعها أمريكا في علاقاتها مع الدول العربية نابعة من شعورها بأنها صاحبة اليد العليا وهو ما يدفعها إلى التعامل باستعلاء وبغير ندية أو حتى تفهم لمصالح الآخرين، وقد وضعت أمريكا جانباً تراثاً كبيراً من القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان ومفاهيم كثيرة انتجها العقل البشري والحضارة الإنسانية بعد جهد جهيد لا أسميها شريعة الغاب ولكن اسميها شريعة ما قبل التنظيم الدولي فحتى شريعة الغاب لها قوانين وأعراف.
وقال الأزعر ان هذا التذبذب في العلاقات الأمريكية ليس مع العرب فقط ولكن مع كل الدول ولكنه يتضح اكثر مع العرب لأن موقع المنطقة يجعلها في بؤرة السياسة الدولية وهي منطقة صراع قديم ومصالح متشابكة تدخل فيها أطراف وتواريخ وايديولوجيات كثيرة ولذلك تظهر عيوب السياسة في المنطقة العربية أكثر من غيرها نظراً لخصوصية السياسة فيها وأمريكا لها مشاكل مع دول أخرى كثيرة وحتى مع حلفائها في أوروبا وروسيا والصين ولكن المشاكل مع العرب واضحة بصورة أكبر نظراً لطبيعة المنطقة المختلفة وهذه الطبيعة تصعِّب من مهمة التوفيق بين هذه العلاقات وهذا يتوقف على مسار الأحداث والمنطقة الآن مشتعلة الأحداث دائماً خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وحالياً تفرض قضية ضرب العراق نفسها بقوة على الساحة ولا شك ان توتر العلاقات بين العرب وأمريكا له علاقة بهذا الموضوع خاصة وان الكثير من الدول العربية رفضت ضرب العراق، والمنطقة كلها مليئة بالقضايا المتشابكة والمترابطة وكل حادث فيها يجد أصداءه في جميع المناطق وسياسة أمريكا في المنطقة منظمة ويمكن ان يكون التوتر الحادث في العلاقات الآن مقصوداً، فأمريكا تضغط على أطراف فاعلة في المنطقة لتبتزها لاتخاذ مواقف معينة لصالحها ويمكن ان تكون هذه الحملات التي تشنها واشنطن على المملكة ومصر وبعض الدول العربية مخططة ومبرمجة وليست عشوائية وإلا لا نكون أمام دولة عظمى تكاد تكون تحكم العالم.
وأكد الأزعر ان تحسين العلاقات مع أمريكا يتوقف على رد الفعل العربي وقال: نحن في مرحلة رد الفعل والقول للعرب وقد تخطينا مرحلة رد القول ونحتاج لمرحلة رد الفعل ولموقف جماعي صلب من هذه الحملات التي تهدف إلى تشويهنا عبر الآليات المعروفة مثل الجامعة العربية وتفعيل لقدراتنا الذاتية وعندئذ فمن الممكن ان نجبر أمريكا على إعادة النظر تجاهنا إذا شعرت ان مصالحها في المنطقة مهددة وانها بممارساتها هذه تستفز العرب إلى ما هو أبعد من الطبيعي وإذا تقاعس العالم العربي عن الرد فمن الممكن ان تغلو أمريكا في سياستها هذه للضغط على دول المنطقة لأن الذي يعتمد سياسة القوة ينتظر رد فعل الآخر وهذه قاعدة معروفة في السياسة والعلاقات الدولية فإذا كان رد الفعل سلبياً زاد القوي من غطرسته والعكس هو الصحيح.
ملفات شائكة
ويرى ضياء رشوان الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان العلاقات بين العرب وأمريكا تسير في اتجاه سيئ بلغة واشنطن وحسن بلغتنا نحن وقال إن هذه العلاقات مرشحة للتوتر أكثر فهي ليست متعلقة بعامل واحد أو ملف واحد يساعد على توترها أو تحسينها وقديماً كانت تحدث توترات في هذه العلاقات لسبب واحد في كثير من الأحيان وغالباً ما كان الصراع العربي الإسرائيلي هو السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين العرب وأمريكا أو أحياناً بسبب قضايا داخلية لكن الموضوع الآن تتحكم فيه مجموعة قضايا وملفات شائكة بين العرب وأمريكا.
وهذه الملفات الشائكة تتمثل في القضية الفلسطينية وعدم تعاون العرب في تقبل الحلول الأمريكية المدعومة بوجهة النظر الإسرائيلية كذلك فإن الدولتين المحوريتين في المنطقة واللتين تتعرضان لأكبر كم من الهجوم من جانب واشنطن وهما مصر والسعودية من وجهة النظر الأمريكية لم يقدما مواقف ترضى عنها أمريكا بشأن السلطة الفلسطينية وعرفات وكثيراً ما تتذرع أمريكا بعدم مشاركة مصر في الحملة ضد الارهاب أو تتهم المملكة بدعم الارهاب أو تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين مثلما حدث في قضية سعدالدين إبراهيم أخيراً في مصر.
وأضاف: أيضاً هناك قضية العراق حالياً وهناك مواقف عربية تعارض ضرب العراق وهو ما لا ترضى عنه أمريكا وفي الطريق تأتي قضية السودان والتي قد تدخل مصر في صراع مع الإدارة الأمريكية بشأن مستقبل السودان وهذا يوضح ان قضية العلاقات مع أمريكا تحكمها العديد من القضايا وليست قضية واحدة وواشنطن تمارس العديد من الضغوط على العديد من الدول العربية من أجل هذه القضايا والولايات المتحدة الأمريكية ليس عندها رغبة للتراجع عن أهدافها التي تريد تحقيقها في المنطقة ومصممة على ان رؤيتها وتصورها هو الأدق والأصلح لحل أي شيء وعلى العالم كله ان يتبعه وهي بذلك تغلق الطريق أمام أي حل وسط وحدث هذا مع المبادرة السعودية للسلام في الشرق الأوسط والتي لم تنتبه إليها أمريكا على انها أفضل الحلول التي طرحت لحل المشكلة الدائمة في الشرق الأوسط المتمثلة في الصراع العربي الإسرائيلي وحاولت جاهدة فرض رؤية بوش حول السلام على العالم كله وليس على الفلسطينيين فقط رغم ما بها من سلبيات.
وأشار رشوان إلى انه ليس صحيحاً ان الحملة الموجهة ضد العرب مصدرها منظمات وجماعات ضغط أمريكية وصهيونية ولا تعبِّر عن سياسة الإدارة الأمريكية وقال انه في الأزمات الكبيرة التي تتعلق بالمصلحة القومية لأمريكا تكون الإدارة والإعلام والمنظمات الأهلية صوتاً واحداً والملاحظ انه خلال العام الماضي تعرضت أكبر دولتين حليفتين لأمريكا للهجوم في حين ان دولاً كانت دائماً محل انتقادات وهجوم من الإدارة الأمريكية حظيت بالمديح والثناء مثل سوريا وليبيا والسودان وكانت الولايات المتحدة تتهم هذه الدول دائماً بالارهاب وهذا يعبِّر عن ازدواجية وتخبط مدروس أكثر منه عشوائياً في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الدول العربية.
وأكد رشوان ان التوترات التي حدثت أخيراً في علاقة أمريكا ببعض الدول العربية الحليفة لها تعني انها تريد الاستغناء عن حلفائها في المنطقة وتثبت انها بقوتها وغطرستها تستطيع تحقيق مصالحها بنفسها وهذا وهم أمريكي لا أساس له لأن العرب لن يحتملوا طويلاً كل هذه الغطرسة والضغوط الأمريكية وربما ينقلب الأمر كله ضد أمريكا في النهاية.
مساحة اختلاف
ويرى الكاتب الصحفي عاطف الغمري خبير السياسة الخارجية الأمريكية بالاهرام ان هناك مبدأ ثابتاً يحكم العلاقات الأمريكية العربية وخصوصاً العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الدول العربية الصديقة ومنها السعودية ومصر والأردن، وظل هذا المبدأ يراعي وجود مساحة للاختلاف في وجهات النظر والسياسات الخارجية، نظراً لطبيعة ظروف كل من الجانبين وبحكم ان الدول العربية الصديقة لها ظروفها المختلفة والتي بحكم طبيعة المنطقة وانتماء جميع أعضائها إلى جسد واحد هو العالم العربي وتحت مظلة القومية العربية واعتبار ان هذه الدول تشترك في تاريخ واحد وثقافة وحضارة واحدة وهي تتأثر بنفس الدرجة بما يحدث للأخرى سواء من تقدم أو تراجع، إضافة إلى المشكلات الاقليمية التي أفرزها الصراع العربي الإسرائيلي الذي تعتبره جميع الدول العربية قضية مصيرية واحدة لكل الشعوب العربية في المنطقة.
وأضاف الغمري ان هذه الأبعاد كانت معروفة وثابتة وموضع تقدير من جانب الحكومات الأمريكية المتعاقبة، لكن حدث تطور خطير أو ما يسمى بالانقلاب في تركيبة المجموعة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، حدث انقلاب سياسي حقيقي ليس فقط بالنسبة لعلاقات الولايات المتحدة بالعالم العربي، بل أيضاً مع أوروبا الحليف الأول لها.. ونظرة هذه المجموعة الحاكمة في البيت الأبيض «صقور الإدارة الأمريكية» إلى الولايات المتحدة على انها الدولة العظمى في العالم وانها يجب ان تستمر القطب المسيطر والوحيد مع عدم السماح لأي دولة ان تنافسهم أو تصبح دولة عظمى، ونظرة السياسة الأمريكية الجديدة إلى دور الولايات المتحدة الأمريكية على انها سيد العالم.
وأوضح الغمري ان المجموعة الجديدة التي وصلت إلى الحكم في الولايات المتحدة تحمل اسم المحافظين الجدد أقصى يمين الحزب الجمهوري وأكثر تشدداً من أي إدارة سابقة، وهي مجموعة عقائدية بمعنى ان لها برنامجاً سياسياً تحكمه عقائد صلبة لا تضع في حسابها بدرجة أو بأخرى الظروف الدولية أو القانون الدولي أو عدالة القضايا بالنسبة للشعوب الأخرى، لكن المهم عندهم هو تحقيق أهدافهم ومصالحهم، وتصنيفهم بالمجموعة المتشددة والمتزمتة عقائدياً «الصقور» ليس تصنيفياً وإنما هو التوصيف الذي يطلقه غالبية قيادات الحزب الجمهوري المنتمون إلى التيار المعتدل ومنهم جورج بوش الأب.
وأكد ان هذه المجموعة تؤمن بمبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا» وهي بذلك هدمت الأساس التقليدي الذي كان يحكم العلاقات الأمريكية مع الدول العربية الصديقة وهو وجود مساحة من الاختلاف، ووجدنا ان هذه المجموعة لا تسمح بأي حيز من الاختلاف وانما تريد الانصياع الكامل لسياساتها، ومن هنا بدا ان هذا التوجه السياسي الجديد للإدارة الأمريكية في اظهار نبرة عداء أو خصومة أو رفض لسياسات الدول العربية لمجرد انها تبدي برأيها في مسألة المفروض انها تمس مصالح الدول العربية بالشكل المباشر وتؤثر على أمنها القومي بالدرجة الأولى، فالدول العربية تعتبر ان حل القضية الفلسطينية مسألة مصيرية ولابد من حلها على مبدأ العدل وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه وقيام الدولة الفلسطينية وانسحاب إسرائيل إلى حدود 4 يونيو 1967، وكذلك فإن الدول العربية جميعها تعارض وبشدة ضرب العراق أو أي عدوان على الشعب العراقي، وهو ما لا يريده صقور البيت الأبيض وإنما يريدون الانصياع الكامل لما تريد أمريكا من أهداف ومصالح.
مبدأ القوة
وأشار الغمري إلى ان المبدأ الأساسي للمجموعة التي تسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية «صقور البيت الأبيض» هو مبدأ القوة والتعامل به مع الآخرين، ومع الاصرار على هذا المبدأ لاحظنا في الفترة الأخيرة مجموعة العسكريين وجنرالات وزارة الدفاع غير الموافقين على ضرب العراق قد سربوا إلى الصحف الأمريكية وجهات نظرهم في الضربة الأمريكية للعراق وهو ان الهدف ليس اسقاط صدام حسين ونظامه لكن هناك أهداف أخرى وهي إحداث حالة من زلزلة المنطقة بأكملها بحيث يمكن لأمريكا تغيير الأنظمة العربية التي لا توافق على سياساتها وأبدت الإدارة الأمريكية عدم رغبتها في بقاء عرفات الرئيس المنتخب من شعبه وكذلك هي تريد ولا تجد بديلاً عن اسقاط صدام حسين ونظامه، موضحاً ان الهجمة أصبحت تمس الأمن العربي القومي بصورة مباشرة ولا يستثنى أحد حتى الدول شديدة الالتصاق بأمريكا والتي تعتقد ان أمنها القومي في علاقاتها بأمريكا.
وأوضح الغمري ان التقرير الأخير الذي نشرته الصحف الأمريكية والذي عُرف بتقرير «راند» هذا التقرير لم يكن تقريراً أعدته مجموعة أو شخص غير مسؤول ولكنه تقرير رسمي صدر عن رئيس اللجنة الاستشارية في وزارة الدفاع الأمريكية «ريتشارد بيرد» وهو أحد الأركان الرئيسية في وزارة الدفاع وقد دعاه المسؤول الثاني في وزارة الدفاع بعد رامسفيلد وزير الدفاع ليس لتقديم التقرير مكتوباً فقط لكن حتى يشرح التقرير أمام اللجنة ويوضح وجهة نظره ويناقشه فيها، فهذا ليس اتجاهاً شخصياً أو رأي باحث يطلب من شخص قريب من المسؤول الثاني في وزارة الدفاع، وإنما هو رأي الدوائر السياسية وقد تمت مناقشته وتسرب التقرير إلى الصحف الأمريكية، موضحاً انه من الملاحظ ان هذا العرض يوضح الضغوط التي تمارس على الدول العربية ويوضح ما تريده المجموعة المسيطرة على الحكم في واشنطن هذه المجموعة المتحالفة مع الليكود في إسرائيل منذ أكثر من 10 سنوات تحالفاً منظماً بين أقصى اليمين للحزب الجمهوري الأمريكي واليمين المتطرف في إسرائيل وهذا التحالف ضد عملية السلام، وتوجهاته المعلنة معادية للحقوق العربية ومؤيدة للمطالب الصهيونية الإسرائيلية وهذا يوضح التغيُّر الواضح في العلاقات الأمريكية العربية مع وصول هذه المجموعة المتشددة إلى الحكم في البيت الأبيض وانعكس هذا بالفعل على السياسة الخارجية الأمريكية.
تغليب المصالح
ويقول اللواء صلاح الدين سليم الخبير الاستراتيجي ان إدارة بوش الابن لا تعرف حتى الآن ان المصالح المشتركة يجب ان تكون أساس بناء العلاقات العربية الأمريكية وهناك شعور مبالغ فيه لدى بوش بسطوة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم المعاصر واصرار على وضع المصالح الحيوية لأمريكا في منطقة الخليج العربي وفي الشرق الأوسط الكبير بصفة عامة قبل أي اعتبار آخر حتى لو تناقض الأمر مع سياسات الدول العربية المعتدلة التي ارتبطت بعلاقات خاصة مع أمريكا في العقدين الأخيرين.
وأضاف: ويزداد الأمر تعقيداً نتيجة إصرار الولايات المتحدة على توظيف الإمكانيات العربية في حرب بوش ضد الارهاب وهي حرب تستهدف المصلحة الأمريكية بالدرجة الأولى ويحاول من خلالها بوش تنفيذ التصور الأمريكي للخريطة السياسية للشرق الأوسط وهي التي اشتركت قوى اليمين الأمريكي مع القوى الصهيونية في صياغتها.
وأكد سليم ان الخلاف بين أمريكا والعرب وخاصة مصر والسعودية ينبع من عدة قضايا رئيسية أولها القضية الفلسطينية التي فرضت فيها إسرائيل على الفلسطينيين القبول بحل أمني شديد التواضع ووأد الانتفاضة الثانية بدون أي مقابل سياسي وتعليق المفاوضات السياسية بشأن مستقبل الدويلة الفلسطينية إلى الربيع القادم كحد أدنى وهو ما تعترض عليه مصر والسعودية وتشعران ان الولايات المتحدة قد راوغتهما بشأنه وفرضت على العرب قبول عملية الجدار الواقي بكل نتائجها السياسية والسلبية، وهناك قضية ضرب العراق التي ترفضها مصر والسعودية وتعترضان على الحشد الأمريكي الحالي الذي يتم في تركيا وقطر والبحرين والكويت وتطالبان بتفعيل الحل السياسي وعودة مفتشي الأمم المتحدة ورفض اسقاط أي نظام عربي بالقوة وهناك شعور عربي بأن قيام نظام عميل لأمريكا في العراق هو مقدمة مباشرة لتهديد نظام الحكم في سوريا وضرب إيران، كما ان أمريكا قد بدأت في الفترة الأخيرة الحديث عن إمكانية التفكير في تعديلات أخرى للخريطة السياسية لدول الخليج وللسودان وهو أمر ترفضه الرياض والقاهرة.
وأشار اللواء صلاح سليم إلى ان الأمر يتطلب موقفاً عربياً موحداً من خلال جامعة الدول العربية التي فقدت المبادأة السياسية وتعثرت المصالحة العربية في أجهزتها ووقفت بصورة سلبية أمام التهديد الأمريكي للعراق والضغوط الاقتصادية على مصر والحملة الإعلامية ضد السعودية وقال إن الإعلام العربي أيضاً لايزال عاجزاً عن التصدي للحرب النفسية التي تديرها أمريكا ضد مصر والسعودية، وكذلك فإن المجتمع المدني في أغلب الدول العربية والذي اخترقته سياسة العولمة والثقافة الأمريكية لم تنتبه بعد إلى ان هناك تناقضاً بين المصالح الأمريكية والمصالح العربية في المدى القريب والبعيد وان أمريكا تمارس فعلاً صراع الحضارات وان ادعت غير ذلك.
وأضاف ان المطلوب هو يقظة عربية كاملة وإحياء محور القاهرة الرياض دمشق كركيزة للعمل العربي المشترك وجهد عربي مكثف لمواجهة مخاطر ضرب العراق وتحقيق الأهداف الأمريكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.