في خضم الحرب الممتدة ضد الإرهابيين في الخارج يقوم الجيش بالرد على نوع مميت من الأذى المباشر ينبثق في جبهة غير متوقعة: الجبهة الداخلية. وفي محيط أكبر قاعدة عسكرية لأمريكا فقدت خمس زوجات لعسكريين حياتهن في أقل من ستة أسابيع - ثلاث منهن قتلن على أيدي أزواج عادوا للتو من العمل في أفغانستان. وفي حين يقول خبراء الجيش إنه من الشطط القول إن عمليات القتل الزوجية هذه ذات صلة مباشرة بالحرب يبدو أن الخيط العام هو أن كل الأزواج عانوا من مشكلات زوجية ربما تكون قد استفحلت من جراء إرسالهم الى جبهات القتال. ولكن حتى إذا كانت عمليات القتل هذه مجرد مصادفة مأساوية فقد بدأ الجيش تحقيقا في الموقع الرئيسي لنشر الجنود لحروب أمريكا وسيكون التركيز على ما يمكن أن يفعله الجيش لكي يفهم - ويمنع- بشكل أفضل التعسف الزوجي وبصفة خاصة في أوساط أسر صفوة الجنود المقاتلين ويعتبر هذا التحقيق السادس من نوعه في الجيش منذ أواخر الثمانينيات. الدببة الأشرس يقول جيمس موريسون وهو عسكري متقاعد متخصص بعلم الاجتماع كان يقوم بالتدريس في مدرسة جون كيندي للحرب الخاصة بفورت براغ هؤلاء هم الدببة الأكبر والأشرس في الغابة وهو يضيف: بالتأكيد إنها مصادفة غريبة أن يتورط في عمليات القتل هذه أفراد من قوات يتم حثها على العنف والعدوانية. يقول الخبراء: إن احتمالات الانزلاق في العنف المنزلي لدى الجنود تقارب الضعف مقارنة بالمدنيين - على الرغم من عدم وجود دراسات تتناول بصفة خاصة صفوة الجنود الذين يمثلون رأس الرمح في الحرب ضد الإرهاب لكن حقيقة ان معظم المتورطين حاليا من أفراد جنود القوات الخاصة تثير القلق حول قدرة أكثر جنود البلاد كفاءة قتالية على تحقيق الوئام داخل الوطن. حوادث مقلقة وتقول ديلور جونسون مسؤولة برنامج الدفاع عن أسر الجيش في وزارة الدفاع هذه بالتأكيد سلسلة من الحوادث المقلقة جدا والفاجعة بكل ما في الكلمة من معنى وتضيف: ويريد كل شخص أن يتأكد من أننا نفعل ما ينبغي علينا فعله لتحويل هذه المآسي الى شيء هادف. بدأت سلسلة عمليات القتل في 19 يونيو عندما أطلق أحد جنود القوات الخاصة النار على زوجته باسلوب تنفيذ عمليات الإعدام ثم قام بقتل نفسه وكان الجندي قد عاد من أفغانستان قبل يومين فقط بعد أيام قليلة على ذلك قام أحد الطهاة بالجيش بطعن زوجته وإشعال النار فيها وفي 20 يوليو اكتشفت الشرطة جثتين إحداهما لجندي في قوة دلتا الخاصة والأخرى لزوجته في مسكنهما ببلدة ستدمان في ولاية كارولاينا الشمالية. وفي نفس اليوم اعتقلت الشرطة بيل رايت الضابط بالقوات الخاصة بعدما أرشد المحققين الى المكان الذي دفن فيه زوجته جينيفر. وقالت ويلما ووتسون والدة رايت التي تقيم في ميسون باوهايو: الى حين عودته (بيل) من أفغانستان ما كان العنف مصدر قلق بالنسبة لي وبعد عودته لستة أسابيع مضت كانت تنتابه ثورات من الغضب العارم. وفي أحدث عملية قتل جرت في القاعدة العسكرية جرى اعتقال جوان شانون لقتلهازوجها ديفيد شانون النقيب بالقوات الخاصة بمساعدة ابنتها ذات الخمسة عشرعاما. تقول وزارة الدفاع إن الغالبية الساحقة من أسر العسكريين تنعم بحياة طبيعية سعيدة حتى في أزمنة الحرب وفي الوقت الحاضر يقوم 1100 مستشار في 97 موقعا على امتداد العالم بمساعدة الجنود على التكيف مع تغيرات ما بعد نشر الجنود للقتال. ابعاد إنسانية وتقول جونسون ما ينبغي إدراكه عن الجندية هو إنها في الأساس مهمة تتعلق بالبشر وهناك أبعاد إنسانية لا يمكن السيطرة عليها بشكل مطلق لدى البشر. غير أن ثقافة الجيش لاسيما على مستوى الصفوة تجعل التماس الجنود وأسرهم للمساعدة أمرا صعبا إذ يمكن النظر للمشكلات داخل البيوت باعتبارها علامة ضعف - وقد تتسبب في تعويق ترقيات قيمة ولا يغطي تأمين الجيش نفقات الاستشارة الخاصة وتشير تقارير الى أن بعض الجنود يتسللون خفية الى مكاتب الأطباء النفسيين التماسا للعون. وتقول كاثرين لوتز العالمة في مجال علم الإنسان (انثروبولوجي) بجامعة نورث كارولاينا في شابل هيل والتي درست ثقافة القاعدة العسكرية: الذين يقومون على قيادة الجيش هم أشخاص جرى اختيارهم بسبب تمسكهم بالثقافة وتضيف: تتضمن هذه الثقافة على قدر هائل من الثقة والاعتزاز بالمقدرة غير أنها تشجع أيضا مفهوم أن الرجولة حصن حصين وأنها لا تطلب العون وأنها تسيطر على كل مافي محيطها وفي حين أصدرت السلطات العسكرية أوامر عديدة في شأن رفض وعدم تحمل أعمال العنف المنزلي -من بينها ما صدر في أعقاب ست عمليات قتل منزلي في غضون ستة أشهر بين عسكريين في قاعدة كامبيل بكنتكي في عام 1997- فان القوانين المدنية التي تم وضعها لحماية الضحايا الذين يبلغون عن أعمال اعتداء لا تسري على أسر العسكريين وتقول كريستين هانسن مدير مؤسسة مايلز التي تعين الأزواج من ضحايا الاعتداء في العسكرية لا تأخذ سلامة الضحية أهميتها في الحياة المدنية. وتكمن مشكلة أخرى في أن 70 في المائة من بين 45000 جندي يقيمون في فورت براغ يعيشون في سبع مقاطعات غير مطلوب من السلطات المدنية فيها إبلاغ السلطات العسكرية بحوادث الاعتداء المنزلي ويقول سام بينيكا محقق جنايات إن أعمال الاعتداء الزوجي والاعتداء ضد الأطفال مألوفة في المنطقة. وتعتبر انيتا التي عمل زوجها مايك قائدا لطائرة اباتشي خلال حرب الخليج شاهدة على كيفية مفاقمة الحرب لضغوط علاقات القربى وهي تقول: لا أستطيع فهم القيام بقتل أم أطفالك ولكني أعلم يقينا أنه من الصعب على كثير من هؤلاء الرجال التوافق مع المجتمع بعدما شاهدوا الكثير من أعمال القتل ومن الممكن أن يحدث ذلك تأثيرا عليهم عند عودتهم للوطن. * باتريك جونسون - كريستيان ساينس مونيتور