إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا الله حّقَّ تٍقّاتٌهٌ وّلا تّمٍوتٍنَّ إلاَّ وّأّنتٍم مٍَسًلٌمٍونّ} {يّا أّيٍَهّا النَّاسٍ اتَّقٍوا رّبَّكٍمٍ الذٌي خّلّقّكٍم مٌَن نَّفًسُ وّاحٌدّةُ وّخّلّقّ مٌنًهّا زّوًجّهّا وّبّثَّ مٌنًهٍمّا رٌجّالاْ كّثٌيرْا وّنٌسّاءْ وّاتَّقٍوا الله الَّذٌي تّسّاءّلٍونّ بٌهٌ وّالأّرًحّامّ إنَّ اللَّهّ كّانّ عّلّيًكٍمً رّقٌيبْا} {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا الله وّقٍولٍوا قّوًلاْ سّدٌيدْا، يٍصًلٌحً لّكٍمً أّعًمّالّكٍمً وّيّغًفٌرً لّكٍمً ذٍنٍوبّكٍمً وّمّن يٍطٌعٌ الله وّرّسٍولّهٍ فّقّدً فّازّ فّوًزْا عّظٌيمْا} ثم أما بعد: فقد منّ الله على هذه الأمة بأن جعلها خير الامم وبعث فيها أفضل الرسل وجعل شريعته أفضل الشرائع والقرآن الذي انزل عليه مهيمناً على الكتب وخاتماً لها. ومن أعظم أسباب خيرية هذه الأمة، قيامها بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّتٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ... } روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ} قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس: {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ} يعني: خير الناس للناس، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال: {تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ}، وقد بين الله تعالى في كتابه أن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي شأن أفراد هذه الأمة فضلاً عن دعاتها وعلمائها قال تعالى: {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ يّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ پًمٍنكّرٌ ... } وقد ورد في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على: 1- فضل الدعوة إلى الله. 2 - الأمر بها. 3- ذم من تركها. 4- عقوبة من تركها وتخلى عنها. 1- فضل الدعوة إلى الله: اما فضلها فقد قال تعالى: {وّمّنً أّحًسّنٍ قّوًلاْ مٌَمَّن دّعّا إلّى الله وّعّمٌلّ صّالٌحْا وّقّالّ إنَّنٌي مٌنّ المٍسًلٌمٌينّ}. قال السعدي رحمه الله: «هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولاً، أي: كلاماً وطريقة وحالة {مٌَمَّن دّعّا إلّى پلَّهٌ} بتعليم الجاهلين ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله بجميع أنواعها والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه. خصوصاً من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»ا.ه. ومن الأدلة على فضلها ما ثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.. «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم». قال الشيخ سليمان بن عبدالله في تيسير العزيز الحميد: «أي: خير لك من الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء. قيل: المراد خير من أن تكون متصدقاً بها. وقيل تقتنيها وتملكها. قلت: هذا هو الأظهر، والأول لا دليل عليه. أي أنكم تحبون متاع الدنيا، وهذا خير منه، قال النووي رحمه الله: تشبيه أمور الآخرة بأمور الدنيا إنما هو للتقريب إلى الافهام والا فذرة من الآخرة خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها»أ.ه. وسمعت الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول: والمراد: خير من الدنيا وما فيها. ومما ورد في فضل الدعوة إلى الله ما رواه مسلم وأحمد وأهل السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه: لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً». 2- الأمر بالدعوة إلى الله تعالى: وقد أمر الله جل وعلا بالدعوة وحث عليها قال تعالى: {وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ يّدًعٍونّ إلّى الخّيًرٌ وّيّأًمٍرٍونّ بٌالمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍفًلٌحٍونّ} والمعنى: ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمقصود: أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن وان كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». 3- ذم من ترك الدعوة: وورد في القرآن والسنة ذم من ترك الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى: {وّتّرّى" كّثٌيرْا مٌَنًهٍمً يٍسّارٌعٍونّ فٌي الإثًمٌ وّالًعٍدًوّانٌ وّأّكًلٌهٌمٍ السٍَحًتّ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّعًمّلٍونّ، لّوًلا يّنًهّاهٍمٍ پرَّبَّانٌيٍَونّ وّالأّحًبّارٍ عّن قّوًلٌهٌمٍ الإثًمّ وّأّكًلٌهٌمٍ السٍَحًتّ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّصًنّعٍونّ}. قال في المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير: «وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت»: أي يبادرون إلى ذلك من تعاطى المآثم والمحارم والاعتداء على الناس وأكلهم أموالهم بالباطل {لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّعًمّلٍونّ} أي لبئس العمل عملهم ، وبئس الاعتداء اعتداؤهم. وقوله: {لّوًلا يّنًهّاهٍمٍ الرَّبَّانٌيٍَونّ} يعني هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار عن تعاطي ذلك، والربانيون هم العلماء العمال أرباب الولايات عليهم، والأحبار هم العلماء فقط. {لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّصًنّعٍونّ} وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني الربانيين، أنهم بئس ماكانوا يصنعون، يعني من تركهم ذلك، وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: ما في القرآن أشد توبيخاً من هذه الآية: {لّوًلا يّنًهّاهٍمٍ الرَّبَّانٌيٍَونّ وّالأّحًبّارٍ عّن قّوًلٌهٌمٍ الإثًمّ وّأّكًلٌهٌمٍ السٍَحًتّ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّصًنّعٍونّ}. وروى ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر قال: خطب علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنما أُهلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا في المعاصي أخذتهم العقوبات، فمُروا بالمعروف وانهَوْا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً ولا يقرب أجلاً. وروى الإمام أحمد عن جرير قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم اعز منه وأمنع، ولم يغيروا إلا أصابهم الله منه بعذاب»أ.ه. وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: «أي: ينهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس، الذين منّ الله عليهم بالعلم والحكمة عن المعاصي التي تصدر منهم ليزول ما عندهم من جهل، وتقوم حجة الله عليهم. فإن العلماء عليهم أمر الناس ونهيهم وأن يبينوا لهم الطريق الشرعي، ويرغبوهم في الخير ويرهبوهم من الشر»أ.ه. 4- عقوبة من ترك الدعوة وتخلى عنها: وكذلك ورد في القرآن والسنة عقوبة من ترك الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة عليها كما في قوله تعالى: {لٍعٌنّ الذٌينّ كّفّرٍوا مٌنً بّنٌي إسًرّائٌيلّ عّلّى" لٌسّانٌ دّاوٍودّ وّعٌيسّى ابًنٌ مّرًيّمّ ذّلٌكّ بٌمّا عّصّوًا وَّكّانٍوا يّعًتّدٍونّ، كّانٍوا لا يّتّنّاهّوًنّ عّن مٍَنكّرُ فّعّلٍوهٍ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّفًعّلٍونّ } أي كان لا ينهى أحد منهم أحداً عن ارتكاب المآثم والمحارم روى أبو داود عن العرس بن عميرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها وكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها». قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: «أي طردوا وأبعدوا عن رحمة الله» «على لسان داود وعيسى بن مريم» أي: بشهادتهما وإقرارهما بأن الحجة قد قامت عليهم وعاندوهما (ذلك) الكفر واللعن {بٌمّا عّصّوًا وَّكّانٍوا يّعًتّدٍونّ} أي: بعصيانهم لله وظلمهم لعباد الله صار سبباً لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله فإن الذنوب والظلم عقوبات.