سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في خطبة للشيخ ابن حميد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العلامة الفارقة لهذه الأمة
البلاء أن يعلن أصحاب المنكرات منكراتهم ويتظاهر أهل الشر بشرهم
طائفة تلقى ما تلقى لأنها تسير في ركاب الأنبياء وفي درب المرسلين
أوضح فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الإنسان مدني بطبعه مؤكدا عدم استقامة حياة البشر ولا هناء عيشهم إلا مع بني جنسهم، وقد جعل الله بعضهم لبعض سخريا. لا يستقل أحد بحاجته دون الآخر. وبين فضيلته في أحد الخطب التي القاها في المسجد الحرام تحت عنوان (الزموا سفينة النجاة) أن من مظاهر المدنية الإنسانية وخصائص الطبيعة البشرية المناصحات والمشاورات والإرشادات والتوجيهات والأوامر والنواهي. فهذه كلها من لوازم الوجود البشري والحياة المدنية فالبشر لابد لهم من أمر ونهي ودعوة وإرشاد ومناصحة وتوجيه.. فمن لم يأمر بالخير والحق أو يؤمر به امر بالشر والباطل وانجر إليه ولو أراد الإنسان أن لا يأمر ولا ينهى لا بخير ولا بشر ما أمكنه ذلك لأن هذا من مقتضيات الفطرة الإنسانية ومتطلبات الحياة الاجتماعية ونفوس البشر كلها إما لوامة وإما مطمئنة وإما أمارة بالسوء.. وجميع هذه النفوس إن لم تشغل بالحق والخير شغلت بالسوء والباطل.. ومن لم يزحف بمبادئه زحف عليه قال تعالى: {وّلّوًلا دّفًعٍ اللهٌ النّاسّ بّعًضّهٍم بٌبّعًضُ لَّفّسّدّتٌ الأّرًضٍ} وأمة الإسلام هي الأمة الجامعة لأصول الديانات أمر ونهي وأكد فضيلته أن جماع دين الإسلام أمر ونهي فالأمر الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالمعروف والنهي الذي جاء به هو النهي عن المنكر، وجميع الولايات والمسؤوليات في الاسلام إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عنه المنكر، مشيرا الى ان المجتمع المسلم يعرف المعروف ويقره، ويرضاه ويحبه، ويلتزم به ويأمر به، وينكر المنكر ويأباه، ويجتنبه وينهى عنه. وخلص فضيلته من ذلك إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العلامة الفارقة لهذه الأمة وهو تاج عزها وعنوان خيريتها {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ وّتٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّه} وأنه ثمرة الرسالة وخلافة النبوة وأثر الدعوة {الذٌينّ يّتَّبٌعٍونّ الرّسٍولّ النَّبٌيَّ الأٍمٌَيَّ الّذٌي يّجٌدٍونّهٍ مّكًتٍوبْا عٌندّهٍمً فٌي التّوًرّاةٌ وّالإنجٌيلٌ يّأًمٍرٍهٍم بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّاهٍمً عّنٌ المٍنكّرٌ وّيٍحٌلٍَ لّهٍمٍ الطَّيٌَبّاتٌ وّيٍحّرٌَمٍ عّلّيًهٌمٍ الخّبّائٌثّ}. أصل من الإسلام وبين فضيلته أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الإسلام وركن من أركان الملة وأساس من أسس الشريعة ومظهر من مظاهر حضارة أهل القرآن، به قوام الأمر وملاكه، لا يرتفع منار الشريعة بدونه، ولا اعتصام بحبل الله إلا على هداه، هو الجهاد الدائم، والفريضة المحكمة، وهو الباب الحافظ للشريعة بإذن الله من هجوم البدع، وترهات الانحراف، ورياح الفسوق وتيارات المعاصي، به بإذن الله حماية العقيدة وصيانة الفضيلة وحراسة الحرمات. وأردف: فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صورة من صور التكافل والتضامن وتحقيق الموالاة: {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ يّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّر} وهو من أخص خصائص أهل الإيمان الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم إنهم آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر حافظون لحدود الله، وهو سبب من أعظم أسباب النصر والتمكين {وّلّيّنصٍرّنَّ اللهٍ مّن يّنصٍرٍهٍ إنَّ اللهّ لّقّوٌيَِ عّزٌيزِ، الذٌينّ إن مَّكَّنَّاهٍمً فٌي الأّرًضٌ أّقّامٍوا الصَّلاةّ وّآتّوٍا الزَّكّاةّ وّأّمّرٍوا بٌالًمّعًرٍوفٌ وّنّهّوًا عّنٌ المٍنكّرٌ وّلٌلَّهٌ عّاقٌبّةٍ الأٍمٍورٌ}. ضمانة البيئة وقال إن هذه الشعيرة ضمانة للبيئة الإسلامية من التلوث الفكري والانحدار الأخلاقي، فإذا كانت الأمم تهتم بصحة البيئة وسلامة الأبدان ونظافة المطاعم والمشارب ونقاء الماء والهواء فإن صفاء الفكر واستقامة الخلق أكبر وأعظم والتلوث فيهما أشد وأنكى وأي باب أوسع في هذا التلوث من نشر اللوثات الفكرية التي تشكك في الدين وتهز الثوابت وتفسد الأخلاق وتنشر الرذيلة في كتاب أو قصة أو قصيدة أو رواية أو مسلسل أو شريط أو مجلة أو صحيفة. وأضاف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة الدولة الإسلامية بأجهزتها وولاياتها ودواوينها ووزاراتها وهو وظيفة الدعاة والموجهين والمربين وأجهزة الإعلام والتعليم كل حسب قدرته وحسب صلاحيته (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. وفي رواية (ليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان). مشيرا الى أن أهل العلم والصلاح في مقدمة المسؤولين عن هذا الركن العظيم. {لّوًلا يّنًهّاهٍمٍ الرَّبَّانٌيٍَونّ وّالأّحًبّارٍ عّن قّوًلٌهٌمٍ الإثًمّ وّأّكًلٌهٌمٍ السٍَحًتّ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّصًنّعٍونّ} ويقول ابن جرير رحمه الله (ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها). طائفة خاصة * . إنهم طائفة تمثل الخيرية في المجتمع وتحافظ عليها وتحميها، إن في أرواحها من التوهج وفي نفوسها من الحيوية ما يجعل هم مجتمعها هو همها الأكبر فيسعد بها المجتمع إذ تحفظ عليه توازنه واستقامته وعناصر استمراره وبقائه. إنهم فئة من المجتمع مسموعة الصوت، واضحة التأثير تملأ الفراغ وتملك من التأثير ما يجعل جادة الحق واضحة وطريق الصواب بارزة ومسالك الخير بينة فتستمر سنة المدافعة بين الحق والباطل، إنهم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، مشاعل وسرج يصلحون ما أفسد الناس، بدين الله قائمون، وعلى الحق حراس، يدعون من ضل الى الهدى ويبصرون من العمى ويصبرون على الأذى همهم أثابهم الله وأعظم أجورهم إقامة دين الله وإعلاء كلمته وإعزاز أوليائه إنهم صمام الأمان بإذن الله وسبب نجاح الأمة من الهلاك. وأشار الى أن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف ليس بالهين ووظيفة ليست باليسيرة فهو يصطدم بشهوات الناس ورغباتهم، ويقطع بعض أهوائهم وملاذهم، ويكبت غرور بعض المتكبرين ويحد من تسلط بعض المتسلطين ففي الناس الجبار الغاشم، وفيهم الظالم المتجاوز والمنحرف الذي يكره الاستقامة وفيهم أشباه البهائم عبيد الشهوات بل فيهم من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ومن ثم تأتي هذه الفئة الطيبة المباركة وكل من يقوم بمثل ما تقوم به من محاربة المنكرات والمدافعة من أجل فشو المعروف فتتلقى من الأذية والعنت والتطاول والاتهامات لأنها تسير في مضادة أهل الشهوات والأهواء الذين لا يهتمون إلا في إشباع رغباتهم ولا يتجاوز نظرهم مواقع أقدامهم. * . ومن أجل هذا فقد جعل هؤلاء الأخيار من الصبر حصنا حصينا ومن الاحتمال والتحمل خلا أمينا، يوطنون أنفسهم على تجرع كؤوس المرارة وتجنب حلاوة المداهنات وتحمل أذى الخلق في جنب الله، معتمدين على مولاهم لا يحزنون على من خذلهم ولا يأسفون على من قلاهم، قد قطعوا أطماعهم من الخلق ووقفوا بكفالة الإله الحق {$ّمّن يّتّوّكَّلً عّلّى پلَّهٌ فّهٍوّ حّسًبٍه} يتحرون الإخلاص والبعد عن الهوى أو قصد التشفي أو الإنتصار للنفس في نزاهة نفسية وصفاء قلبي بعيدا عن الضغائن والأحقاد بأسلوب الأدب والمحبة والشفقة يخاطبون العقل والغيرة الدينية والحمية والشهامة متسلحين بسلاح العلم والحكمة والعدل والإنصاف والرفق والحلم والصبر. يعلمون أن للنفوس إقبالا وإدباراً فيتعاهدونها حين إقبالها وانبساطها بالكلمات الطيبات والمهاداة والملاحظات حتى تصل إلى القلوب بإذن الله متمثلين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) (رواه البخاري ومسلم). الغلو المقيت * يجسد ذلك ويوضحه هذا المثال العظيم الدقيق الذي ضربه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وبعضهم في أعلاها فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولابد لي من ماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه وأنجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوا وأهلكوا أنفسهم) (رواه البخاري). ويوم يزيف الناس هذا الحق ويلبسونه بالباطل بدعوى التقدم والحرية والخصوصية يكونون بذلك قد جردوا هذه الأمة من أقوى أسلحة دعوتها ودعامتها وتضامنها وضمانة الخيرية فيها وأبعدوها عن أقوى خصوصية بقائها واستمرارها وبتركه وإهماله تسقط الأمة من ميزان التقييم والتفضيل حتى تعبر الى حضيض الانهيار الاجتماعي مستوجبة اللعن والطرد كما لعن الذين من قبلها {لٍعٌنّ الذٌينّ كّفّرٍوا مٌنً بّنٌي إسًرّائٌيلّ عّلّى" لٌسّانٌ دّاوٍودّ وّعٌيسّى ابًنٌ مّرًيّمّ ذّلٌكّ بٌمّا عّصّوًا وَّكّانٍوا يّعًتّدٍونّ، كّانٍوا لا يّتّنّاهّوًنّ عّن مٍَنكّرُ فّعّلٍوهٍ لّبٌئًسّ مّا كّانٍوا يّفًعّلٍونّ} *المائدة: 78 79*. حفظ الدين وأكد فضيلته أن بإقامة هذه الشعيرة يقوم الدين وتحفظ الملة وتعز الأمة وتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر. وبذلك تستقيم الموازين وتتضح المفاهيم فيتبين للناس المنكر من المعروف والحق من الباطل والمشروع من الممنوع والمباح من المحرم: {فّلّوًلا كّانّ مٌنّ القٍرٍونٌ مٌن قّبًلٌكٍمً أٍوًلٍوا بّقٌيَّةُ يّنًهّوًنّ عّنٌ الفّسّادٌ فٌي الأّرًضٌ إلاَّ قّلٌيلاْ مٌَمَّنً أّنجّيًنّا مٌنًهٍمً وّاتَّبّعّ الذٌينّ ظّلّمٍوا مّا أٍتًرٌفٍوا فٌيهٌ وّكّانٍوا مٍجًرٌمٌينّ، وّمّا كّانّ رّبٍَكّ لٌيٍهًلٌكّ القٍرّى" بٌظٍلًمُ وّأّهًلٍهّا مٍصًلٌحٍونّ} [هود: 116 117]. مشيراً إلى ان ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة أمر خطير ونذر شر مستطير فبضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزداد المنكرات وتقوى، وتنتشر في الناس وتطغى. وحال الناس لا يقف عند حد فأما أن يهيمن الخير والمعروف ويضعف المنكر ويستتر، وإما أن ينتفش الباطل ويستعلى المنكر. والمجتمع الصالح هو الذي يسوده البر ويكون فيه أهل الاستقامة والصلاح ظاهرين والبلاء كل البلاء أن يعلن اصحاب المنكرات منكراتهم ويتظاهر أهل الشر بشرهم، والأمة التي تظهر فيها المنكرات وتفشوا وتعلن تتعرض لهزات عظيمة لا يعلم مداها إلا الله والمعصية إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها أما إذا أعلن بها فإنها تضر العامة وكل الأمة معافى إلا المجاهرين. ولقد سألت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) (رواه البخاري ومسلم). فإذا تهاون الناس مع أهل المعاصي والمنكرات الفكرية والأخلاقية وفشا أثرها فلا يزال الخبث ينتشر وتألفه النفوس وتتربى عليه الأجيال وحينئذ يحيق بالقوم أمر الله. صالحهم وطالحهم فإذا ما غلت الأسعار فإنها لا تقتصر على الفاسقين وإذا ما اضطرب الأمن فإنه لا يخص الطالحين وإذا استباح العدو الحمى فإنه لا يستثنى أحدا. وإذا ما استمر أصحاب الأهواء والشهوات في غيهم فعلى المجتمع أن يتحمل المسؤولية تجاه حاضره ومستقبله ودنياه وآخرته (لتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم) (رواه أبو داود) ويقول ابن العربي والسكوت على المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من الظلمة على الخلق). أي خير يرتجى ممن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضيع وهو بارد القلب أخرس اللسان وهل الخوف والهلكة إلا من مثل هذا. ونعوذ بالله من موت القلوب. والقلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره لدين الله أكمل قيل لابن مسعود رضي الله عنه: من ميت الأحياء قال الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا داعيا فضيلته من يريد النجاح إلى لزوم سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتفكر في عالم اليوم وأرجاء العالم الإسلامي وذلك ليدرك ما عليه هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين التي جعلت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهة مسؤولة وجهازا خاصا وهيئة تتولى القيام به وترعاه وتباشره وفق أنظمة شرعية على نهج الكتاب والسنة مع مراعاة لمتغيرات العصر ومتطلبات الأحوال والناس. توفيق البلاد وقال وهذا من توفيق الله وفضله لهذه البلاد وأهلها وقادتها بل هو من أخص خصائصها في رفعها لواء الحكم بما أنزل الله كتاباً وسنة ودستورا ونهج حياة، ورعايتها للحرمين الشريفين مهوى أفئدة المسلمين. وهي كلمة حق تقال وأعمال تذكر وتشكر مع ما يرجى ويؤمل من مزيد الدعم والتأييد فالتيارات كثيرة والمتغيرات متسارعة والمغرضون كثير والمتربصون أكثر ورافعوا ألوية الفساد لا يألون جهدا في خرق السفينة وسنن الله لا تحابي أحدا فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وليس الفرد ولا لمجتمع حصانة ذاتية، ومن يضمن السلامة حين يتعرض لتيارات الفتن وموجات التحلل عياذا بالله. (*)رئيس قسم الإعلام بإدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر