الكبر هو استعلاء الانسان على غيره من الناس، والترفع على من دونه وهو مرض خلقي ورذيلة من أسوأ الرذائل نهى الاسلام عنها وحذر منها. قال الله تعالى: (ولا تصعِّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً) وقال سبحانه: (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً) والصورة الواضحة في معنى الكبر تظهر عندما يدفع المتكبر الحق ويرده، فلا يقبله، وحين يزدري الناس ويحتقرهم ولا يحترمهم، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، وفعله حسنا؟ قال: إن الله جميل يجب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس ومعنى بطر الحق؟ رده وعدم قبوله ومعنى غمط الناس احتقارهم. والكبر يورد صاحبه موارد الهلاك، لأنه يدفعه إلى كل شر ويبعده عن كل خير، عن أبي مسلمة بن عبدالرحمن قال: التقى عبدالله بن عمرووعبدالله بن عمر على الصفا فتوافقا، فمضى ابن عمرو، وأقام ابن عمر يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا أبا عبدالرحمن؟ فقال: هذا يعني عبدالله بن عمرو زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر أكبه الله في النار على جهه , ومن الآثار السيئة التي تترتب على هذا المرض الخلقي الكبر ما يأتي: أولا : ان الله تعالى يعمي قلب المتكبر، فلا يهتدي إلى الحق، ولا يفهم آيات الله تعالى، ولا يتدبر ما فيها، لأن الله تعالى طمس على قلبه عقوبة له على تكبره، وفي هذا إنذار لكل من تسول له نفسه أن يتكبر، وأن العاقبة الوخيمة لكل من يصرف عن آيات الله بسبب تكبره، قال سبحانه: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) وقال سبحانه: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار). ثانيا: ان الله تعالى لا يحب كل مختال فخور، ولا يحظى بكرم الله تعالى إلا من أحبه فالمتكبر بعيد عن الله، قال تعالى: (إن الله لا يحب كل مختال فخور). ثالثا : يمتد خطر الكبر حتى يصل صاحبه الى ان يستكبر عن عبادة ربه سبحانه وتعالى، فتكون نهايته جهنم وبئس القرار قال تعالى: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). رابعا : من الآثار التي تعود على المتكبر غضب الله سبحانه، وسوء خاتمته حتى يلقى الله وهو عليه غضبان، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان . خامسا: ان الله تعالى يعجل للمتكبر العقوبة ويضاعفها له حتى تصل إلى الخسف من الدنيا، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يتبختر في بردته، إذ أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . والذي يدفع الانسان إلى رذيلة التكبر، هو ضعف إيمانه بالله تعالى إذ لو كان قوي الإيمان بالله، ما تكبر: لأنه يكون حينئذ مؤمنا بأن الله وحده هو الكبير المتعال، وهو العزيز الجبار المتكبر فأول اسباب التكبر، هو ضعف الإيمان بالله، وعدم الإيمان بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب، وان الملك فيها لله الواحد القهار، قال الله تعالى: (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) ومن أسباب التكبر التفاخر بالاحساب والأنساب، والله تعالى قد جعل ميزات الأفضلية بتقواه لا بالأحساب ولا بالأنساب (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). * ومن أسباب التكبر: المال وكثرة العرض، وعلى من بيده مال ألا يتعالى على الناس به، بل عليه ان يشكر الرزاق بصرفه في الوجوه المشروعة، فالمال عرض زائل، وهو فتنة لصاحبه، فيكون سبب هلاكه إن طغى وتكبر بسبب المال، ويكون خيرا له إن تواضع به وأعطى حقوق العباد منه، وعليه ألا ينسى انه من تراب وإلى تراب, وكان على صاحب المال ألا يتعالى على الناس به ولا يتفاخر ويتكاثر، بل يخرج زكاة ماله وينفق منه، نعم المال الصالح للرجل الصالح فحبذا لو جعل منه صدقة جارية تبقى له بعد موته، كما قال صلى الله عليه وسلم إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له والذي يتكبر بالمال، لا يأمن ان تزول النعمة من يده، أو يهلك ماله، فليس له ان يستعلى على الناس بالمال بل عليه أن يؤدي حق الله وحق العباد. ومن أسباب التكبر: المنصب والسلطان والجاه فكثير من الناس يتغيرون في معاملاتهم إذا تولوا منصبا، ويأخذهم الصلف والغرور، وينسى رفقاء رحلته أيام التعب والخشونة ولكن شأن كرام المؤمنين ألا تغيرهم المناصب، وألا ينسوا إخوانهم، كما قال الشاعر: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المواطن الخشن وعلى من رأى في نفسه الاستعلاء بسبب المنصب ان يرى نفسه وأصلها وأن يتخلى عن مرض الغرور، ويتحلى بالتواضع وها هو عمر بن عبدالعزيز كان مع بعض جلسائه فاحتاج السراج إلى اصلاح فقام ليصلحه، فقالوا له: كنا نكفيك ذلك؟ فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قمت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر ما نقص مني شيء. بمثل هذا التصرف الحكيم يعالج العقلاء نزعات النفوس التي توردهم موارد الصلف والغرور، ويعالجون ضعف أنفسهم بالحكمة. محمد حيدر منصور الشيخ جازان