* في مجموعة «سؤال في مدار الحيرة» للقاصة حكيمة الحربي «لميس منصور» تخرج اللغة بأبهى صورها محاولة في سياق السرد المقتضب أن تكون هذه اللغة واصفة لمحتوى الفكرة التي تقوم عليها كل قصة من القصص؛ وجاء هذا الاقتضاب مفيداً جدا إذ خدم هذه الحكايات التي أوردتها الكاتبة.. فمثلاً قصة «تعيين جديد» «المجموعة ص17» نجد أن الحكاية أو الفكرة موجودة في الذهن مسبقاً.. لكنها استطاعت أن تقتضب في إعادة رسمها في مخيلة القارئ من خلال توامضها التدريجي الذي يصل في النهاية إلى ذروة العناء اليومي للعمل الوظيفي المألوف.. * كلمة تُغْنِي عن حديث متطاول المتأمل لمجموعة القاصة لميس منصور يدرك أنها عُنيت بالسرد كثيراً لكنها لم تستبعد اللغة الشارحة.. تلك التي توائم بين المقولات باعتبارها حدثاً حكائياً مألوفاً يتطلب منا وقتا طويلا لاستيعاب عوالمه.. لكن هذه اللغة في سياق الأحداث تأتي معاضدة في بناء الجملة السردية لنكون أمام إضمامة حكائية تُغني الكلمة فيها عن حدث قد يطول ونعجز عن متابعة تفاصيل أحداثه التي غالباً ما تتداخل في نسق مألوف عن الحكاية في أدبنا العربي بشكل عام. القصص تذهب إلى محاولة فهم الحكاية كاملة ومن ثم تقديم جوهرها على هيئة جملة سردية متماسكة وهذا ما برعت به الكاتبة إذ إن هذا التخفف على القارئ في سرد الحكايات أعطى حيوية مناسبة توائم بين المقولة والذائقة التي تعيد رسمها من جديد لتتجسد في هذا السياق رؤية الكاتبة في تقديم المألوف من الحكاية لكنه تقديم وصفي مقتضب يُغْنِي عن حديث قد يطول. * في دفترها.. تفتش المرأة عن سؤال.. تحاول القاصة لميس منصور أن تقدم لنا ثقافة السؤال.. بل ابداعه الحقيقي لحظة أن يوجز لنا هذا الكم الهائل من الأفكار التي تعصف بشخوص القصص.. لكن السؤال كفاتحة للمشروع القصصي والذي يتجسد بالعنوان الرئيسي للعمل يأتي مقترنا بمدار الحيرة تلك الثنائية التي تقسم العنوان إلى كتلتين أولاهما السؤال بوصفه حالة، ومدار الحيرة بوصفها بناءً سرمدياً داخل النصوص لا يمكن أن تجده واضحاً كما تتضح حقيقة السؤال حتى وإن حاولت الكاتبة أن تقدم لنا ومن خلال القصة الأولى في المجموعة «سؤال في مدار الحيرة» رؤية خاصة تود بها أو تطمح أن يكون الفعل القرائي مرهوناً بهذا الكم التفسيري عن ما هية السؤال، وكنه الحيرة أو المتاهة المعاندة.. تلك التي جعلت التركيبة الثنائية متباينة في تقدمها للقارئ.. إلا أن ما يمكن ملاحظته في هذا الاطار هو مشروع السؤال القائم في كل نص.. فتارة نراه يوجز ويقتضب وتارة أخرى يستفهم عن كنه الحالة التي يعيشها شخوص القصص وفي بعض الأحيان - كما في نص مرآة مغرورة - والتي جاءت استنطاقاً للمرآة - الجماد - في محاولة من الكاتبة أن تضع للسؤال هويته الخاصة.. تلك التي ينطلق فيها نحو استجلاء حقيقية الفكرة، وجوهرها الذي يبحث فيه القارئ عن ضالته المفقودة في وعي الاسئلة وثقافتها التي تتعالق مع السياق العام والمبني على العنوان الرئيسي للمجموعة. وتأخذ الأسئلة بعدها الحميمي مع المرأة.. وكأن شخوص القصص يفتشون عن حكايات مغلقة مفاتيحها الأسئلة ولاسيما أن الذكرى هي حالة الاجابة المتوقعة دائماً إذا هممت بطرح أي سؤال قد يكون مقروناً بتعجب.. يوحي بأن هناك حجماً لا بأس به من الحيرة التي تشكلت كجزء من ثنائية هذه المعادلة التي تكون المجموعة بشكل عام. وإذا ما تأملنا نصوص المجموعة يمكننا أن نلمح الحالة العامة التي شكلت بناء العمل.. تلك الحالة التي تتمثل في بناء علاقة قوية مع الحكاية لكن العلاقة تأخذ شكل الومضة المقتضبة لتؤسس في الذهن حضورها المناسب. يبقى أن نشير إلى أن هذه المجموعة الجديدة للكاتبة لميس منصور هي أحدث أعمالها السردية كما أن لها تجربة أخرى في العمل الكتابي من خلال كتابة المقالة وكذلك الإسهام في بعض الأنشطة الثقافية في مجال المرأة.. كما أن هذا العمل هو أحدث إصدارات النادي الأدبي بحائل. صوت الراوي قوي.. ولغته شعرية واصفة.. إشارة: * سؤال في مدار الحيرة (قصص قصيرة جداً). * لميس منصور (حكيمة الحربي). * الطبعة الأولى 1422ه - 2002م. * النادي الأدبي بحائل. * تقع المجموعة في نحو (94 صفحة) من القطع المتوسط. * لوحة الغلاف والرسومات للفنانة عواطف المالكي.