نظرت إليك.. وكنت الصغير الذي قدم ولم يقدم.. الفارس ولم يتعلم أن يعتلي ظهر خيله.. الشجاع الذي لا يحمل سيفاً.. والأمل الذي يترقبه القلب.. فكانت كلماتي لك يا طفلي الجميل.. يا صغيري القادم من رحم الانتظار عيونك البريئة فيها رائحة المواسم الخضراء أحداقك السوداء.. وشعرك الأسود ونظراتك الحادة.. أرى فيها والدك وتسبح.. كطير أبيض في أروقة روحي.. تلتقط أصدافك البحرية.. تتقلدها لأمك ساعة مقدمك فأمك يا صغيري.. غسلت مدن وجه الصبر حتى كنت أنت ثمرة بدون أن يكون لها.. أرض تشرب الماء.. وتهب الشجر أمك يا صغيري زرعت فوق مياه الخليج.. بهجة أحلامها بمقدمك.. ومقدم أخواتك الصغار الذين لم يأتوا بعد.. وربما لن يأتوا عصفور صغير يا عيون أمك من سلالات العصافير.. طائر خائف وأمك طائر جريح.. نسور الحقد والكراهية.. جرحت أمك.. يا حبيبي يا صغيري، حفظت لك القمر.. شربت لك المر.. رسمتك في شرايين النصر.. فارس ملأت عيوني أسماك، وامتدت أروقة قلبي لخطواتك بحر وعلقت في صواري السفينة.. صورة والدك الذي لا تعرفه إلا أنه رسم وجهول يا حبيبي.. صورة والدك أجمل، أروع.. أبهى.. لا يشبه صورته هكذا أظن أنني أجعل من حضوره.. عيداً هكذا.. حتى لا تزداد حزناً.. وعيونك تزداد سواداً.. تلك التي تشبه عيون والدك.. قامتك الصغيرة.. تماثل والدك.. هدوؤك الطفولي.. يشبه هدوءه الساكن تحت فوهة بركان كان حبيبي.. فحضرت يا محمد وسرقت منه الحب.. كان الجمر وسرقت منه الوهج حين تكبر، سأروي لك عن تميّز والدك.. عن غنائه العذب لي في أحضان البحيرات حين كنت سيدة الحوريات عن حدائق الليل والنهار حتى ساعات الانكسار.. حتى ذاك الحصار.. الحصار أما الآن يا صغيري فدعني أهذي لك.. عن المدن المالحة التي عشتها.. منذ أن غادرت وجود أحبابي عن الذي سرق بوابات الصبح.. وأهداني أسقف مظلمة.. عمن كسر الداخل.. وهزم الخارج.. وأعلن الانسحاب عن جثث الأحلام.. عمن عبر بي تحت أعماق البحر وعبر بجفافي إلى بلل وملح.. عمن فتح نفقاً سرياً للخيبة في الروح سأخبرك حين لا تعي الآن.. عن هذا الذي تركنا وحيدين.. موجوعين.. وسدد السهام.. وأشهر السيوف ووأد حضورك قبل أن تأتي.. وسرق إبصاري قبل أن أراك.. ومات.. الحلم.. والواقع بين يديه.. و.. مضى.. ولم يقرؤك بعد. البريد الالكتروني: [email protected]