اكدت دراسة أعدت حديثاً ان الدعوة الى الله في اوساط النساء بشقيها «دعوة الرجال الى النساء، ودعوة النساء الى النساء» من المجالات الواسعة التي تحتاج الى جهود مضاعفة لتؤتي ثمارها وارفة على الاسرة والمجتمع - بإذن الله -. وكشفت الدراسة ان الدعوة تعاني اليوم من عدم تكافؤ الجهد المبذول لدعوة المرأة وتربيتها مع الواجب تجاهها، وخاصة في ظل الدور الافسادي المركز الموجه الى المرأة المسلمة في جل ديار الاسلام لإبعادها عن رسالتها. الشيخ علي العثمان وأبانت الدراسة - التي اعدها الشيخ علي بن عبدالله العثمان من مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بحي النسيم بمدينة الرياض - ان الهدف من العمل الدعوي في اوساط النساء هو العمل على توعية المرأة في اماكن حضورها بالوسائل الشرعية المناسبة، وتوجيه وتوظيف الطاقات العاملة في اماكن وتجمع النساء من خلال شغل الطاقات النسائية المناسبة وتدريبها والاستفادة منها في سد الثغرات، ونشر الخير في مجتمع المرأة باعتبارها الام والزوجة والاخت والبنت ومحضن الاجيال. وعلق قائلاً: ومن خلال استعراض الاهداف السابقة يتبين لنا ضخامة العمل وحاجته لأن يسد خاصة ان الجهود المبذولة في احيان كثيرة تكون فردية وتفتقر الى التدريب والتجارب لتحقيق الاهداف. وأكدت الدراسة اهمية الدعوة في الوسط النسائي، حيث تمثل المرأة 50% من سكان المملكة العربية السعودية ما بين ام وبنت وأخت وزوجة، فهي نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، وتزايد عدد الاطفال ذوي الظروف الخاصة «اللقطاء» في المملكة، حيث زاد العدد على خمسة آلاف طفل حسب احصائية وزارة العمل وهذا يحتاج الى مزيد من الجهد للتوعية وقطع دابر هذه الجريمة النكراء بحق الدين والمجتمع، وزيادة نسبة عدد النساء المدخنات، حيث تبلغ النسبة قرابة «27%» من الطالبات في المرحلة الثانوية وقرابة «10%» من المثقفات وذلك حسب احصائية الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين بالرياض، وكذا انتشار المخدرات بين بعض النساء وتزايد هذه النسب وفق ما يتم التصريح به من قبل الادارة العامة لمكافحة المخدرات، بالاضافة الى ان عدد مدارس البنات وكلياتها التابعة لتعليم البنات فقط وصل الى اكثر من «15141» مدرسة يدرس فيها اكثر من «000 ،500 ،2» طالبة وفق آخر احصائية لتعليم البنات.اما اسباب ومسوغات الدعوة في اوساط النساء فقد بينت الدراسة ان منها ان المرأة اقدر من الرجل على البيان فيما يخص المجتمع النسائي، وأن المرأة تتأثر بأختها في القول والعمل والسلوك اكثر من تأثرها بالرجل، وأنها اكثر ادراكا لخصوصيات المجتمع النسائي ومشكلاته، وقدرتها على الشمولية للجوانب الدعوية النسائية، والتمييز بين الاولويات، لطبيعتها ومعايشتها للوسط النسائي، وأنها اكثر قدرة وحرية في الاتصال بالنسباء، سواء بصفة فردية، او من خلال المجامع النسائية العامة، التي يكثر فيها لقاء النساء من خلال قنوات الدراسة والتدريس والعمل والزيارات وغيرها، وأن للمرأة تأثيرا كبيرا على الزوج فصلاحها معين على صلاحه، وأيضاً فان ضعف قناعتها بأمر دعوته موهن له، وفي قصة ام سليم مع ابي طلحة، وكذا قصة اسلام عكرمة بسبب إلحاح زوجه ام حكيم «رضي الله عنها» ما يؤكد ذلك. وأوردت الدراسة عدداً من الادلة التي تؤكد وجوب الدعوة الى الله - عز وجل - على المرأة المكلفة بالدعوة كقول الله تعالى: {وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ يّدًعٍونّ إلّى پًخّيًرٌ وّيّأًمٍرٍونّ بٌالمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ پًمٍنكّرٌ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ پًمٍفًلٌحٍونّ} وقوله تعالى: {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ يّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّيّنًهّوًنّ عّنٌ پًمٍنكّرٌ وّيٍقٌيمٍونّ پصَّلاةّ وّيٍؤًتٍونّ پزَّكّاةّ وّيٍطٌيعٍونّ پلَّهّ وّرّسٍولّهٍ} وهذا دليل على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عليهم كوجوبه على الرجال، حيث وجدت الاستطاعة، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم «ألا كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..» وفيه:« والمرأة راعية على اهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم». ومن الاحوال والقرائن والاحكام الشرعية، التي تؤكد وجوب الدعوة على المرأة حرمة الاختلاط بين الجنسين، مما يعني اهمية قيام داعيات بين صفوف النساء، ووجود بعض الاحكام الشرعية التي اختصت المرأة بروايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم كإذنه عليه الصلاة والسلام لعائشة - رضي الله عنها - بتوضيح مسألة حرجة «تتبعي به اثر الدم»، وصعوبة قيام الدعاة من الرجال بكل ما تحتاجه الدعوة بين النساء، لاختصاص المرأة ببعض الاحكام والاعذار الشرعية التي يصعب افصاح الرجال عنها، وتستحي النساء من السؤال عنها الى غير ذلك من الامور التي يصعب القول معها بغير الوجوب. وأوردت الدراسة ايضاً صوراً من دعوة المرأة التي تجلي دورها، حيث فهمت المرأة واجبها فبدأت بنفسها، فبادرات بطلب حقها من التعليم والتربية ولم تبال بعد ذلك بما حصلت عليه من متع الحياة الفانية، واذا انتقلنا الى دائرة اوسع وجدنا للمرأة المسلمة دوراً عظيماً في التضحية والبذل لدين الله - عز وجل - وكان لعائشة - رضي الله عنها - صولات وجولات في العلم والتعليم والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتناولت الدراسة مسألة ضوابط عمل المرأة بالدعوة، حيث يمكن ان نقسم الضوابط للعمل في الدعوة الى الله - عز وجل - الى قسمين: ضوابط عامة يشترك فيها الرجل والمرأة، وضوابط خاصة تختص بها المرأة باعتبارها امرأة، اما الضوابط العامة التي يشترك فيها الرجل والمرأة فهما ضابطان اثنان هما: اولاً - تحقيق الشرط العلمي للدعوة: ويدل عليه قول الحق سبحانه وتعالى: {قٍلً هّذٌهٌ سّبٌيلٌي أّدًعٍو إلّى پلَّهٌ عّلّى" بّصٌيرّةُ أّنّا وّمّنٌ \تَّبّعّنٌي} هذا الشرط العلمي يمكن تلخيصه في امور اربعة هي: معرفة احكام الشريعة التي يدعو اليها الانسان، والتمكن من معرفة هذه الاحكام بالدليل الشرعي، ومعرفة منازل الاعمال ودرجات المنكرات في الشريعة والقدرة على الموازنة بينها، ومعرفة اقوال العلماء في المسائل اجتماعاً واختلافاً. ثانياً - تحقيق الشرط المهاري، الدعوة الى الله - عز وجل - علم، وأسلوب الدعوة الى الله - عز وجل - وسيلة من وسائل الاتصال وبناءً على هذا فان الداعية الى الله - عز وجل - يجب عليه ان يكون بجانب عمله يمتلك ذلك الاسلوب الذي يبلغ به الحق الذي معه، ومن ذلك جملة امور، منها مثلاً ان يعرف احوال من يدعو، ومنها ايضاً ان يصوغ خطابه وكلامه بحسب ما يتوافق مع قدرة المدعو واستيعابه ومعرفته بما يقال وهذا الشرط يتحقق بالتجربة. كما تناولت الدراسة الضوابط الخاصة بالمرأة، ومنها ان لا يؤدي عمل المرأة في مجال الدعوة بين بنات جنسها الى الوقوع في خلاف ما تدعو اليه ومن ذلك بعض المخالفات الشرعية، والموازنة بين واجبات المرأة الاصلية وواجباتها الدعوية، وللمرأة احكام خاصة بها لا بد من مراعاتها في اي نشاط دعوي يوجه اليها، او تقوم به، والالتزام بالحجاب الشرعي، وتحريم سفرها دون محرم، قال صلى الله عليه وسلم «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» وتحريم خلوتها بالاجانب، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم» وفي رواية «إلا كان الشيطان ثالثهما»، وتحريم اختلاطها بالرجال الاجانب، فقد قال صلى الله عليه وسلم للنساء «استأخرن، فإنه ليس لكن ان تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى ان ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به، وتحريم خروجها من بيتها الا بإذن وليها.. الى غير ذلك من الضوابط الشرعية التي لا يجوز الاخلال بها. وتناولت الدراسة بالتحليل واقع دعوة المرأة، مبينة ان نظرة في واقع الدعوة اليوم، ومكان المرأة فيه ينبئ عن ذلك التقصير - دون عناء - ومن ابرز مظاهر ذلك: قلة الطاقات والكفاءات النسائية الموجودة في المجتمع، وضعف الاستفادة من هذه الكفاءات النسائية، لندرة المبادرات الذاتية المستثمرة لتلك الطاقات القليلة، وإهمالها في غالب الخطط الدعوية، وضعف التكوين الدعوي والتربوي والعلمي لدى بعض الداعيات الموجودات، وضعف استيعابهن لدور ازواجهن الدعوي - المنوط بهم شرعا - مما يفضي الى شيء من التذمر، وربما الخصام!!، وتفشي الجهل في الامور الشرعية لدى غالبية النساء. اما اسباب التقصير في دعوة المرأة، ذكرت الدراسة ان مما سبب اهمال المرأة أمور عدة، هي في الحقيقة عقبات وعوائق يصعب معها القيام بالواجب دون معرفتها وتحليلها والسعي الى معالجتها وتجاوزها، وهي: تسليم المجتمع للتقاليد التي ليس لها اصل في الشرع وللموروثات الخاطئة عن المرأة ونظرته المستنقصة لها، حيث يعتبرها مجرد اداة لحفظ النسل فقط، مما يحد من النشاط الدعوي للمرأة، وعدم اقتناع الرجل بمسئولية المرأة الدعوية، وذلك عندما يحمل قول الله تعالى: {وّقّرًنّ فٌي بٍيٍوتٌكٍنَّ} ما لا يحتمل ويسيء استخدام حق القوامة، فيمنع المرأة من الخروج لمصلحة دينها ودنياها، والمرأة ذات دور مؤثر في الموضوع، وذلك عندما يضيف مستوى الوعي عند الملتزمات ويقفن دون مستوى النضج المطلوب، او تضعف رغبة المرأة في التضحية. كذلك من اسباب التقصير في الدعوة الى الله الكيد الخارجي والداخلي المتمثل في الغزو الفكري، وخاصة الموجه للمرأة، تحت ستار تحرير المرأة، مما اقصى المرأة عن رسالتها، وشوّه صورة الاسلام في ذهنها، واستخدامها في غير ما خُلقت له، منها ايضا الاوضاع الجائرة في كثير من بلاد المسلمين التي اقصت الرجال عن ميدان الدعوة، فضلا عن النساء، وهناك اسباب اخرى، مثل: صعوبة المواصلات، وهذا امر يهون، اذ لا مانع من الدعوة داخل البيت، مع الجيران والزائرات والارحام، وفي هذه الحال على ولي الامر - وكل من يعنيهم - احتساب الاجر وسعيهم في تذليل هذه العقبة. واقترحت الدراسة عدداً من المجالات في الدعوة النسائية والتي يمكن تقديم البرامج العملية والدعوة الى النساء بشكل عام من خلالها وهي مدارس البنات الحكومية والاهلية، وهيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومدارس ودور تحفيظ القرآن الكريم النسائية، والمنشآت الصحية الحكومية والاهلية، واستثمار وسائل الاعلام، والمنزل، والمجتمع، والمسجد، والجمعيات النسائية، والاسواق، وحملات الحج، والمناسبات الاجتماعية.وخلصت الدراسة التي اعدها علي العثمان من مكتب الدعوة وتوعية الجاليات في حي النسيم الى عدد من التوجيهات وهي: جعل هم الدعوة النسائية جزءاً لا ينفصل عن هموم الدعوة في الساحة من خلال التخصص في هذا المجال، والعمل على تبني جميع مكاتب الجاليات للدعوة النسائية كجزء من هيكلها الاداري، وتفعيل دور اللجان النسائية في المؤسسات والجمعيات الخيرية، والعمل على انشاء جمعية او مؤسسة خيرية دعوية نسائية، وتبني وزارة الشؤون الاسلامية الدعوة النسائية والعمل على وجود ادارات متخصصة في ذلك يتولاها بعض طالبات العلم، وتبني برامج علمية ودورات لتخريج طالبات علم يكن مرجعا لقريناتهن، وتبني برامج دعوية لإعداد داعيات يقمن بواجبهن مع بنات جنسهن، وتشجيع افتتاح الدور النسائية لتحفيظ القرآن خاصة في المدن والمحافظات التي لا تتوفر فيها، والعناية بالجانب الاعلامي في الدعوة النسائية من خلال التعامل الايجابي مع الفرص المتاحة في وسائل الاعلام، والعمل على انشاء مراكز للاستثمارات الاسرية، وضرورة وجود التخصص العلمي في الدعوة في الكليات النسائية.