سأُوردُ ما حكاه أئمةُ اللغة عن هاتين المادتين اللُّغَوِيتين، وسأتكلم إن شاء الله عما يدورُ في فلكهما مما يصادفنا في حياتنا اليومية، وما يكون من حال بعض شبابنا من الابْتِهار والابْتِيَار. فاقرئي ونحن أمةٌ نقرأُ ولا تَمَلِّي، فقطف الثمرةعند نضجها يحلو، والحصادُ بعد أن يستوي على سوقه يعذبُ. يا أختاه! قالت العربُ: بَهَرَه يَبْهَرُهُ بَهْراً: قَهَرَهُ وعَلاهُ وغََلَبَهُ. وبهرتْ فلانه النساء: غلبتهن حُسناً. وبَهَرَ القمر النجوم بُهُوراً: غَمَرها بضوئه. وأبْهَرَ: إذا تلوَّن في أخلاقه دماثةً مرة، وخبثاً مرة آخرى. الابتهار: قولُ الكذب والحَلِفُ عليه. الابتهار: ادعاءُ الشيء كذباً، قال الشاعر: * وما بي إنْ مَدَحْتُهُمُ ابْتِهارُ وأبْتَهَر فلانٌ فلانة: شُهِرَ بها. وبهرها ببُهتانٍ: قذفها به. والابتهار: أن ترمي المرأةَ بنفسِكَ وأنت كاذب. وقيل:الابْتِهارُ:أن تَرْميَ الرجلَ بما فيه. والابْتِيَارُ: أن ترميه بما ليس فيه. وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه رفعَ إليه غلامٌ ابْتَهَر جاريةً في شعرِه فلم يُوجَدِ الثَّبَتُ فَدَرَأَ عنه الحَدَّ. قال أبو عبيدة: «الابتهار» أن يقذفها بنفسه فيقول: فعلت بها، كاذباً، فإن كان صادقاً قد فعل فهو «الابتيار» على قلب الهاء ياءً، قال الكميت: قبيحٌ ِبمِثْليِ نعت الفتاة إما ابتهاراً وإما ابتياراً يعني: إما بُهتاناً، وإما اختباراً بالصدق لاستخراج ما عندها. ومنه حديث العوام: الابتهار بالنذب أعظم من ركوبه، وهو أن يقول: فعلت، ولم يفعل، لأنه لم يَدَّعِهِ لنفسه إلا وهو لو قَدَرَ فَعَلَ، فهو كفاعله بالنيَّة، وزاد عليه بقُبْحِهِ، وهَتْكِ سِتره وتبجُحِه بذنبٍ لم يفعله. يا أختاه! إن الأسى يعتصر كبدي، والألم يحزُّ في صدري، والحسرةتكوي قلبي، لما نراه ونسمعه في كل صباحٍ ومساءٍ من حال بعض فتيات المسلمين في هذه الأيام. مَنْ هنّ؟ هنَّ الفتياتُ الحاسراتُ السافراتُ المائلات ُالمميلاتُ ! ماذا يُرِدْنَ؟ وإلى أي شيء يتطلعن؟ وما الأماني التي خامرت قلوبهن؟ نعم إنها اللذات الجسدية. وهل اللذلة لا تحصل إلا بالانحراف والانجراف والإلهاف «الشَّرَه» والشَّغَاف؟! إن الرذيلة تنتشر، والسفور تقوى شِرَّتُه، وتتسعُ دائرتُه، ويمتدُّ من مكان إلى مكانٍ ومن بلد إلى بلدٍ. خرج الفتيات المسلمات يظهر منهن مُقَدَّمُ شعورِهِنَّ، وكحْلُ عيونهنَّ يكشفنَ عن سوادهنَّ، ويُبْدينَ نحورَهُنَّ. مهلاً يا أختاه ماذا تيريدين؟ وإلى أي شيءٍ تتطلعين؟ أتريدين الشاب ؟ أتريدين الرجل؟ أو أي شيءٍ؟ لا ريبَ أن الرجل في هذه الحال هو الذي يُقْبِلُ إليك، ويشنِّف أذنيه بسماع صوتك، وسماع ضَرْبِ رِجْلَيْكِ. ويمتّعُ عينَيه ببريق تمايلك. إن الشاب هو الذي سيخطو الخطوة الأولى إليك لتكوني في شراكه، ولولا رضاك ما أَقْدَمَ، ولولا بَرْقُكِ الخُلَّبِ ما أقبل، ولولا لينك ما اشتد وما تجرأ. أنت التي فتحت له الأبواب وهو الذي دَخَلَ. إنه لصٌّ، إنه سارقٌ، إنه صائدٌ، يريد أن يحتال َعليك، أن يسرقك، أن تكوني في شراكه، لم ذلك ليختلس منك أعز شيءٍ عليك، عفافك الذي به تشرفين، وبه تَفْخَرِينَ، وبه تعيشين. ما رأى شابٌ فاتكٌ المرأة إلا عرَّاها من ثيابها بخياله الملوث ثم تصورها بلا ثياب.إن حياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها، ودنَّس كرامتها أشد عليها من الموت الزؤام ، والسم الزُّعاف. يا أختاه! لا تصدقي الرجل عندما يخلو بك خلسة، أو يكلمك من وراء وراء عن طريق الهاتف أنه يريدك لخُلُقِكِ وأدبك، وربما لدينك. لا تخدعك النظرة الحانية، والابتسامة الحلوة، والسلام اللطيف، والكلام الرقيق، وأنه يَوُدُّكِ وُدَّ الصديق، فكل ذلك كبرقٍ خُلَّبٍ، قال شوقي: خَدَعُوها بقولهم: حسناءُ والغواني يَغُرُّهُنّ الثناءُ نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلامٌ فكلامٌ، فموعدٌ ، فلقاءُ يا أختاه، لو سمعتِ كلام الشباب فيك في خلواتهم لسمعت حديثاً مخيفاً مكرِباً مرعِباً. فهو لا يلين لك بكلمةٍ، ولا يقدم لك خدمةً إلا وهي عنده تمهيدٌ وبساطٌ لما يريد. هو ينساك حينما يأخذ منك عفافك، ثم يفكر في صيدٍ آخر يسرق منها عرضها، وتظلين أنت أبداً تتجرعين غَصَصَ ما سلبك. يقول المجتمع: شابٌ ضلَّ ثم تاب، وتخلدين أنت في حمأة الخزي والعار والذل والشنار طول الحياة، لا يعذرك المجتمع أبداً. يا أختاه! تَجَلْبَبِي بلباسٍ الحشمةِ والوقار، وارتدي رداء المسلمات الصالحات، واستُرِي محاسنك ومفاتنك. ولو رأيت الشاب أعرضي عنه بصدرك، وازْوِي عنه ببصرك. وأريه من نفسك الكبر والإعجاب، وإن كلَّمَكِ فلا تخضعي له بالقول، ولا ترققي له الكلام، فإن لم يرتدع فَعَرِّضيه للعنة الناس، فستجدين عوناً لك عليه من كل الشرفاء. يا أختاه! لا تجدُ الفتاة أملَها وسعادَتها إلا في الزواج الإسلامي، لتكون زوجاً صالحةً، وأماً موقَّرة، وربة منزلٍ. وأما الفاسقة المستهترة فلا يتزوجها أحد، حتى الشاب الذي يغوي البنت الشريفة بوعدٍ الزواج، إن هي غوت تركها وذهب، لأنه لا يرضى أن تكون له زوجاً، لأنها سقطت.ياأختاه! إذا غَوَيْتِ غَوَتِ الشباب، وسقطوا في مهاوي الردى، قال نبينا صلى الله عليه وسلم:«ما تركتُ بَعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء» متفق عليه». وإذا صَلَحْتِ صَلَحَ الشباب، وصلحت الأمة كلها، وعزف الشباب عن الابتهار والابتيار، وبحثوا عن الفتاة المسلمة بُغْيَةَ الزواج الإسلامي الذي هو من سُنَنِ المرسلين. وصلى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه.