هيئة الرقابة ومكافحة الفساد تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا    ابن مشيعل يحصل على درجة الدكتوراة    «هيئة النقل» تؤكد منع عمل الشاحنات الأجنبية المخالفة للنقل بين مدن المملكة    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    تشكيل النصر المتوقع أمام ضمك    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    الاستدامة المالية    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    كابوس نيشيمورا !    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قناة السويس أقوى من منافسة البدائل وسطوة المتغيرات
القناة أهم شريان ملاحي بين الشرق والغرب و40% من التجارة العربية تعبر القناة سنوياً
نشر في الجزيرة يوم 28 - 06 - 2002

منذ ما يقرب من 130 عاماً من تاريخ افتتاح قناة السويس رسمياً لتصبح أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، وهي تواجه تحديات عديدة، بدأت بمحاولات السيطرة عليها من جانب بريطانيا، والقوى الاستعمارية الكبرى، في ذلك الوقت.. مرورا، باستغلال الجزء الأكبر من عائداتها لصالح شركة الامتياز الأجنبية، قبل قرار الحكومة المصرية بتأميمها وما تلا ذلك من حروب، وحتى محاولات إسرائيل إيجاد بدائل جديدة للقناة، للتقليل من أهميتها في نقل التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وأخيراً ما تردد حول اتجاه الحكومة المصرية لخصخصة القناة، في إطار برنامجها لإصلاح الاقتصاد المصري، الذي بدأته منذ عدة سنوات.
ورغم هذه التحديات، وتغير الظروف السياسية والعلاقات الدولية والاقليمية، ما زالت القناة قادرة على الحفاظ على أهميتها وموقعها، إلى الدرجة التي تغيرت معها القوى التي تصارعت على احتلالها في الماضي من استراتيجياتها إزاءها، وخاصة بعد الاكتشافات البترولية في منطقة الخليج العربي، والذي زاد من أهمية القناة الاقتصادية، إلى جانب أهميتها الاستراتيجية.
وبنظرة تاريخية نجد أن قناة السويس منذ عصر الدولة القديمة إلى عصرنا هذا، وهي تجسد ملحمة شعبية منذ حفرها لما شاهدته من حروب ونزاعات جرت على أرضها.. فلم يعرف التاريخ مجرى مائيا حفر بأظافر العمال سوى قناة السويس التي حفرها المصريون بالسخرة حيث جرت دماؤهم فيها قبل أن تجري المياه وتهشمت عظامهم وهم يحفرون مجراها..ويحددون مسارها.
ولم تبدأ محاولات شق القناة في العصر الحديث فقط بل ترجع إلى حوالي 40 قرناً من الزمان، فقد كانت مصر أول دولة شقت قناة صناعية عبر أراضيها لربط البحرين الأحمر والمتوسط لتكون شرياناً مائيا يربط بين أوروبا والشرق، فمنذ عصر الأسرة السادسة وحتى الأسرة الثامنة والمحاولات مستمرة لشق هذه القناة حتى جاء سنوسرت الثالث الذي يعتبر أول من فكر في الربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، مستخدما في ذلك النيل وفروعه عام 1887 ق.م.
تاريخ للصراع
وبعد توقف فترة طويلة من الزمان بدأ التفكير مرة أخرى في شق القناة وذلك في عهد حكم أسرة محمد علي فبدأ «ديليسبس» الاتصال بمحمد علي ومن بعده عباس اللذين رفضا الفكرة، ولكنه نجح مع الخديوي سعيد بعد محاولة مضنيه معه وقام الخديوي بإصدار فرمان الامتياز الأول في نوفمبر 1854 ثم تبعه الفرمان الثاني ليؤكد الإجحاف لحق مصر بما يشمله من نظام السخرة التي وضع أساسها ديليسبس وظل ساريا حتى قام الخديوي إسماعيل بإلغائه.. وبدأ الحفر القناة في 25 أبريل عام 1859 واستشهد خلال هذه العملية أكثرمن 120 ألف عامل نتيجة لأساليب السخرة والجوع وخطورة الأعمال المكلفين بها وتم افتتاح القناة 17 نوفمبر 1869 في احتفال تاريخي كان قمة في البذخ حضره العديد من الملوك.
واستمرت سيطرة الأجانب على قناة السويس واستنزاف مواردها حتى عام 1956 عندما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس وإعادتها إلى مصر..وكان عائد قناة السويس قبل التأميم لا يتجاوز 100 مليون دولار.. وكانت توزع بأسلوب غير عادل حيث كانت الشركة المشرفة عليها تقدم 15 مليون دولارهبات ورشاوى توزع سرا و 22 مليون للمساهمين وكان نصيب مصر خمسة ملايين دولار فقط والباقي للإدارة العليا والصيانة ومرتبات العاملين. أما الآن فعائد قناة السويس يعد من أهم مصادر الدخل القومي المصري.. ولم تكن فكرة تأميم قناة السويس وليدة عام 1956 فقط، ولكن هذا الاتجاه بدأ منذ عام 1910 فقد كان الزعيم الوطني محمد فريد يطالب في كل محفل ومؤتمر بتأميمها.. كما لقي بطرس غالي مصرعه على يد الشاب إبراهيم الورداني في 1909 بسبب دعوته لمد امتياز شركة قناة السويس فترة أخرى.
وشهدت منطقة قناة السويس العديد من الحروب الطاحنة التي تسببت في إغلاقها لعدة مرات ففي عام 1882 أغلقت القناة لأول مرة بسبب الغزو البريطاني لمصر.. ثم كان الإغلاق الثاني إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية.. وفي عام 1956 وبسبب العدوان الثلاثي على مصر أغلقت لمدة 150 يوما ثم أعيد افتتاحها للملاحة مرة أخرى في العاشر من أبريل عام 1957..ولكن أخطر ما تعرضت له قناة السويس المصرية في تاريخها الحديث هو العدوان الإسرائيلي عام 1967 والذي ترتب عليه إغلاق هذا الشريان العالمي في وجه سفن العالم لمدة ثماني سنوات كاملة وفي 5 يونيو 1975 وأعيد افتتاحها، وبدأ في مشروعات تطويرها.
تعد قناة السويس من أهم مصادر الدخل القومي لمصر إذ يتجاوز إيرادها المليار دولار وبذلك تحتل المركز الثالث من مصادر الدخل القومي للبلاد بعد تحويلات المصريين في الخارج والسياحة.. وما بلغته قناة السويس من شهرة ومكانة عالية على المستوى الدولي يعكس أهميتها بالنسبة للمجتمع الدولي بصفةعامة فقبل حفرها كان لابد للعبور من الشرق إلى الغرب بالمرور عن طريق رأس الرجاء الصالح الممتد حول قارة أفريقيا وهذه مسافة طويلة ومحفوفة بالمخاطر ولهذا حفر القناة وفر من 17% إلى 66% من المسافة بين الشرق والغرب.. و هي تنقل حوالي 14% من التجارة العالمية، المنقولة بحرا و 41% من البضائع المتداولة بموانئ الخليج العربي، و 32% من البضائع المنقولة لموانئ جنوب آسيا.
الملاحة والعبور
يعتمد نظام الملاحة في القناة على طريق القوافل، حيث توجد ثلاث قوافل يوميا إثنان من جهة الشمال وواحدة من الجنوب، والعبور في القناة يتم ليلاً ونهاراً، و تأخذ هيئة قناة السويس المشرفة على تشغيلها في تحصيل الرسوم من السفن العابرة بنظام يسمى «سلة العملات» وهذا نظام يضمن عدم التأثر بتقلبات أسعار العملة الواحدة حيث يتم التحصيل من السفن العابرة بوحدة حقوق السحب الخاصة والتي تتكون من الدولار بنسبة 42% والمارك الألماني بنسبة 19% والين اليباني بنسبة 15% والاسترليني بنسبة 12% والفرنك الفرنسي بنسبة 12% ويقوم هذا النظام بتحقيق الاستقرار لعائدات القناة.
والعبور في القناة مفتوح بالنسبة لسفن جميع الدول في أنحاء العالم ما دامت هذه السفن خاضعة للائحة العبور تحت قناة السويس وتحمل الشهادات الدولية الدالة على سلامتها من كافة الوجوه.. وطبقا لمعاهدة القسطنطينية التي تنص على حرية الملاحة في القناة مع الاحتفاظ لحق مصر في منع السفن التابعة لدولة ما من العبور في حالة وجود حرب معها.
وما إن تسلم المصريون إدارة القناة بعد تأميمها، حتى عكفت الإدارة على تطوير القناة لتلائم التطور في طرق النقل، وتم اعتماد مشروع من مرحلتين لتطوير القناة تم البدء في تنفيذ المرحلة الأولى في عام 22 فبراير 1967 ولكن العدوان الإسرائيلي في 5 يونيو 1967 أدى إلى توقف العمل في هذا المشروع ولكن بعد 6 أكتوبر 1973 وإعلان عودة الملاحة في القناة تمت دراسات جديدة توصلت إلى ضرورة تعديل مشروع تطوير القناة السابق على أن يتم تنفيذه على مرحلتين الأولى تهدف إلى أن يصبح القطاع المائي 3300 م بدلا من 1250م والغاطس 53 قدما بدلا من 38 قدما والحمولات حتى 150 ألف طن تعبر فارغة على أن تنتهي هذه المرحلة في عام 1980.
والمرحلة الثانية تهدف إلى أن يصل القطاع المائي إلى 4700/5200م والغاطس إلى 68 قدما والحمولات حتى 260 ألف طن وفي السنوات الأولى من القرن القادم تهدف الخطط التوسعية إلى الوصول بغاطس القناة إلى 82 قدما.
في 16 ديسمبر 1980 تم الانتهاء من المرحلة الأولى وكان هذا اليوم هو الافتتاح الثالث لقناة السويس فقد وصل حجم القناة إلى 14 ضعفاً من يوم افتتاحها عام 1956 ومرتين وثلث بالنسبة للقناة عام 1975 عند عودة الملاحة.. وفي خلال هذه المرحلة قد تم إزالة خط بارليف ونقاطه الحصينة وحقول الألغام على الضفة الشرقية وتم تطهير 600 مليون متر مكتب من أعماق القناة وجوانبها وقد ساعدت القوات المسلحة بجهود كبيرة مع هيئة القناة وشركائها في عملية التطهير وإشتراك حوالي 15 ألف عامل في هذه المرحلة وقد زاد القطاع المائي إلى 3600م وكما زاد الغاطس إلى 53 قدما ولأول مرة تحقق ازدواج المجرى الملاحي للقناة من خلال 3 تفريعات رئيسة هي تفريعة بورسعيد والتمساح والدفرسوار.. وهذه التفريعات أدت إزدواج المجرى الملاحي في مساحة 68 كيلو مترا من بورسعيد حتى السويس وقد بلغت تكاليف المرحلة الأولى ما يعادل 1300 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك تم إدخال التكنولوجيا البحرية في نظام الإرشاد بقناة السويس من خلال أحدث شبكة إلكترونية للإشراف على عبور السفن. وقد جذبت هذه التعديلات السفن العملاقة للعبور بالقناة وكذلك السفن فوق العملاقة.
أما المرحلة الثانية فقد تأجلت لأكثر من 12 عاما بعد انتهاء المرحلة الأولى بسبب المتغيرات الدولية خلال السنوات العشرة السابقة بسبب ارتفاع أسعار البترول وبدء الدول الأوروبية في البحث عن وسائل بديلة، وبالتالي قل عدد الناقلات التي تعبر ولهذا كان من المناسب تأجيل تنفيذ المرحلة الثانية حتى يحدث توازن في سوق الناقلات ولكن بالرغم من ذلك لم تتوقف الدراسات خلال تلك الفترة حتى يحدث بدأت الهيئة عمليات التوسيع والتعميق بخطوات جزئية بحيث تكون الزيادة في الغاطس في طول القناة 3 أقدام ليصبح عمق الغاطس 56 قدما لإمكان استقبال ناقلات النفط العملاقة التي يبلغ وزنها 175 ألف طن وهكذا يستمر المشروع بصورة جزئية حتى يصل إلى العمق المطلوب. وفي إطار عمليات التطوير المستمرة هذه. قد تم تزويد مداخل القناة بشبكة رادارات من السويس إلى بورسعيد وشبكة حساسيات آلية وتعزز أسطول القاطرات ومكافحة التلوث لجذب خطوط الملاحة الطويلة من آسيا وأوروبا وناقلات البترول العملاقة بما يساعد على زيادة دخل القناة بصفة خاصة والدخل القومي بصفة عامة.
خارج المنافسة
وفي الآونة الأخيرة أثيرت أقاويل عديدة حول إمكانية قيام مشاريع تستطيع أن تنافس قناة السويس في النقل كالتفكير في نقل البترول عن طريق خطوط الأنابيب التي تمر بأكثر من دولة ولكن بناء على الخبرات والتجارب السابقة فإنه إذا مر خط أنابيب بأكثر من دولة يصبح عرضة لأي تغيرات سياسية. مثال ذلك خط الأنابيب الذي يمتد من الخليج إلى سوريا ولبنان وكذلك الخط الممتد من العراق إلى تركيا كما أن كل دولة يمر من خلالها خط الأنابيب تفرض رسوما على العبور وبالتالي فإن التكاليف تكون مرتفعة..كما تردد أن إسرائيل تعتزم إنشاء خط بري يسمى خط «إيلات» لنقل البضائع من البحر الأحمر براً إلى البحر المتوسط عبر أراضيها وهذا يقتضي أن تفرغ السفينة القادمة من الشرق الأقصى كامل حمولتها في الحاويات في إيلات ثم تنقل الشحنات هذه الحاويات إلى الميناء عبر البحر المتوسط ليتم شحنها مرة أخرى على سفينة أخرى في المتوسط.. الأمر الذي يقتضي تكاليف إضافية لتفريغها وإعادة شحنها مرة أخرى، ولم تستطع كل هذه المحاولات التي لا تتوقف أن تنال من قناة السويس بتاريخها الطويل الحافل بالأحداث والصراعات والحروب التي تؤكد على أنها من أخطر وأهم الشرايين المائية التي يمتلكها العرب سلما وحرباً..فهي كما قال أحد المؤرخين «قناة خارج المنافسة».
أكد رئيس هيئة قناة السويس الفريق أحمد فاضل مستعرضا امكانات القناة، وقدرتها على تحقيق المنافسة، مشيرا إلى استمرار تطبيق رسوم عبور السفن والناقلات في قناة السويس لعام 1999 بنفس الرسوم التي كانت مطبقة العام الماضي من دون زيادة.. ومنح المتعاملين معها بعض المزايا والتيسيرات لاجتذاب أكبر عدد من السفن لعبور القناة. يتم العمل بها وفق لائحة الرسوم بداية من عام 1994 دون أي تغيير أو تحريك بالزيادة، حيث أن عملية تحريكها سواء بالزيادة أو الخفض يأتي بعد دراسة دقيقة لسوق النقل البحري العالمي وحركة التجارة العالمية المنقولة بحرا بين الشرق والغرب وأسعار الشحن بالموانئ العالمية.
وكشف رئيس هيئة قناة السويس عن انخفاض نسبة إيرادات القناة بواقع 3% حيث بلغ جملة إيرادات عام 1998 مليار و 882 مليون دولار. مشيرا إلى أن الانخفاض جاء نتيجة تراجع قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة التي تحصل بها الهيئة رسوماً بنسبة 7 ،5% عن العام الماضي وهذا نتيجة لاضطرابات سوق المال العالمية والتي انعكست على قيمة وحدة حقوق السحب والمكونة من مجموعة العملات هي الدولار والمارك الألماني والفرنك الفرنسي والجنيه الاسترليني والين الياباني، إلا أن نسبة الانخفاض هذه لا تمثل خطرا، حيث أن وحدة حقوق السحب تحقق توازنا للإيرادات وأنها كانت السبب الرئيس وراء عدم تأثر إيرادات القناة خلال الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي طوال السنوات العشر الماضية، والتي يمكن أن يتعرض لها في المستقبل.
وأشار رئيس هيئة القناة إلى أن مشروعات توسيع القناة خلال السنوات القادمة تستهدف الوصول لعمق غاطس القناة إلى 82 قدما مما يتيح لها استقبال حاويات السفن العملاقة بحمولة 375 إلى 450 ألف طن ويعذر مكانتها في مواجهة المنافسات المحتملة سواء من الخطوط البرية أو الطرق البحرية البديلة، والتي يأتي في مقدمتها خط الأنابيب جنوب روسيا الذي سوف يتجه من البحر الأسود إلى تركيا وبعد ذلك إلى أوروبا وهو من المشروعات التي يمكن أن تؤثر على دخل القناة حيث ينقل البترول من حقوله إلى دول أوروبا بعيدا عن القناة وهناك مشروع للغاز الطبيعي من الجزائر إلى المغرب ومنها إلى إسبانيا والبرتغال وهذا سيؤثر أيضاً.
أما المشروعات المقترحة في البلاد العربية قد يكون تكلفتها عالية وليس لها عائد وهناك مباحثات بيننا وبين بعض الدول العربية المنتجة للبترول والغاز واتفقنا على خطوط عريضة تكفل استخدامها لقناة السويس وهذا لصالح الجميع فلا يوجد من ينفق كثيراً من الجهد والمال في مشروع غير مضمون بينما البديل جاهز.
ويعتقد أن كل ما قيل عن المشروعات البديلة لقناة السويس في المنطقة العربية كان فرقعة إعلامية لجس النبض من ناحية ولحثنا على منح أقصى تخفيضات ممكنة من ناحية أخرى ونحن على استعداد لخفض الأسعار إلى النصف لضرب أي مشروعات بديلة.
وبالنسبة للمشروعات الإسرائيلية البديلة، فهي كلها مكلفة للغاية والطرق البرية غير آمنة وكل ما يفعلونه الآن هو العمل داخل الموانئ الإسرائيلية لتوسعتها وزيادة طاقتها الاستيعابية وزيادة طاقة الشحن والتفريغ في الموانئ وهي لا تشكل أي منافسة لقناة السويس ولا يوجد في إسرائيل مشروع يمكن أن نقول عليه أنه بديل لقناة السويس، وفكرة إنشاء قناة بديلة هو نوع من الدعاية فقط لأن تكلفتها باهظة وقناة البحر الميت ممكن أن تنشأ لأغراض أخرى كالسياحة مثلا وإنشاء مسقط مائي وتقليل ملوحة البحر الميت ولكن ليست ممرا ملاحيا.
آراء واتجاهات
وفي رأي د. محمد الزهار أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة بمصر: إن هذه المشروعات المنافسة، حتى لو قامت لن تكون بهذا التأثير الذي قد يخيفنا ولذلك أسباب كثيرة منها قلة طول الخط الملاحي للقناة عن بديلاتها الأخريات وهذا يجعل الناقلات تقوم بأكبر عدد من الرحلات سنوياً مما يزيد من عوائدها والاتجاه ناحية زيادة القوة التصنيعية في دول آسيا يجعل حاجة الارتباط بينها وبين الغرب دائما متواجدا وأقصر الطرق إلى الأخير هي قناة السويس، هذا بالإضافة إلى الزيادة المستمرة للطلب على النفط من قبل الدول الغربية من المنطقة العربية فحتى لو قامت مشروعات فيمكن أن تتوزع هذه الزيادات، ليس ذلك فقط، بل ماذا عن تكلفة هذه المشروعات البلديلة إنها مرتفعة والتخوف منها ومن جدواها متواجد وهذا ما جعل التراجع في مشروع قناة البحر الميت قائماً!، ولا يخفى على أحد ما تقوم به الحكومة المصرية لأجل زيادة الطاقة الاستيعابية للقناة.
ويضيف د. سامي عفيفي حاتم مدير مركز الدراسات الخارجية جامعة حلوان: إن التكاليف الرأسمالية للنقل عبر الأنابيب مرتفعة وتصل إلى 70% بعكس النقل بالناقلات فالتكلفة فيها لا تزيد عن 20% وهنا يكون التساؤل هل تتوفر رؤوس الأموال لذلك أم لا! أيضا لماذا التخوف من إنشاء خطوط جديدة أو حتى إحياء خطوط قديمة مثل خط كركوك البحر المتوسط أو خط التابلاين المار بلبنان فكل هذه الخطوط مجتمعة لن تنقل أكثر من 80 مليون طن سنويا وإذا قارنا هذه الكمية بالنسبة لإنتاج الشرق العربي وحاجات أمريكا وأوروبا ستجدها متواضعة تماما وخاصة أن هذه الاحتياجات تتضاعف مع الوقت.
لكن ثمة تساؤل مهم يطرح نفسه حول الدعم الأوروبي لمشروعات بديلة لقناة السويس؟ يجيب د. عصام البدراوي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة بقوله: تعمل هذه الدول دائما على تنويع مصادر نقل البترول لها وتأمينها وإيجاد البدائل المثلى لكل الحالات، ولهذا فهي تحاول في هذه الفترة إضافة إلى هذه المشروعات إيجاد بدائل أخرى في شمال أفريقيا وموانئ البحر المتوسط تحسبا للأزمات، بالإضافة إلى تدعيمها فكرة إنشاء خط أنابيب عملاقة داخل إسرائيل بطاقة مليون برميل يوميا، والاتجاهات الحالية في العالم تعمل على تشجيع نقل النفط عبر خطوط الأنابيب وذلك حتما يعود إلى انخفاض تكلفة هذه الوسيلة الناقلة مع ارتفاع مستوى الأمان خاصة ضد التقلبات الطبيعية.
ويرى د. سمير طوبار «الخبير الاقتصادي» أن التغيرات في منطقة الشرق الأوسط باتت واضحة ولابد أن تلقي بظلالها على كافة الأطراف ومن هذا المنطلق لابد أن تظهر مشروعات جديدة من قبل دول مجاورة، وهذا يحتم إجراء تطوير مستمر في إمكانات القناة، وزيادة طاقاتها الاستيعابية تجاه الناقلات العملاقة والمميزات الإضافية وبهذا يمكنها المحافظة على الجهات المتعاملة معها وإضافة المزيد مما سيعمل على زيادة دخلها، والمشروعات المقترحة ما زال أمامها وقت طويل حتى تتواجد.
وفيما يتعلق بوجود نية لدى الحكومة المصرية لخصخصة القناة، نفى الفريق أحمد فاضل ذلك، بقوله: لا يمكن خصخصة التاريخ، والوحدات ان طال قطار الخصخصة الأهرامات أو النيل، يمكن الحديث عن خصخصة القناة، والقانون رقم 30 لسنة 1975 ينص على أن هيئة قناة السويس لا تقسم ولا تباع، وهذا يعني عدم وجود أسهم بها تقبل التداول، وما حدث فعلاً، وتسبب في سوء الفهم الحادث، هو قيام هيئة القناة ببيع حصتها في شركة قناة السويس للاستثمار، وهي الشركة التي أنشئت منذ ما يقرب من 15 عاماً برأس مال قدره 2 مليون جنيه، أن البيع تم لمساهمة هيئة القناة في إحدى الشركات، وليس للهيئة ذاتها.
لا مساس بهيئة القناة
أما د. أحمد جويلي وزير التموين والتجارة الداخلية في مصر ورئيس اللجنة الخاصة بالإشراف على بيع حصة المال العام في الشركات المشتركة، فقال: لا مساس بهيئة قناة السويس، ولا صحة لما يتردد عن اعتزام وضعها في برنامج الإصلاح الاقتصادي والخصخصة، كماأن ذلك غير ممكن، فبعد صدور قرار تأميم شركة القناة وتحويلها إلى هيئة تابعة للدولة، لم يعد هناك مجالاً لبيعها أو تقييمها مادياً، مؤكدا أن ماحدث بالفعل هو قرار بيع الأسهم التي تملكها الهيئة وشركة القناة للموانئ في رأس مال شركة قناة السويس للاستثمار وأن يكون البيع لصالح صندوق التأمين بالهيئة وشركاتها الأخرى وتتمثل هذه الحصص في 10 آلاف سهم تملكها الهيئة بنسبة 50% من رأس مال الشركة، وتم تحديد سعر السهم ب 560 جنيها، وربما لا يعرف البعض أن الشركة التي تم بيع أسهمها تعمل في مجالات المقاولات وإنشاء ورصف الطرق واستصلاح الأراضي وغيرها من الخدمات، ولا دخل لمجال عملها بقناة السويس أو إدارتها.
خطأ فادح
ومن وجهة النظر الاقتصادية في خصخصة القناة يقول الخبير الاقتصادي علي نجم رئيس بنك الدلتا: إنه من الخطأ الفادح أن يتم التفكير، مجرد التفكير في خصخصة القناة، لأن معنى هذا على المستوى الاقتصادي أننا نقتل الدجاجة التي تبيض الذهب، فمهما بلغت قيمة حصيلة خصخصة وبيع أسهم القناة، فانها لا تعادل القيمة الفعلية والتي يمكن أن تزداد من خلال تطوير خدمات القناة ورفع كفاءتها والارتقاء بمستوى العاملين بها، كما أن خصخصة القناة لا تمثل أي إضافة للاقتصاد القومي، أو زيادة في كفاءتها في التشغيل أوكفاءتها الإدارية.. ويكفي أن نعرف أن هيئة قناة السويس هي أحد الموارد الثابتة للدولة من النقد الأجنبي المستمر، بالإضافة إلى أنها رمز وطني وتاريخي شهد الكثير من الحروب من أجل استعادة السيطرة عليه، فهل بعد ذلك يمكن التفريط فيه مهما كانت الأسباب.
أصول قومية
يقول د. أحمد عبدالمنصف نائب رئيس الأكاديمية البحرية العربية: قناة السويس تعد من الأصول القومية التي لا يمكن الاقتراب منها والتنظيم الخاص لهيئة قناة السويس يؤكد ذلك، فهي هيئة عامة لها قانون خاص بها، ومملوكة للدولة، ومستقلة في إدارتها بعيدا عن الروتين الحكومي ودهاليز الوزارات المختلفة أو قانون القطاع العام.. وقد نجحت إدارة هيئة قناة السويس على مدار تاريخها بعد قرار التأميم في تحقيق انجازات كبيرة، وخاصة في السنوات الماضية، وأصبحت هي المصدر الثاني للعملة الأجنبية وإيراداتها مرتبطة بالرواج الاقتصادي وحركة التجارة العالمية، وتحتل أهمية كبيرة تتفاوت بين دول وأخرى حسب الموقع من القناة، وكلما كان موقع الدولة قريباً من القناة ازدادت هذه الأهمية والعكس صحيح، ولذلك فهي حيوية جداً لدول الخليج العربي والبحر المتوسط ويكفي أن نعرف أن المسافة بين ميناء جدة وميناء «كونستانزا» بالبحر الأسود تبلغ 11771 ميلاً عن طريق رأس الرجاء الصالح وتختصر حوالي 86% من هذه المسافة في حالة المرور من قناة السويس.
ويمر بالقناة 7% من تجارة العالم المنقولة عن طريق البحر، وهي كأي مؤسسة أو شركة تهدف إلى زيادة مواردها وجذب مزيد من كمية التجارة الدولية، عن طريق جذب مناطق تجارية جديدة وهناك بعض المؤثرات التي تؤثر على إيرادات القناة، لا علاقة لها بالإدارة أو بسير العمل بها وهذه المؤثرات هي، العملات الأجنبية والعلاقة بينها وبين وحدة السحب الخاصة التي يتم تحصيل الرسوم بها على عبور السفن للقناة، كذلك أسعار الوقود الذي تستخدمه السفن وكلما زاد هذا السعر كلما ارتفعت إيرادات القناة بالإضافة إلى تكاليف بناء السفن، وهذه المتغيرات جميعاً، لابد من وضعها في الحسبان عند تحديد رسوم المرور في القناة.
كما أن التطورات العالمية في التجارة والتكتلات التجارية الكبيرة مثل الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة و«النافتا» و «الجات» واتجاه حركة الصناعة إلى الأسواق والتفكير في إنشاء مناطق حرة للتجارة العالمية، يمثل تحديات كبيرة أمام مستقبل القناة، وأوجبت وجود إدارة متخصصة على أعلى مستوى للبحوث والدراسات والتخطيط والإحصاء لمواجهتها وقد نجحت هذه الإدارة في أن تجعل القناة مصدر جذب دائم لحركة التجارة العالمية، وامتلاك الامكانات الحقيقية للمنافسة وهو ما يسهل حرية الحركة لتخفيض الرسوم بما يحمي من أي منافسة، ولعل هذا ما جعل البعض يتحدث عن خصخصة القناة، متناسين أنها من الأصول القومية التي لا يملك أحد حق التصرف فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.