طالعتنا صحيفة الجزيرة في 14 صفر 1423ه بخبر افتتاح أول مصنع سعودي يعمل في تصنيع وحدات الإنارة الداخلية والخارجية في شركة الإنارة السعودية «قسم خاص لتجميع وحدات الإنارة» ويقوم بتشغيل هذا القسم كوادر نسائية سعودية مُدَرَّبة! وأود أن أقف بعض الوقفات مع ذلك وما جاء فيه من تفصيلات فأسال الله التوفيق والسداد. أولا: لا شك أن للمرأة في المملكة العربية السعودية تميّزها في تعلّمها وتعليمها وعملها وذلك نتيجة طبيعية لتميّز هذه البلاد بتطبيق الشريعة الاسلامية فيجب ألا يعيب علينا عائب أو يعترض معترض عندما نرده إلى حكم الشريعة فيما توجه المرأة إليه من الأعمال ونحتج عليه بسؤال العلماء عن الحُكم. ثالثا: إن عمل المرأة في المجتمع السعودي يجب أن يتفق مع طبيعتها ومع مدى الحاجة لذلك، وذلك لا يقاس بعمل المرأة في البلاد الأخرى التي تحكم بالقوانين الوضعية وتتبارى في مجاراة المرأة الغربية مهما زعم الزاعمون أن ذلك من دواعي التقدّم ولوازم التمدّن وضرورات العصر. وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل فنقول: 1 هل العمل في تجميع وحدة الإنارة مما يتلاءم مع طبيعة المرأة ومما تحتاجه البلاد؟. 2 ورد في الخبر أن الفتاة عندما تُتاح لها فرصة التهيئة النفسية والتدريب العملي الجيد خلال الأشهر الأولى قبل تكليفها بأداء معين أنها ستتفوق على كثير من العمالة الأجنبية. وهنا نقول : كيف سيتم تدريبها وأين وهل هناك كوادر نسائية سعودية أو أجنبية سَتُدرب بناتنا؟! 3 بعض الشركات تقوم بإحداث العديد من الوظائف النسائية غير الضرورية في الوقت الذي يتجاوز عدد الشباب الآلاف ولم يجدوا بُغْيتهم ولم يُحَققوا طموحهم بتحصيل وظيفة تعفّهم وتكف أيديهم عن سؤال الناس. فما هي مبررات تلك الشركات في إعطاء الأولوية للنساء المكفولة حقوقهن دينياً واجتماعياً؟ نعم الشاب الذي ينتظر مستقبلاً يحتاج فيه إلى تكوين أسرة وشراء مسكن وتأمين سيارة والاطمئنان لمصدر رزق ينفق منه على نفسه وأسرته، إنه أولى بالعمل وأحق بالتوظيف من امرأة ينفق عليها زوجها أو أبوها وأخوها أو يُنفَقُ عليها من بيت المال «الضمان الاجتماعي» وقولي: هو أولى لأسباب أذكر منها: 1 إن نظام الدولة يدعو الشركات والمؤسسات لفسح المجال أمام الخريجين من الشباب بتشغيلهم وتنظيم أوضاعهم كما في النص التالي من سياسة التعليم «تتخد الجهات التعليمية المختصة وسائل التشجيع الممكنة التي تضمن الإقبال على التعليم المهني والفني، وتفسح الدولة المجال أمام الخريجين للعمل في المنشآت والشركات والمؤسسات والمصانع، وتضع الوزارات النظام الكفيل بتشغيل الخريجين وتنظيم أوضاعهم». فأين الوزارات المعنية عن تلك الشركات. * ولو كلّفها الله بالإنفاق لكلفها بالعمل؟. 3 احتجاج الشركة «بأن تلك العاملات من النساء بحاجة إلى الدعم المادي لسداد احتياجاتهن وللتخفيف من أعباء الجمعيات الخيرية» لا يكفي حجّة إذ أن حاجة الشباب للعمل إذ لا دخل له البتة مقدّمة على حاجة النساء، فالشاب العاطل لا تمنحه الجمعيات الخيرية لا قليل ولا كثير بينما هؤلاء النسوة لهن مصدر إنفاق، وكان الأولى أن تبذل الشركة وغيرها شيئا من الأموال الاستثمارية لتبنّي المساهمة في الإنفاق على ذوات الحاجة الماسّة بدل اشتراط عملهن لإعطائهن المال وإلا فلا. وكلنا يدرك شفقة المجتمع على المرأة وأنا واحدٌ ممن تصلهم زكوات بعض الناس فيشترطون إعطاءها ودفعها للنساء «أرامل ومطلّقات وأمهات أيتام ونحوهن» ويرفضون إعطاءها للشباب لأنهم أقوياء قادرون على العمل ولا يشفع لهم كونهم عاطلين لدفع الزكاة لهم عند كثير من الناس. 4 إن بقاء المرأة بلا عمل ليس كارثة اقتصادية ولا مشكلة اجتماعية يهبّ المجتمع لعلاجها وتستحدث الشركات لأجلها مواقع خاصة أو بحجة أن يتنفس المجتمع برئتين بدل رئة واحدة، بينما يُعتبر تكدّس الشباب بالآلاف دون عمل وازدياد العاطلين سنة بعد أخرى يُعتبر هو المشكلة الاجتماعية الكبرى التي تنتج عنها مشاكل أخرى تُعاني منها الكثير من الدوائر الحكومية واسألوا الشرطة والمرور ومراكز الهيئات وأقسام مكافحة المخدرات، فنهارهم «بعض العاطلين» نومٌ وخمول وليلهم عبثٌ وسهرٌ وذبول!؟. 5 إن الفتاة التي ستعمل في تلك الوحدات تحتاج كما في الخبر إلى تهيئة نفسية وتدريب عملي خلال أشهر بينما الشباب الذين تخرّجوا من الكليات التقنية والفنية لا يحتاجون لمثل ذلك فهم جاهزون للعمل بدرجة لا يمكن أن تصل إليها المتقدمات من النساء مهما بلغ حماسهن وقدرتهنّ على البذل والعطاء، فكيف تُقدَّمُ فتاة تحتاج إلى إعداد وتأهيل على شباب مؤهل للعمل «عدا بعض الأمور الفنية التي تتطلبها طبيعة العمل»؟. 6 إن مما نعرفه عن لوائح وزارة المعارف أنها تسعى لاستيعاب جميع الطلاب والتقليل من نسب التسرّب والإعادة ومراعاة ذلك عند وضع لوائح وأنظمة الاختبارات، كل ذلك لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الشباب، فهلا ساهمت الشركات في استيعابهم بعد تخرجهم بدل الكوادر النسائية الأقل حاجة من الشباب مهما كانت ظروفها؟ فلا يلزم كل من تعلَّمت أن تعمل بينما لا بد لكل شاب أن يعمل تعلّم أم لم يتعلم؟. 7 إن الشاب عند التحاقه بالعمل سيتردد منه وإليه بسيارته، بينما المرأة فستضطر للركوب مع سائق أو تُشغل زوجها أو وليها بالذهاب بها والعودة من والى العمل! فأيهما أولى بالعمل؟. 8 إن توظيف الشاب يعني المساهمة في بناء أسرة والمساعدة في وضع لبنات جديدة في كيان المجتمع بينما غير ذلك معناه زيادة عبء على المجتمع بكثرة الخدم والسائقين. 9 إذا كانت الفتاة السعودية كما ذكر مدير عام الشركة «قادرة على البذل والعطاء وأنها بإذن الله ستتفوق على كثير من العمالة الأجنبية لكن عندما تتاح لها الفرصة..» فلم لا تكون هذه الفرصة متاحة للشاب السعودي الذي سيكون بإذن الله أقدر على البذل والعطاء من العمالة الأجنبية وكذلك الفتاة السعودية لأسباب نفسية وجسمية وتأهيلية، وما الجوانب التي تتفوق فيها الفتاة السعودية والعامل الأجنبي على الشاب السعودي؟! 10 لقد دعا مدير عام الشركة وفقه الله معظم الشركات ذات الصناعات الخفيفة أن تحذو حذو شركة الإنارة .. وهنا يحق لنا أن نقول: إذا كانت لديه قناعة بأن توظيف النساء في مثل هذا العمل مفخرة وشرف للشركة فلا يدعو الشركات الأخرى لذلك لعل الشباب يجدون فيها عملاً قبل أن تسبقهم النساء إليها. وحتى لا يقول قائل: إننا نرفض مبدأ عمل المرأة أقول: لا حرج في خروج المرأة للعمل إذا التزمت بضوابط الخروج ولم تزاحم الرجال في وظائفهم وكان المجتمع بحاجة لعملها ولم تقصّر في حق زوجها وأولادها وإلا فالشريعة التي تدين بها تمنعها من ذلك حماية لها ولغيرها. فدعوة من القلب لكل مسلم أن يجعل شريعة الله هاديه ودليله وعلماء الشريعة معلميه ومفتيه وألا يعتقد أمرا أو يدعو إليه أو يستحسنه حتى يعرضه على شريعة الله فهذا مقتضى الإيمان ودليل الاستجابة لله ولرسوله كما قال تعالى هذا لمن أراد براءة الذمّة والبُعد عن تبعات المسؤولية قبل السؤال يوم الحساب * . فإن كان ذلك فالحمد لله على توفيقه وإن لم يكن فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ختاما: شكرا ل«الجزيرة» على إتاحة الفرصة للتعقيب وعذراً لسعادة مدير عام شركة الإنارة حيث قصدت التوضيح والبيان وعذراً لقرّاء الجزيرة على أخذ مساحة ربما رغبوا بتسويدها بغير هذا والحمد لله رب العالمين.