وما الحسن في وجه الفتى شرفٌ له إذا لم يكن في فعله والخلائق قست القلوب وتغيرت الضمائر وانعدمت العظة والعبرة بين الناس، ولم يعد لها أي تأثير على تغيير سلوكهم وتصرفاتهم وطباعهم إلى الأفضل.. وقد بحثت عن الاسباب كثيراً ولكنني أعترف بأنني لم أجد أي سبب مقنع وجوهري لهذا التحول الخطير في حياة الناس، فعدت أسأل فقط هل المادة واللهث وراءها بأي شكل وبأي طريقة له دور في ذلك؟ هل هذا هو الثمن الواجب دفعه رغما عنا للتطور والحضارة والمدينة؟ هل التنشئة الاجتماعية منذ الصغر أيضاً لها دور في ذلك؟ وهل البيئة المحيطة بالإنسان بكل اشكالها وصورها لها تأثير قوي على الفرد بحيث تجعله ينحرف وراءها دون تفكير وروية؟ هل هناك اسباب أخرى ربما تكون خافية جعلت من إنسان هذا العصر إنسانا متلونا متغيرا باستمرار وقد يبلغ هذا عشرات المرات في اليوم الواحد؟ فهو دائم البحث عن مصلحته الشخصية فقط أينما كانت وبأي ثمن وبأي طريقة حتى لو أدى ذلك إلى مخالفة مبادئ دينه الحنيف أحيانا. هل هذه هي الأسباب الحقيقية التي جعلت من هذا الإنسان يغير سلوكه بين لحظة وأخرى كما يغير الثعبان جلده تبعا لنزواته ورغباته الشخصية؟ وكأن مبدأه في هذه الحياة يقول: أينما تكون مصلحتي أكن معها! هل هذه هي الاسباب التي جعلت الفرد يصبح وكأنه مصاب بانفصام دائم في الشخصية؟ بحيث تراه يعمل عملا مناقضا تماما لعمل آخر؟ ترى الإنسان من هؤلاء يؤدي كل الشعائر الدينية من صلاة وصوم وزكاة وحج وهي الأسس طبعا ولكنه يعمل بعكس ذلك تماما في حياته الشخصية وسلوكه العام، وفي الحقيقة وللأسف كل الأسف ان كل هذه الأشياء لا تؤثر أي تأثير مباشر وإيجابي سواء عليه هو شخصياً أو حتى على سلوكه. فتراه يصلي والصلاة بطبيعة الحال تهذيب، تنهى عن الفحشاء والمنكر.. فترى الرجل يصلي صلاة عادة والعياذ بالله، تعودها فقط فأصبح يؤديها بشكل «ديناميكي» في زمن معين ومكان معين. فهذا الرجل يعرف تماماً بأن «الدين النصيحة» ولكنه لا يقدم على ذلك أبداً ويقول مالي أنا ومال الناس، دعهم وشأنهم فلن ينالني من نصيحتهم إلا الندم والخسران وهكذا يتخلى بكل سهولة عن مبدأ ديني عظيم، وكذلك هذا الرجل يعرف تماما بأن «الدين المعاملة» تراه للأسف يتعامل مع كل من حوله بمنتهى الشدة والقسوة والعنف حتى مع أهل بيته، فتراه وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا.. ألخ. أيضاً أنت متأكد بأن هذا الشخص يعرف انه «لاضرر ولا ضرار» وتراه دائم الضرر بنفسه أحيانا وبغيره أحيانا أخرى كثيرة ولا يتورع عن ذلك مطلقا، هو يعرف بأن «صلة الرحم معلقة بين السماء والأرض ومن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله» ويعرف بأنها من الفضائل التي تطيل من عمر الإنسان في الدنيا وبالرغم من ذلك فهو قاطع للرحم مبررا ذلك بأسباب واهية وأعذار دنيوية خاوية لا تسمن ولا تغني من جوع. كذلك ذلك الإنسان يعرف تماماً بأنه «لافرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى» وتجده دائم التفاخر بالحسب والنسب والمال والجاه ويحتقر من شأن من حوله من الناس وتسيطر عليه للأسف نعرة جاهلية ما أنزل الله بها سلطان، يقرأ دائماً «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. الحديث» وبالرغم من ذلك لايزوج إلا من يريده هو فقط ومن يتمشى مع أهوائه ومزاجه ورغباته حتى وان كانت سلبية ولا رأي للابنة، فهو يريد شخصاً يعجبه هو فقط وليس شرطا ان يعجب ابنته اويكون بينهما تقارب في أي شيء ولا في أي ناحية تذكر، أيضاً هذا الإنسان يعرف أن من بين الأشخاص الذين لاينظر الله إليهم يوم القيامة الرجل الذي يمشي بالنميمة بين الناس ولكنك تراه ينقل الكلام بين هذا وذاك ويغتاب ذاك ويحتقر آخر. لماذا كل هذا؟ وما هذه الأمثلة إلا غيض من فيض هو يثور ويغضب لأتفه الأسباب وهو يعرف بأنه «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب» ويعرف بأن «الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شأنه» «وأن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق» تجده أحياناً يلتمس أمورا غير مشروعة على الإطلاق في سبيل تحقيق مآربه ومصالحه الشخصية ولا يهم أن كانت تتماشى مع تعاليم دينه أو حتى عاداته الحميدة أم لا. هذا الرجل يأمر دائما بأشياء جميلة ورائعة ولكنه أول الناس غير الفاعلين لها، فهو خطيب بارع ولكنه مطبق فاشل إذن لماذا هذا التناقض الغريب العجيب فيما يطبق وفيما يجب أن يطبق. وفيما هو مفروض وفيما هو واقع؟ لماذا هذا الانفصال التام بين أدائنا لشعائرنا الدينية على أكمل وجه وبين سلوكنا وتصرفاتنا اليومية مع كل الناس لماذا لم تؤثر فينا تلك المبادئ العظيمة والقيم السامية.. لماذا لم نعد نتعظ بأي شيء يحصل لنا أو لغيرنا من مصائب وكوارث وأحزان ومحن!! تصوروا أعزائي حتى الموت وهو أكبر عظة وعبرة لم يعد يؤثر في حياتنا «ومن لم يكن الموت له واعظاً فما له من واعظ» قد نحزن لأيام معدودة وربما لساعات لا نلبث بعدها ان نعود لممارسة سلوكنا السابق وكأن شيئاً لم يكن. ترى الرجل النحيل فتزدريه وفي أثوابه أسد جسور ويعجبك الطرير فتبتليه فيخلف ظنك الرجل الطرير حقيقة لم يعد المظهر يدل على صاحبه إطلاقاً ولم يعد المظهر ينبئ عن تصرفات وسلوك صاحبه، فقد أصبح في زمن كهذا «من مأمنه يُؤتى الحذر» فهل هذه خصلة من النفاق؟ هل أصبحنا فجأة نظهر خلاف ما نبطن؟ وهل يرضينا ذلك جميعا؟ كيف ذلك ونحن نؤدي شعائرنا الدينية؟ والتي تأمرنا بالتواضع والطاعة والإخلاص والمحبة والصبر والحكمة والروية والتعقل والبعد عن كل الشبهات والمنكرات. وا أسفاه لقد أصبحت لدى الكثير من الناس المبادئ الدينية في كفة وحياتهم الاجتماعية في كفة أخرى وكأنها منفصلة تماما عن بعضها البعض وليس لواحدة منها صلة بالأخرى بالرغم من انهما متلازمتان إلى ان تقوم الساعة. ارجعوا إلى دينكم، طبقوا مبادئه فعلا وقولا وعملا، اجعلوها تسير جنباً إلى جنب لاتفترق أبدا. انتبهوا أن يدخل الوباء إلى اعمالكم. لاتخسروا دنياكم وأخراكم. اسندوا القول بالعمل.. ابدأوا بعيوبكم وانشغلوا بإصلاحها عن عيوب الناس. دمتم سالمين والحمدلله رب العالمين. عبدالرحمن عقيل حمود المساوي أخصائي اجتماعي الرياض