في نفس الوقت تقريباً الذي كان فيه وزير الخارجية الأمريكي كولين باول والأمين العام للامم المتحدة كوفي عنان يعلنان عن الخطط المتعلقة بعقد مؤتمر رباعي خاص بالشرق الاوسط، قام الكونجرس بمجلسيه، وبأغلبية كبيرة، بتمرير قرارات تعبر عن التأييد القوي لاسرائيل والشجب والادانة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ارضاء لإسرائيل. وفي مجلس الشيوخ لم يرفض القرار سوى عضوين فقط من بين مائة عضو وأحد العضوين اللذين صوتا بالرفض هو السيناتور إرنست هولينجز، وهو ديمقراطي عن كارولينا. حيث قال إن القرار ليس القصد منه تأييد إسرائيل ولكنه وسيلة للحصول على مزيد من تبرعات أنصار إسرائيل الاثرياء. وتمثل هذه القرارات المؤيدة لإسرائيل أول لطمة لفكرة عقد مؤتمر جاد خاص بالشرق الاوسط، كما أنها تبعث برسالة مفادها أن الولاياتالمتحدة ليس في قدرتها القدوم إلى المؤتمر كشريك محايد. وبالفعل لم تمض سوى 24 ساعة على طرح الفكرة حتى بدأت وزارة الخارجية الامريكية في التقليل من شأن التوقعات المعقودة عليه رغم أنه من المتوقع أن يحضره إضافة إلى الاطراف المعنية وزيرا خارجية الولاياتالمتحدة وروسيا ومندوبون عن الاتحادالاوروبي والامم المتحدة. وبدلا من كلمة «مؤتمر»، التي توحي ضمنا بعقد مؤتمر على غرار مؤتمر مدريد عام 1991، تشير وزارة الخارجية الأمريكية الان إلى فكرة «اجتماع»، وهو أمرأكثر بعدا عن الرسميات وأقل وعدا بتمخض نتائج عنه. ويعني هذا تقليص التوقعات بصورة في غاية الوضوح. ويبدو أن إعلان باول عن فكرة عقد المؤتمر القصد منه تخفيف الضغط الدولي المتصاعد الذي تتعرض له الولاياتالمتحدة من أجل الانغماس بصورة أكبر في الجهد الدبلوماسي الخاص بالشرق الاوسط وبطريقة عادلة. وجاء أشد هذه الضغوط من جانب صاحب السمو الملكي الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني إبان زيارته للولايات المتحدة في الشهر المنصرم. وهكذا فإن الاسبوع الماضي كان بمثابة حصة دراسية أخرى بالنسبة للرئيس بوش الذي كان في السابق ينتقد بيل كلينتون الرئيس الامريكي آنذاك لانخراطه المفرط في أحداث الشرق الاوسط الذي قال إنه أدى إلى الاحباط وخيبة الامل والاضراربالعملية الدبلوماسية. والدرس الاول المستفاد من هذه الحصة هو أنه لا بديل عن الانغماس الامريكي في نزاع الشرق الاوسط، وإذا لم يضطلع بوش بدور مباشر هو نفسه أو عن طريق وزير خارجيته فإن الفراغ الناجم سوف يكون دعوة لاشياء أخرى لملئه أولها العنف. ثم تكون النتيجة مزيداً من سفك الدماء الأمر الذي يدعو ذوي النوايا الحسنة، ومن بينهم أحيانا الكونجرس، إلى محاولة ملء الفراغ، ولكن هذا يتم عادة بطريقة تؤدي إلى مزيد من التدهور في الموقف. أما الدرس الثاني لبوش فهو أنه ينبغي عدم السماح للسياسة الداخلية في أمريكا بالتشابك مع النزاع العربي الاسرائيلي، ففي الشهر الماضي تلقى الرئيس الجمهوري تقارير من بعض مستشاريه بأن هناك ثمة احتمال لتحول الناخبين اليهود في الولاياتالمتحدة عن تأييدهم التقليدي للديمقراطيين في الانتخابات العامة. ويذكر أنه تاريخيا لا يمنح سوى زهاء 20 في المائة من الناخبين اليهود أصواتهم للمرشحين الجمهوريين، أما بقيتهم فيمنحون أصواتهم للديمقراطيين. بيد أن هذا الخلط بين الدبلوماسية وأحابيل السياسات الداخلية ينطوي على عواقب وخيمة، أقلها تحامل الحكومات الاجنبية ضد الولاياتالمتحدة، والأمرالأكثر ترجيحاً هو أن هذه المحاولات المتخبطة للفوز بتأييد الناخبين سوف تؤدي إلى تفاقم المشكلة الدولية التي كان من المفترض أن الولاياتالمتحدة ستقوم بحلها. وهذا بالضبط هو ما حدث في منطقة البلقان والصومال إبان إدارة كلينتون، وقد يكرر التاريخ نفسه إذا ما تمكن الجمهوريون في الكونجرس من إقناع بوش باستغلال أزمة الشرق الأوسط في زيادة فرص فوزهم في الانتخابات العامة القادمة.