في ضوء تقارب السباق الى البيت الابيض، يكتسب الصوت اليهودي الاميركي اهمية في الانتخابات ليس بسبب حجمه الذي لا يتجاوز 3 في المئة من نسبة الاميركيين بل لانتشاره في الولايات المتأرجحة بين الجمهوريين والديموقراطيين ونفوذه السياسي والمالي والإعلامي. يتمتع الناخب اليهودي الاميركي بمرونة في تغيير خياراته الانتخابية وهو قادر على نقل ولائه من حزب الى آخر وفقاً لمدى دعم اسرائيل في مرحلة ما، ولا يتركز قلق اليهود الاميركيين حالياً، على عملية السلام كما في التسعينات من القرن الماضي، بل على الازمة النووية مع طهران. وصلت اولى طلائع الجالية اليهودية من السفارديم الى الولاياتالمتحدة في القرن السابع عشر، لكن تحولت ديموغرافيتها الى الاشكيناز بعد القرن التاسع عشر مع المهاجرين من اوروبا الشرقية والوسطى. وبالنسبة الى اليهود الهاربين من مشاكل اوروبا وأديانها، ظلت الافكار الليبرالية الاقرب اليهم، من فصل الدين عن الدولة الى الحركة العمالية في زمن"الكساد الكبير"عام 1930. لذا كان آخر مرشح جمهوري نال اكثرية الاصوات اليهودية الرئيس المحافظ وارن هاردينغ عام 1920. وكان الانتقال اليهودي النهائي الى الضفة الديموقراطية عام 1933 مع انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت الذي حارب النازية وأصبح رمزاً لدى اليهود الاميركيين. تثبت التجارب ان اعتراض القيادات اليهودية على اي مرشح قد تصعّب الامور على طموحاته السياسية. على سبيل المثال، كان جيمي كارتر يتقدم على ادوارد كينيدي في استطلاعات الرأي في الانتخابات التمهيدية لمجلس الشيوخ عن نيويورك بنسبة 45 الى 28 في المئة، لكن احد المقربين من كارتر السفير الاميركي لدى الاممالمتحدة آنذاك دونالد ماكهنري صوّت لمصلحة قرار في مجلس الامن يدين توسيع الاستيطان في القدس. وبعد ثلاثة اسابيع فقط، فاز كينيدي على كارتر بنسبة 59 الى 41 في المئة عام 1980. من بيل كلينتون عام 1992 الى جون كيري في 2004، نال كل مرشح ديمقراطي حوالى 80 في المئة من الاصوات اليهودية، فيما يحظى الجمهوريون بتأييد اليهود المحافظين الذين يشكلون 10 في المئة فقط من حوالى 5,3 مليون يهودي اميركي، لكنهم الأسرع نمواً بين الشرائح اليهودية في الولاياتالمتحدة. وتتواجد اكثرية اليهود في ولايات نيويورك ونيوجرزي وكاليفورنيا، وهي تصوت للديموقراطيين تلقائياً. لكن نفوذ الصوت اليهودي يأتي في فلوريدا 3,6 في المئة وبنسلفانيا 2,5 في المئة وأوهايو 1,3 في المئة. ويصوت اليهود عادة بنسب كبيرة تصل الى 80 في المئة، ما يعني ان اي تحول طفيف لدى الناخبين اليهود في فلوريدا قد يؤثر في الانتخابات العامة لأنهم موجودون في مقاطعات حساسة، هي ربما اوصلت الرئيس جورج بوش الى البيت الابيض عام 2000 على حساب منافسه الديموقراطي آل غور. في الانتخابات التمهيدية في بنسلفانيا، حصلت هيلاري كلينتون على 62 في المئة من الاصوات اليهودية في مقابل 38 في المئة لأوباما. والاصوات اليهودية اقرب الى آل كلينتون، لكن اوباما كان يعاني ازمة ثقة مع الناخب اليهودي الذي لا يعرفه، خصوصاً بسبب مواقفه التي اوحت بتعاطف مع الفلسطينيين وعلاقته بالقس جريمايا رايت وإعلان استعداده للتحاور مع ايران. وبعد نيله ترشيح الحزب الديموقراطي، زار اوباما اسرائيل لاستمالة الناخب اليهودي الاميركي، وأعلنت لجنة العلاقات العامة الاميركية -الاسرائيلية ايباك ان اوباما صوّت 100 في المئة لمصلحة اسرائيل في الكونغرس حتى الآن. اما المرشح الجمهوري جون ماكين فيحظى بدعم السيناتور اليهودي جو ليبرمان الذي عرف نائبته سارة بايلن على قيادات"ايباك"ساعات قبل إلقاء خطابها امام مؤتمر الحزب في مينيسوتا. آخر استطلاع للرأي اجراه معهد"غالوب"في نيسان ابريل الماضي، كشف تقدم اوباما على ماكين بنسبة 61 الى 32 في المئة بين اليهود الاميركيين، وهو تراجع بالمقارنة مع كيري الذي حصل على 75 في المئة وبوش 25 في المئة عام 2004. مع طغيان الهموم الاقتصادية وحرب العراق وتحول مسرح الانتخابات الصعبة الى الولايات الغربية، قد يكون الصوت اليهودي اقل تأثيراً في صناديق الاقتراع مما يعتقد البعض، لكن النفوذ السياسي والاعلامي يبقى مطلقاً.