وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    دوريات الأمن بالقصيم تضبط مخالفاً لنظام البيئة    القادسية يكسب الرائد بهدفين    «أخضر 20» يخسر ودية إيران    القادسية يتفوق على الرائد بثنائية.. وهاتريك حمدالله يهدي الشباب الفوز على الخليج    المناطق الاقتصادية الخاصة.. قفزة نوعية في جذب الاستثمارات    عمل إنساني تخطى الحدود    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    المؤثرات السعوديات قوة ناعمة عبر المنصات الرقمية    أمريكا تعلن فرض عقوبات على شبكة تنقل النفط الإيراني إلى الصين    "الرياض للجولف" يحتضن أبرز البطولات العالمية للرجال والسيدات    كيف أسهمت الرياضة في تحسين جودة الحياة؟    جسر حضاري يربط المملكة بالعالم    هيئة الفنون تنظّم "أسبوع فن الرياض" للاحتفاء بالمشهد الفني في المملكة    العلي يقدم قراءات ونماذج في أدب السيرة    «السعودي للتنمية» يشارك في افتتاح المشروع الإسكاني بوادي السيل والقلالي في البحرين    البرازيلي مارسيلو يعلن اعتزاله كرة القدم    مصر: مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين كارثي ويهدد التفاوض    الحميدي الرخيص في ذمة الله    الأمير سعود بن عبدالله يتوّج الفرس «نجابة العز» بكأس الأمير «سعود بن محمد» للفروسية    نيمار: سأرد على جيسوس في الملعب    تفقد المرافق العدلية في الأحساء.. الصمعاني: خدمة المستفيدين أولوية    إحباط تهريب 30 ألف قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    أمير القصيم يستقبل مديري المجاهدين السابق والجديد    ترمب: إسرائيل ستسلم غزة لأمريكا بعد انتهاء القتال    إنجاز عالمي لمصور سعودي على لائحة الجوائز العالمية    تسارع وتيرة نمو مبيعات التجزئة في اليورو خلال ديسمبر    "هيئة الطرق": طريق "الحقو – الريث" محور مهم لربط جازان بعسير    القتل تعزيراً لمهرب الإمفيتامين في مكة    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    توقيت نومك.. يتحكم في مزاجك    مستشفى سعودي يحصد المرتبة ال 15 عالمياً ويتصدر منشآت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    آدم ينير منزل شريف    الشريف والمزين يزفان محمد    ملك الأردن : نرفض محاولة تهجير الفلسطينيين    الرئيس الأوكراني: مستعدون للتفاوض مع بوتين    الرئيس عون يتعهد وزيارة أميركية مرتقبة لبيروت.. حراك داخلي وخارجي لتسريع تشكيل الحكومة اللبنانية    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    الموت يغيب الفنان صالح العويل    تراث الأحساء كنز أصيل يبهر العالم    إطلاق معرض «آرت نهيل» لدعم الحرفيين    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    رعي الحفل الختامي لمسابقة التحفيظ .. أمير الرياض: القيادة تهتم بالقرآن الكريم وحفظته والقائمين عليه    النزاهة مفهوم عصري    مفتي عام المملكة يستقبل المشرف على وحدة التوعية الفكرية بجامعة الملك فيصل    2.6 مليار ريال لإنشاء محطة «رأس محيسن»    الرديني يحتفل بعقد قران نجله ساهر    «الصحة»: إحالة مدعي الطب البديل لجهات الاختصاص لمحاسبته    رفقاً بمحاربي السرطان    قاعدة: الأصل براءة الذمة    معادلة السعودية «الذهبية»    التأسيس عز وفخر    مركز القرار.. السياسة الإنسانية الحصيفة تنشر السلام    صفحة بيت    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خسائر إسرائيل الفادحة تدفع السفاح شارون إلى شن الحرب ضد الفلسطينيين
الانتفاضة الفلسطينية تتحول إلى حرب استنزاف
نشر في الجزيرة يوم 07 - 04 - 2002

سادت حالة من الهلع في صفوف المواطنين الإسرائيليين إثر فشل قوات الأمن الإسرائيلية في وقف سلسلة العمليات الاستشهادية التي ينفذها فدائيون فلسطينيون في المستعمرات وداخل إسرائيل على الرغم من الاستنفار الأمني الكبير والانتشار واسع النطاق لقوات الشرطة في مختلف أنحاء إسرائيل وهو ما لم يمنع تنفيذ عمليتين استشهاديتين في مدينة حيفا ومستوطنة ايفرات أوقعتا 16 قتيلاً إسرائيلياً وأدتا إلى إصابة نحو 60 شخصاً بجراح بينهم سبعة في حالة بالغة الخطورة.
وإذا كان المشروع الصهيوني قد استهدف نقل معظم يهود العالم ال16 مليون في بداية القرن الماضي إلى فلسطين، إلا أن الصورة الديموغرافية في فلسطين التاريخية بعد أكثر من نصف قرن من الجهد الصهيوني ليست في صالح المشروع الصهيوني، ففي دراسة لنائب رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا البروفيسور أرنون سوفير أكد أن اليهود سيصبحون أقلية في فلسطين التاريخية ابتداء من العام القادم وحسب دراسته سيشكلون عام 2020م فقط ما نسبته 42% من السكان، أما النسبة المتبقية فستكون من العرب.
تشير الاحصاءات إلى ان أمريكا قد خسرت بسبب دعمها للمشروع الصهيوني منذ نشأة الكيان وحتى عقد التسعينيات ما يقارب 168 مليار دولار، بينما دفعت ألمانيا ما يزيد على 30 مليار دولار، ومازال 200 ألف يهودي في الكيان يتلقون تعويضات سنوية مقدارها 800 ألف دولار سنوياً لما يسمى بجرائم النازية، وتشكل الهبات والقروض والمساعدات والاستثمارات الغربية للكيان حوالي 50% من دخله القومي، وفي الاتجاه ذاته تشير التقديرات الى أن نصيب كل مواطن يهودي في فلسطين من المساعدات الغربية يصل إلى أكثر من 2500 دولار سنويا، ورغم هذا الحقن الاقتصادي الضخم فقد بلغ العجز السنوي في ميزانية عام 2000م نحو 4.2 مليار دولار، كما ان الديون تعدت ال22 مليار دولار.
إبطال نظرية الأمن الصهيونية
تمكنت المقاومة رغم بساطة وسائلها من تحييد فاعلية الكثير من مرتكزات نظرية الأمن الصهيونية، فخلال شهور الانتفاضة بفاعلياتها التي بلغت آلاف العمليات العسكرية المتنوعة وشملت بنية الاستعمار ومدن العمق وكل مظاهر الحياة للمستعمر اليهودي بالإضافة إلى الآلة العسكرية الصهيونية، وبسبب تنوع وانتشار واختراق المقاومة لأدق المراكز الحساسة وشمولها لكافة مرافق الحياة فقد نتج عن ذلك تعطل العديد من المكونات الأساسية لنظرية الأمن الصهيونية منها:
أبطلت المقاومة مبدأ أساسياً في نظرية الأمن الصهيونية هو التفوق النوعي والردع، فقد حيدت القنابل البشرية الاستشهاديون قدرات التفوق النوعي العسكري لدى الصهاينة، وبكلمات أخرى.. فماذا تجدي القنبلة النووية الصهيونية القابعة في القبو مع استشهادي يضرب في مدن العمق ويخلف خسائر بحجم صاروخ بالستي متوسط الحجم. وفي نفس السياق فقد تعطلت فاعلية الردع تماماً لأن الأسلحة المتقدمة نوعياً والمدمرة استراتيجياً تعجز عن ردع ظاهرة الاستشهاديين حيث صيغت نظرية الأمن الصهيونية على قاعدة تحقيق الحدود الآمنة والضربة الاستباقية ونقل المعركة إلى أرض العدو.. وبطبيعة الحال فقد تمكنت المقاومة من زعزعة المفاهيم السابقة لتشكل وجعاً قاتلاً في القلب الصهيوني، وذلك بنقلها المعركة إلى أحشاء الكيان وفي عمقه الاستراتيجي.
انتفاضة الأقصى حرب استنزاف
شكلت انتفاضة الأقصى ما يشبه حالة حرب الاستنزاف وهذا ما لا يحتمله الكيان الصهيوني بسبب تكوينه الاستيطاني، ويعد إنتاج هذه الحالة إنجازاً إيجابياً لأن فيه هدماً لمفهوم آخر من مفاهيم الصهاينة وهو تقليل زمن الحرب والاعتماد على الحرب الخاطفة.
رغم التفوق العسكري النوعي للجانب الصهيوني وكثافة نيرانه إلا ان المقاومة أفرزت ميزان خسائر بشري يعادل 2 5 وهي نسبة لم تصلها الخسائر البشرية لدى العدو طيلة الحروب التي خاضها، وفي الوجه الآخر فهو إنجاز يلغي مرتكزاً آخر من مرتكزات العقيدة العسكرية وهو استخدام القذائف الذكية الموجهة وتكثيف النيران لتقليل الخسائر البشرية مما أدى إلى نوع من النِّدية في المواجهة على صعيد القصف المتبادل رغم ضعف كثافة النيران لدى الطرف الفلسطيني، وفي هذا الإطار فقد عملت قاذفات الهاون على خلخلة الوجود الاستيطاني في قطاع غزة وحتى في الأراضي التي احتلت عام 1948م.
ومن الأدلة الدامغة على تراجع الحالة الأمنية التقريران الصادران عن صحيفتي معاريف وتل ابيب وتايمز حيث ذكرا ان حالة السخط والانهيار في قوات الاحتياط بلغت حد التهديد بالإضراب.. وفي ذات السياق نشأ تنظيم باسم «نوبة إفاقة» رفع أنصاره عبارة «قوات الاحتياط الإسرائيلية أصبحت مجموعة من الحمقى». وقال أحد هؤلاء الرافضين للخدمة العسكرية نقلاً عن أحد التقريرين: إن الساسة في إسرائيل ينظرون إلينا على أننا حمير يركبوها بدون حتى كلمة تقدير».
ويضيفون: «قوات الاحتياط توشك على الانكسار والانهيار».. وقد بلغ عدد الجنود والضباط الذين اودعوا السجن بسبب رفضهم الخدمة كما نقلت صحيفة تلجراف البريطانية حوالي 600 من العسكر، بالإضافة إلى 2500 من جنود الاحتياط الذين تغيبوا هرباً من الخدمة.
تفريغ 40% من المستوطنات
من سكانها
تشير بعض التقارير الصهيونية الى ان 40% من المستوطنات قد فرغت من سكانها، وتذكر صحيفة هآرتس ان نسبة شراء الشقق بالضفة والقطاع انخفضت بنسبة 50%، كما ان أعمال البناء تضررت إلى حد كبير، وفي محاولة للتغلب على هذه المشكلة صادقت لجنة المالية في الكنيست على قرار يشجع المقاولين على البناء في المستعمرات في المناطق التي يسكنها المتدينون وهم الفئة الأكثر تمسكا بالاستعمار ويشكلون 40% من مستوطني الضفة والقطاع يقضي بصرف منحة قدرها 6000 دولار مقدمة من وزارة المالية لكل مقاول يشيد منزلاً واحداً، ولرفع الروح المعنوية قررت الحكومة منح سيارة مرسيدس مصفحة لكل أسرة من المستعمرين يُقتل منها فرد، وفي نفس السياق طلبت الجبهة الداخلية في الجيش الصهيوني من وزيرة المالية زيادة نصف مليار شيكل بهدف زيادة التحصين والحماية، على ان يخصص معظمها لتصفيح الاتوبيسات والسيارات التابعة للمجالس المحلية وسيارات الاسعاف والاطفاء.
مستعمرات الغور على
وشك الإفلاس
وفي مؤشر على تردي الحالة الاقتصادية لهذه المستعمرات أعلن رئيس مجلس مستعمرات غور الأردن دافيد ليفي ان مستعمرات الغور على وشك الافلاس، وانه بدون مساعدة عاجلة من الحكومة سينتهي الاستعمار في منطقة الغور.. وتأكيداً لذلك يقول تامير شلومي سكرتير مستوطنة يافيت في نفس المنطقة: إن أغلبية الأعمال التجارية في ملتقى الغور قد توقف، كما ان مكتب «كوبات حوليم لئوميت» للخدمة الصحية قد أغلق وتوازى مع ذلك تهديد شركتي بيزك للاتصالات والكهرباء القطرية بايقاف خدمة الكهرباء والهاتف بسبب عدم سداد فواتير الشركتين من قبل المستعمرين بالمنطقة. وانضمت شركة مكروت للمياه لهذه الحملة إذ أعلنت عن نيتها القيام بقطع المياه ما لم تسدد ديونها على هذه المستعمرات والبالغة 170 ألف شيكل.
ويتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير له ان ينمو الاقتصاد الصهيوني خلال العام بمعدل يتراوح ما بين 5.1 إلى 2% فقط بالمقارنة مع نسبة 6% في العام الماضي، وتشير أرقام التضخم إلى انها سترتفع لنفس الفترة إلى نسبة 5.2 إلى 5.3%.. وفي دلالة على عدم ثقة الصهاينة باقتصادهم كشف تقرير لوزارة المالية بأن الخمسة أشهر الماضية سحب الصهاينة من المصارف والمؤسسات الاستثمارية نحو 5.8 مليارات دولار.
تمكنت انتفاضة الأقصى 2000 منذ اليوم الأول لاندلاعها وحتى نهاية شهر آب/اغسطس الماضي من قتل «170» صهيونياً وجرح ما يزيد على «850» صهيونياً آخرين.
وتكشف الأحداث المترابطة والعمليات الاستشهادية وعمليات التفجير المتواصلة انه لم يعد هناك أي مكان أو مدينة أو شارع في الدولة العبرية آمن.. ففي الوقت الذي تقلصت فيه «سلة الأهداف» الخاصة بالصهاينة كما يطلق عليه الصحفيون والساسة الصهاينة من الانتقام من الشعب الفلسطيني فلاتزال «سلة أهداف» المقاومة الفلسطينية عديدة ومتصاعدة لأن هدفها تحرير الأرض.
ويؤكد العديد من المراقبين ان ما يجري على الأرض الفلسطينية هو حرب استنزاف حقيقية بات يشنها الشعب الفلسطيني ضد جيش الاحتلال بعد ان كان ميزان الخسائر في بداية الانتفاضة يميل إلى جانبهم، إذ ان الكم الهائل من العمليات التي تنفذ من قبل المقاومة الفلسطينية ضد الجنود والمستعمرين وفي المناطق المحتلة عام 48 تؤكد عزيمة متجددة ومتواصلة للفلسطينيين لايقاع أكبر الخسائر بالعدو وايجاد حالة من توازن الرعب منه.
وتؤكد تصريحات «شارون» هذا القول، فعلى سبيل المثال وعشية أعياد الفصح اليهودية وصف شارون ما يجري حالياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه حرب، وتخيل ان المعركة الحالية التي يخوضها الكيان الصهيوني مع الفلسطينيين لا تقل صعوبة ومصيرية عما سبقها من حروب بل إنها تزيد عليها تعقيداً.
وكما يلاحظ فإن المقاومة الفلسطينية باتت تأخذ شكل المقاومة الشمولية أفقياً وعمودياً لتغيير حسابات الدولة العبرية العسكرية والسياسية القائمة على حرب السنوات الخمس ضد الفلسطينيين.
وقد شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال العام الأول من الانتفاضة نقلة نوعية في العمل العسكري ضد قوات الاحتلال سواء من حيث الكم أو الكيف.
وقد أثرت انتفاضة الأقصى الحالية في استراتيجيات الفصائل والقوى الفلسطينية التي باتت تؤمن بأهمية إعادة الروح إلى خيار المقاومة لمواجهة الصلف والعدوان الصهيوني.
وقد عززت حركتا حماس والجهاد الإسلامية من ممارسة خيار المقاومة، وعادت حركة فتح منذ اندلاع الانتفاضة والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أخيراً إلى ممارسة خيار المقاومة كرد على الاعتداءات والجرائم الصهيونية.
وبعد هذا لم تقتصر المواجهة المسلحة مع الفصائل الإسلامية المعارضة كما في السابق بل دخلت فتح بشكل رئيسي في المواجهة بعد تهديدها غداة اغتيال كادرها حسين بالانتقام وإعلانها في ذات الوقت ان رئيس الأركان الصهيوني «شاؤول موفاز» أصبح مطلوباً للجناح العسكري لحركة فتح وانه لن يكون هناك استقرار ولا هدوء مع المستعمرين.
ومن أهم المتغيرات التي باتت ملحوظة ان الانتفاضة خفضت من مواجهات الحجارة مع توسيع وتصعيد نطاق العمليات المسلحة وأهمها ما يقوم به الاستشهاديون من تفجير أنفسهم في مراكز التجمعات الصهيونية ولم يقتصر الأمر فقط على الرجال فقط بل امتد للنساء وآخرها العملية التي قامت بها آيات الأخرس، كما بدأت العناصر الفلسطينية المسلحة التابعة لقوى العمل الوطني بالتركيز على عمليات اطلاق النار من المواقع الصهيونية، وتحول الهدف من مجرد اطلاق النار العشوائي بهدف الارباك والازعاج إلى اقتناص جنود الاحتلال وايقاع أكبر الخسائر الممكنة في صفوفهم، وهذا التطور دفع المقاومة الفلسطينية إلى البدء في التفكير بحسابات الربح والخسارة في إدارة المواجهة مع العدو الصهيوني.
ولعل الولايات المتحدة الأمريكية حرصت المرة الأخيرة على ارسال مبعوثها الذي يدعى زيني في مهمة رسمية هدفها المعلن تحقيق السلام بين الفلسطينيين وأعدائهم بينما هدفها الباطن الحد من العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين التي كبدتهم خسائر فادحة آخرها ما تم يوم 31 مارس عندما قام استشهادي بتفجير نفسه في مطعم مما أسفر عن مقتل 14 إسرائيلياً وإصابة العشرات بجروح.. ولا شك ان الولايات المتحدة تيقنت ان شارون لن يستطيع شل حركة المقاومة الفلسطينية التي تختلف تماماً عن انتفاضة 1987 فيما يلي:
1 ان انتفاضة الأقصى تختلف عن انتفاضة 87 بأنها تجاوزت أسلوب المواجهة بالحجارة إلى المواجهة المسلحة.. كما ان الانتفاضة تقاتل الآن في مواقع لا يستطيع جنود الاحتلال التوغل فيها مما جعل العدو غير قادر على دخول المناطق التي خرج منها لأن ذلك يزج بجنوده في دوائر النيران في الناحية القتالية المباشرة كما انه على المدى البعيد يعرض قواته إلى خسائر وأعباء فادحة.
2 تطور وتزايد العمليات الاستشهادية إلى جانب استمرار المواجهة بالحجارة والمولوتوف.
3 باتت الانتفاضة تشكل نوعاً آخر من شكل «خط المواجهة» أو «خط النيران»، مما يعطي إمكانية لشكل أوسع من الاشتباك المنظم وحرب المجموعات الصغيرة ضد خطوط العدو التي باتت محدودة من حيث الحجم والامتداد.
وعلاوة على ذلك هناك ميزة أخرى تخدم تطور الانتفاضة قتالياً يوفرها قطاع شاسع من القرى الفلسطينية الواقعة تحت السيطرة الصهيونية العسكرية المباشرة التي يحددها اتفاق أوسلو برمز المناطق «ب»، ففي هذه المناطق يمكن استنزاف قدرات جيش الاحتلال إضافة إلى انها تنفع لأن تكون مناطق تحرك للمجموعات المقاتلة المتسللة أو المنظمة.
4 بدأ المقاومون الفلسطينيون بابتكار أساليب هجومية جديدة وخطيرة ضد أهداف صهيونية منتخبة، منها تفجير سيارة مفخخة في القدس في 21/8/2001 عن طريق تفجير عبوة ناسفة صغيرة ومن ثم تفجير السيارة المفخخة التي كانت تحتوي على كمية كبيرة من المواد المتفجرة والمسامير في حال اقتراب الصهاينة، وهي محاولة تدل على وجود نمط جديد ينتهجه المسلحون الفلسطينيون.
وهذا التفجير كما قالت مصادر صهيونية يعتبر تصعيداً وتطوراً من قبل الفلسطينيين، فكما قال وزير الأمن الداخلي «ايلي عوزي لنداو» ان الحرب التي يديرها الصهاينة وقوات الأمن ضد الحركة الفلسطينية المسلحة هي حرب أدمغة وابتكارات وأساليب جديدة.
5 هناك عمليات قامت بها لجان مشتركة من أكثر من فصيل فلسطيني بشكل يختلف عن السابق حيث كان كل فصيل يقوم بتنفيذ العمليات الخاصة به، وأهم هذه اللجان المشتركة هي لجان المقاومة الشعبية.
وفي الوقت الذي ارتكز فيه نشاط هذه اللجان التي تشكلت منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28/10/2000 في بداية الأمر على تنظيم التظاهرات والاجتماعات الشعبية التي ميزت الأشهر الأولى من الانتفاضة فإنه سرعان ما لجأ القائمون على هذه اللجان إلى تنفيذ عمليات مسلحة استهدفت المستوطنين من الجنود الصهاينة كما انها وقفت وراء هجمات الهاون ضد المستوطنات الصهيونية في قطاع غزة.
ووفقاً لقادة المقاومة الشعبية يتكون هذا التنظيم من جناحين: الأول هو الجناح العسكري الذي يشمل عدداً من المجموعات المسلحة التي تتوزع على أماكن الاحتكاك خاصة في المناطق الحدودية والقريبة من البؤر الاستيطانية، والثاني هو الجناح الجماهيري المقسم إلى مجموعة من اللجان المتخصصة كالإعلامية والثقافية والاجتماعية والتعبئة العامة والعمل التطوعي وقد نفذت لجان المقاومة الشعبية العديد من العمليات.
6 تزايد عمليات اطلاق قذائف الهاون على المستوطنات الصهيونية في قطاع غزة وعلى المناطق المحتلة عام 48 الأمر الذي يشير إلى تطور إمكانات المقاومة بشكل كبير وزيادة تهديدها للأمن الصهيوني.
فعلى سبيل المثال تشير تقديرات انه وقعت خلال الستة أشهر الأولى فقط من الانتفاضة الحالية أكثر من «4000» عملية اطلاق نار وعبوات وقنابل على الجيش الصهيوني، إضافة إلى أكثر من «20» عملية في المناطق المحتلة عام 48 حيث أوقعت هذه العمليات أكثر من 70 قتيلاً وأكثر من 550 جريحاً صهيونياً.
ومن الملاحظ ان عدد القتلى الصهاينة خلال 6 أشهر من الانتفاضة الحالية يصل إلى حوالي 20% من مجموع القتلى الصهاينة خلال حوالي 6 سنوات في الانتفاضة السابقة، الأمر الذي يؤكد ان هذه الانتفاضة ونتائجها على العدو تعتبر أكبر من أي انتفاضة في تاريخ الشعب الفلسطيني.
7 وكما يتضح أيضاً فإن المميز في هذه العمليات هو استخدامها للأسلحة الحقيقية لمواجهة الحشود العسكرية الضخمة كما حدث مثلاً عند محاولة اقتحام جنين وكان الأكثر أهمية هو الاستعداد للشهادة الذي فعله العشرات من الشباب الذين تحزموا بالناسف لتكوين قنبلة قوية قادرة على خلق التوازن العسكري المطلوب.
انقلاب في ميزان القوى
هذا الانقلاب في ميزان القوى أو الرعب الذي استطاع رجال المقاومة الفلسطينية ان يقلبوه باتجاه «180» درجة خصوصاً في الأشهر الأربعة الأخيرة كان بمثابة تحول كبير في طبيعة العرب والصراع الدائر منذ اندلاع انتفاضة الأقصى.
فخلال الأشهر الخمسة الأولى على سبيل المثال تكبد الفلسطينيون خسائر فادحة جداً في الأرواح والممتلكات ووصل عدد الشهداء بين الأول من يناير وحتى مارس من العام الحالي 74 شهيداً، وفي الشهرين الأولين للانتفاضة بلغ عدد الشهداء أكثر من «96» شهيداً، هذا بالإضافة إلى آلاف الجرحى.. وفي الوقت الذي كان فيه عدد القتلى الصهاينة لا يتجاوز الأربعين قتيلاً كان الفلسطينيون يشعرون بأنهم بحاجة إلى تعديل هذا الميزان رغم المفارقة الكبيرة في العدة والعتاد، لذلك سرعان ما أخذوا ينشطرون في ترتيب صفوفهم وتنظيم مجموعات عسكرية.
وعادت حركتا حماس والجهاد الإسلامي إلى سابق الجرأة القديمة في تنفيذ العمليات العسكرية، وتشجعت حركة فتح أكثر لتكون أكثر عسكرية مما سبق، وأعلنت عن ذراع خاص عسكري لها تحت اسم «شهداء الأقصى»، وبدأت المقاومة الفلسطينية بمجموعها الكلي تخط طريقاً آخر مختلفاً عما سبق، وفي بداية الأمر كانت عمليات اطلاق النار والمواجهة العسكرية قريبة إلى حد ما إلى حالة العشوائية غير المنظمة إلا انها نجحت في ايقاع ما لا يقل عن «180» صهيونياً بين سبتمبر 2000 وحتى ذات الشهر من العام الجاري 2001، إضافة إلى العمليات التي نفذت منذ سبتمبر الماضي وحتى الآن.
وقد أقلقت أساليب العمل المتنوعة للمقاومة الفلسطينية أجهزة الأمن والجيش الصهيوني خصوصاً في السرعة الكبيرة التي طور بها الفلسطينيون قدرتهم العسكرية حيث انتقلوا من استخدام الأسلحة الخفيفة «كلاشنكوف، أم16، كارلو غوستاف» إلى استخدام قاذفات «آر بي جي» ونصب قنابل الانيرجا على أسلحتهم الخفيفة، وتطوير العبوات الناسفة باستخدام التفجير عن بعد ثم قنابل الهاون والسيارات المفخخة.
ونقلت صحيفة «معاريف» عن مصدر عسكري صهيوني قوله: إن المقاومة الفلسطينية تبحث في كل ساعة عن وسيلة لتطوير وتجديد أساليب القتال، وكل يوم نرى نوعاً جديداً من العبوات الناسفة المزروعة على جوانب الطريق.
وتبين من خلال رصد العمليات العسكرية الفلسطينية التي نفذت ضد أهداف صهيونية انها شملت وسائل متنوعة.. فتارة استخدموا السيارة المفخخة المحتوية على مواد التفجير كما حدث في القدس والخضيرة، وتارة كان الاستشهادي الذي يحمل العبوات الناسفة على جسده كما حدث في المرقص الليلي في تل أبيب، وتارة كانت الدراجة الهوائية المحملة بالمواد المتفجرة.. وكان هناك حادث الدهس الذي نفذه البطل خليل أبو علبة وأودى بحياة تسعة جنود صهاينة.. وكان هناك استخدام عربة الكارو المحملة بالمواد الناسفة كما حدث في رفح مؤخراً.
العبوات الناسفة تثير القلق
لكن أكثر ما أقلق الصهاينة خلال العام المنصرم للانتفاضة ومايزال هو زرع العبوات الناسفة التي كثف الفلسطينيون من استخدامها بشكل مدهش دفعت قائداً بالجيش الصهيوني إلى القول «إن الفلسطينيين يمتلكون مخزناً كبيراً من العبوات الناسفة».
وقد نجحت المقاومة الفلسطينية في زرع العبوات الناسفة في مناطق حساسة وتجمعات سكنية وطرق التفافية ومراكز تجارية وعلى جوانب «الخط الأخضر» من الشريط الحدودي بمدينة رفح.
وتؤكد مصادر صهيونية أمنية ان العبوات الناسفة التي يستخدمها الفلسطينيون أصبحت أكثر خطورة إذ زودت بمواد ناسفة شديدة الانفجار أضيفت إليها المسامير حتى توقع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى، كما ان نجاح الفلسطينيين في تفجير العبوات عبر استخدام الهواتف النقالة كان تطوراً يحسب لصالحهم.
كما نجح العديد من رجال المقاومة في التسلل إلى ثكنات ومواقع الجيش وحتى داخل المستوطنات وأوقعوا عدداً من القتلى والجرحى، وكان أبر تلك العمليات هجوم البطل بهاء الدين سعيد الذي اقتحم مستوطنة «كفار دارووم» لوحده وقتل جنديين صهيونيين.
كما حاولت المقاومة الفلسطينية عدة مرات اقتحام أسوار مستوطنات «نفيه دكاليم» و«غوش قطيف» ونجحوا في بعض الأحيان في حرق بعض الدفيئات الزراعية والمصانع كما نجحوا في وضع عبوة ناسفة في مقر الارتباط الصهيوني في خان يونس.
هجرة المليون صهيوني
أيضاً لا يمكن المرور دون ذكر المساس بجوهر المشروع الصهيوني القائم على العنصر البشري الذي مس في عمقه وجوهره حيث أكدت مصادر كثيرة ومطلعة ان ما يزيد على المليون صهيوني هاجر وغادر إلى أوروبا الغربية وروسيا والولايات المتحدة وكندا، كما ان العديد من المستوطنات في فلسطين أصبحت مهجورة إلا من الإضاءة والوجود العسكري الاحتلالي بعد فقدان نظرية المجال الأمني العنصرية الصهيونية إثر مقتل ما يزيد على «180» صهيونياً وجرح «2000» صهيوني خلال الانتفاضة رغم محاولات التكتم الشديدة بهذا الصدد.
ويمكن القول ان الانتفاضة حاصرت الاستيطان والمستوطنين لدرجة ان الكثير من المستعمرات أصبحت خالية، وحياة المستوطنين أصبحت صعبة، وأصبح مطلب وقف الاستعمار وقفاً شاملاً مطلباً يجمع عليه العالم كله بما في ذلك 60% من الصهاينة أنفسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.