تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م وتولى قيادتها أحمد الشقيري رحمه الله وجاء من بعده ياسر عرفات نسأل الله أن يختار خياره الصالح فيه. يعتبر ياسر عرفات رمزا ليس فقط للفلسطينيين وإنما رمز لكل الشعوب التي تسعى لنيل الحرية والاستقلال من ربقة الاستعمار والظلم والعدوان. اعتقال هذا الرمز أو اغتياله أو نفيه لا يعني تكبيل القضية الفلسطينية ولا اغتيالها ولا نفيها، بل يعني ترسيخ وتدعيم هذه القضية في أذهان الفلسطينيين وفي أذهان كل العرب والمسلمين كما يعني تأجج الكفاح من أجلها وزيادة دعم الشعوب العربية والإسلامية لها وترسيخ مفاهيم عدالتها وحقوق الشعب الفلسطيني في تاريخ الكفاح ضد الهيمنة والاستعمار والظلم الصهيوني الذي أصبح يفوق الظلم النازي. إن ياسر عرفات إذا ما قدر له الاستشهاد فسيبقى التمسك بما يطالب به من سلام عادل وكامل مبدأ أساسيا لكل فلسطيني يتولى القيادة من بعده ولن يتنازل أحد أو يفرط فيما لم يرض أن يتنازل عنه أبو عمار. أشاعت الحكومة الصهيونية أن أبو عمار لم يعد يصلح للمرحلة الحالية من الصراع الفلسطيني الصهيوني وبأنه ليس الرجل الذي يمكن أن يتم معه أي نوع من التفاهم، كما أنه لا يمكن في ظل قيادته عقد سلام لأنه رجل متشدد ولا يرغب في السلام. لا يهدف ولن يهدف الصهاينة من وراء اعتقال أبو عمار أو قتله أو نفيه إلى عقد أي صفقة سلام مع من يخلفه في قيادة الشعب الفلسطيني وإنما الهدف واضح وجلي وهو الإبقاء على الهيمنة والسيطرة على الأراضي الفلسطينية وجعل ما يتم الفعل بأبي عمار نموذجا تقوم بعمله الحكومة الصهيونية مع كل قيادة تأتي من بعده وتتمسك بنفس المبادئ التي يمسك بها ياسر عرفات. إن ياسر عرفات والمبادئ التي يلتزم بها والمطالب التي استمر يطالب بها طوال حياته رغم بعض التنازلات ليست مطالبه لوحده وليست بإرادته ورغبته لوحده ولكنها مطالب ورغبة كل فلسطيني في الدرجة الأولى ومطالب كل عربي ومسلم في الدرجة الثانية. ولذلك فإن المخطط الصهيوني لن ينطلي على أحد ولن يكون هناك قيادة فلسطينية أقل تمسكا بالمبادئ والمطالب الفلسطينية مما كان عليه الرئيس ياسر عرفات. لن يكون هناك قيادة مفرطة في حقوق الشعب الفلسطيني، ولن يكون هناك قيادة خائنة أو صنيعة لشارون أو غيره من القوى الصهيونية لأن الشعب الفلسطيني لن يسمح بذلك في المقام الأول كما أن الحكومات والقيادات العربية والإسلامية لن تسمح بذلك ولن تتنازل عن حقوق الفلسطينيين وحقوق العرب والمسلمين في القدس. إن الشعب الفلسطيني الحر الأبي في عمومه لم يسمح في أي يوم من الأيام بالخيانة أن تتسرب إلى صفوف أبنائه وأن تمارس دون ردع ومحاكمة فورية. لقد رأينا خلال الانتفاضة الأولى والثانية كيف كان الفلسطينيون يعدمون مباشرة من يشار إليه بأنه وشى بأحد من أبناء الشعب الفلسطيني أو دل على مناضل من المناضلين أثناء تلك الانتفاضة. لا شك أن هناك قلة من الخونة والجبناء يندسون في صفوف الفلسطينيين ولكنهم ولله الحمد قلة ونال الكثير منهم جزاءه ولن يفلت الآخرون من العقاب سواء في الدنيا أو في الآخرة. وما حدث في طولكرم عند اجتياح الجيش الصهيوني لها في 31 مارس 2002م إلا مثالا على تصميم الشرفاء من أبناء الشعب الفلسطيني على قطع دابر الخيانة والخونة رغم ما يبدو من قسوة وما قد يصفها البعض بالوحشية بالتصرف في قتل الثمانية في سجن طولكرم. الخيانة عمل وممارسة خطيرة تهدد مصير وطن وقيادات وشعوب. لقد أدرك الفلسطينيون خطورتها وبخاصة خلال الانتفاضة الأخيرة ولم يكن قتل كثير من القيادات الميدانية الفلسطينية التي تجاوزت الستين شخصا إلا بسبب المندسين والخونة الذين جندهم العدو الصهيوني من الجبناء والرعاديد من المحسوبين على أنهم من أبناء الشعب الفلسطيني. وعلى هذا الأساس فإن الجزاء لابد أن يكون من جنس العمل وكل خائن للوطن والقيادة والشعب لا يستحق أقل من الإعدام. أهداف المجرم والدموي شارون واضحة ليس فقط منذ توليه قمة السلطة للكيان الصهيوني ولكنها واضحة منذ أن كان جنرالا في الجيش وبالذات على الجبهة المصرية. لا شك أن دمويته مارسها ضد الجيش المصري وستكشف الأيام ذلك. كما أن دمويته ورغبته في القضاء على رمز القيادة الفلسطينية كانت جلية منذ عشرين عاما عندما اجتاح الجيش الصهيوني لبنان بقيادته وحصاره لبيروت عام 1982م والذي استمر لمدة ثلاثة أشهر. هذا الحصار الذي تمخض عن مجزرة صبرا وشاتيلا للأبرياء، والذين لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم فلسطينيون. ترتب على ذلك الاجتياح خروج القيادة الفلسطينية من بيروت وتوزيع المقاتلين على تونس واليمن والسودان ولكنهم خرجوا يحملون قضيتهم ويصرون على عدالتها والعمل من أجلها سياسيا وعسكريا بما يتوفر لديهم من وسائل. خرجت القيادة الفلسطينية من بيروت تاركة وراءها أبناء الشعب اللبناني الذي أخذ على عاتقه مهمة إخراج الصهاينة من لبنان. خرجت القيادة الفلسطينية من بيروت ولكنها أشعلت الانتفاضة الأولى عام 1987م كرد فعل على غطرسة الكيان الصهيوني والتي كان لها أثر موجع على الكيان الصهيوني ولم تقف هذه الانتفاضة إلا عام 1991م بعد لقاء أسلو ومؤتمر مدريد. شارون أعتقد أنه بمطاردته للفلسطينيين في لبنان ومحاولة قضائه على القيادة الفلسطينية أنه سيقضي وينهي حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وأنه سيميت هذه القضية ولكن الذي حصل هو العكس حيث زاد الإصرار والعزيمة على مواصلة الكفاح والمطالبة بالحقوق. شارون الدموي عض أصابع الندم على عدم قتله لياسر عرفات في عام 1982م، ولذلك حمل هذا الحقد الشخصي منذ ذلك الوقت على ياسر عرفات وجعل ذلك الهدف من الخطوط العريضة لسياسته العدوانية والتوسعية عندما اعتلى السلطة للحكومة الصهيونية. شارون الذي ترتب على اجتياحه للبنان سفك مزيد من دماء اللبنانيين واستمر ينزف لمدة عشرين عاما، ولكن الجيش الصهيوني خرج في جنح الظلام يجر ثوب الخزي والعار والهزيمة مع الخونة الذين تبرأ منهم بعد هزيمته. لم يرق لشارون أن يعود ياسر عرفات إلى فلسطينالمحتلة ليبدأ مرحلة سلمية تحقق حلمه بإيجاد دولة فلسطينية وأحس بانتصار ياسر عرفات عليه خاصة وأن سياسة شارون فشلت فشلا ذريعاً في لبنان ولذلك بدأ منذ توليه سدة الحكم الصهيوني في تقويض اتفاقيات السلام والقيام بمسلسل العمليات الاستفزازية للشعب الفلسطيني والتي بدأها مباشرة قبل توليه السلطة بفترة وجيزة وذلك بزيارته المشؤومة للمسجد الأقصى التي أثارت غضب الفلسطينيين. لقد حددت اتفاقيات أسلو مراحل زمنية للوصول للحل النهائي ولكن شارون ضرب فعليا بتلك الاتفاقات عرض الحائط وجعل الحل النهائي بعيدا وقال يمكن التفكير فيه بعد عشرين سنة. ورغم ذلك لم ييئس الفلسطينيون في محاولات السلام وقرنوا ذلك بالانتفاضة التي أوجعت الحكومة الصهيونية. لم يكن شارون في أي يوم من الأيام راغبا في وقف الانتفاضة بل كان يعمل على تأجيجها وذلك لكي يكون له حجة في تنفيذ مخططاته في ضرب القيادة الفلسطينية وزعزعة مكانتها رغم تنديد السلطة بالهجمات الفدائية على الصهاينة واعتقالها للعديد من منفذي هذه الهجمات. لقد رأينا كيف كان الجيش الصهيوني يستهدف البنى التحتية للقيادة الفلسطينية كلما حصلت عملية فدائية. كانوا يقومون بضرب مقار الشرطة ومراكز الأمن التي يمكن ان تسهم في القبض على منفذي العمليات الفدائية الاستشهادية، ثم يطلبون من القيادة الفلسطينية مطاردة وملاحقة أولئك الفلسطينيين. لقد كان كل ذلك يتم بمباركة من القيادة الأمريكية الحالية التي أصبحت راعيا للإرهاب الصهيوني بدلا أن تكون راعيا للسلام. رعايتها لتصرفات شارون ومباركتها للقمع الوحشي الذي يرتكبه الجيش الصهيوني لم يكن وليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على الإطلاق وإنما كان ذلك سابقا له بدليل أن الرئيس بوش لم يستقبل أي من القيادات الفلسطينية لا قبل أحداث سبتمبر ولا بعدها. وهذا يعني أن الرئيس بوش يتبنى نفس توجهات شارون تجاه القيادة وعمقت أحداث سبتمبر هذا التوجه ضد القيادة والمنظمات الجهادية الفلسطينية التي وصفها بوش بالإرهابية. زيارات زيني لفلسطين لم تكن فاعلة في أي يوم من الأيام ومن قبلها زيارات تنت وميتشل. خطط تنت ومتشل زادت الأمر تعقيدا ورغم ذلك قبلت بها القيادة الفلسطينية على أمل أن تجد ضوءا في آخر النفق!! كما يقال. لقد اتضح أن كل أولئك كانوا يقدمون استشارات لشارون ويزيدون من استمرارية معاناة الشعب الفلسطيني. ولو لم يكن كذلك لكان هناك انفراجا لعلم كل دول العالم بأن أمريكا بمقدورها أن تضغط على الكيان الصهيوني للعودة إلى طريق المفاوضات. ماذا نتوقع من المبعوث زيني الذي جاء وسيطا بين الفلسطينيين والصهاينة أن يعمل في جولته الأخيرة؟ هل نتوقع أن يكون عادلا ونزيها ويسعى فعليا لإيجاد مخرج؟ ألم يصف الرئيس ياسر عرفات بالكذب والمراوغة وعدم رغبته في السلام؟ إن هذا الهجوم على القيادة الفلسطينية والمدن الفلسطينية والشعب الفلسطيني يأتي في سياق سيناريو متفق عليه بين الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني وهو يأتي كردة فعل من أمريكا على رفض القيادات والشعوب العربية لمخطط الولاياتالمتحدة بالهجوم على العراق ومحاولة الضغط بهذا المخطط على الدول العربية للتخفيف من موقعها تجاه المخطط الأمريكي. ولكنه لم يكن ردة فعل على مبادرة السلام العربية كما يعتقد البعض. إن على العرب رفض هذا المخطط تجاه فلسطين وتجاه العراق وعمل كل ما في وسعهم لإفشال مخطط إسقاط السلطة الفلسطينية الذي يبدو أن أمريكا استمرأت الأمر بعد اسقاط قيادة طالبان التي لم يكن هناك مؤيدون لبقائها خاصة وبعد صلفها وتعنتها، ولكن الأمر يجب أن يكون مختلفا تجاه القيادة الفلسطينية المنتخبة والمعترف بها من دول العالم والتي تطالب بحقوق مشروعة وعادلة تدعمها الشرعية الدولية والتوجهات العربية نحو السلام الذي تجلى في مبادرة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والتي أصبحت مبادرة عربية بعد تبني مؤتمر القمة لها في بيروت. أعتقد أن القيادات العربية مدركة تماما لحجم التصرفات الشارونية واحتمالية جر المنطقة كلها إلى أتون حرب لا تعرف نتائجها، ومن هنا فالموقف يتطلب التصرف بحكمة تمكن من تفويت الفرصة على القيادة الصهيونية في تحقيق أهدافها. الوضع يتطلب تحركات سياسية بالأطراف الدولية المؤثرة وفضح المخططات والنوايا الصهيونية والتأكيد على أن العرب دعاة سلام لا دعاة حرب. وفي نفس الوقت لا بد أن يدرك العرب أن الصهاينة لا يؤمن لهم جانب ولن يكون هناك سلام عادل في ظل ضعف عربي. لا بد أن تدرك الدول العربية التي أبرمت سلاما مع الكيان الصهيوني أنها ليست في سلام فعلي ما دامت هذه الممارسات العدوانية ضد القادة والشعب الفلسطيني مستمرة. ليس هناك اعتراض على ما عقد من هذه الاتفاقات مع مصر والأردن فهذا من حقها كدول ذات سيادة ولكن شعوب تلك الدولتين يشعرون بأنهم مكبلون كما أن الأمر لا يعني الانسياق العاطفي والموافقة على مطالبة المتظاهرين. إن الأمر يعني أن على الدول العربية بشكل عام والدول المجاورة لفلسطين أن تتجه لبناء قوة عسكرية متماشية مع ما تسعى إليه من بناء قوة اقتصادية وذلك بهدف الدفاع عن النفس. الولاياتالمتحدة رغم قوتها العسكرية وعدم كونها في حالة حرب مع أحد إلا أنها مستمرة في بناء قوتها العسكرية بشكل مستمر. فلماذا لا تعمل الدول العربية في هذا الاتجاه. لا شك أن العرب قيادات وشعوباً يشعرون بالمرارة ويشعرون بضعفهم العسكري ويخشون المواجهة في هذه المرحلة بالذات التي تحاصر فيها القيادة الفلسطينية وتستباح أرضه ولكن ربما يغير هذا الأمر في البنية العسكرية للدول العربية. إن الفلسطينيين في الشتات وفي الداخل لم ينسوا قضيتهم في أي يوم من الأيام جيلاً بعد جيل ولن ينسوا ذلك في المستقبل وهم مدركون تمام الإدراك أنه لو استشهد ياسر عرفات أو نفي أو عزل مع كل معاونيه فلن يزيدهم ذلك إلا إصرارا على المطالبة بحقوقهم المشروعة ولن يزيد ذلك إلا كرها للصلف الصهيوني والسياسة الأمريكية الداعمة له والذي سينعكس على المصالح الأمريكية، وعلى الفلسطينيين أن يتمسكوا بالبقاء في أرضهم وعدم تركها مهما كانت التضحيات لأن البقاء يعني الوطن المنتظر استقلاله إن شاء الله.