الشاعر أحمد صالح الصالح «مسافر» قامة شعرية فارعة.. استطاع وعلى مدى عقود أربعة أو أكثر ان يقدم للساحة الثقافية والأدبية شعرية مميزة حازت على الاعجاب، ونالت الاستحسان حتى عرف «مسافر» كعلامة مميزة في جبين الشعر المتميز.. أحمد الصالح قدم العديد من القصائد، وأصدر العديد من الدواوين الشعرية وها هو يستعد الآن لتقديم ثلاثة دواوين جديدة.. حول همّ الشعر وهموم الأديب كانت لنا معه هذه المداخلات المستفهمة التي جاءت على هذا النحو: * الشاعر أحمد الصالح.. أين أنت من الشعر الآن؟.. وهل هو الأثير لديك حتى الآن؟ الشعر للشاعر كالنَّفَسْ للإنسان يتأثر بحالة السكون والحركة والصحة والمرض ولا غنى للشاعر عن الشعر انه حياته حتى بعد وفاته وهو حالة ملازمة للشاعر مادام على قيد هذه الحياة يكابد معاناته فيها ومعاناة الإنسان من حوله ويحمل هموم أمته وكلما كانت معاناته لهمه الخاص وهمه الإنساني عميقة ومؤثرة في تفاصيل حياته وكلما كان قلبه يحمل هم تلك المعاناة فإنه يصبح الصوت الأمين على تقديم هذه المعاناة بصورة إبداعية راقية فنياً وفكرياً وايصالها لجمهور شعره باللغة التي يعرفها ويفهمها جمهوره التي يجد فيها متعته وإن اتساعها لحمل تلك الهموم وتقديمها لهم ناضجة باقية يتم بقدر ما يملك الشاعر من قدرة فنية على تقديم معاناته وبما يملك من ثقافة. إنني لا اختلف عن أي شاعر. اعيش الشعر واتنفسه وأتفاعل معه بقدر ما أعايش في هذه الحياة من هموم وآلام وآمال ويتأثر الالهام والإبداع الشعري لديّ بحالة السكون والحركة والصحة والمرض وإلى عمق المعاناة وتأثيرها في نفسي واستجابة الشعور لها بصورة إلهام شعري يفرغها في عمل أدبي. * الساحة الشعرية فقدت طاقاتها، وقلّ الاهتمام بها من قبل متذوقي الشعر ومحبيه.. إلى ماذا يعزو الشاعر «مسافر» هذه القطيعة؟ الساحة الشعرية الآن لها رواد ومحبو الشعر فيها ومن الشعراء من يجعل هذه الساحة الشعرية قادرة على استيعاب هموم الإنسان وتقديم مبدعين متميزين بين فترة وأخرى ولكن الحياة تتقلب في مراحل النمو والازدهار ومراحل التعثر أو الركود وهذه سنة الله واستقراء تاريخ البشرية يعطي الدليل على ذلك فإن ثقافة الاغريق واليونان والعصور الذهبية للإسلام في فترة تقدم العلوم والمعارف وازدهار مدنه بالعلماء والأدباء والشعراء والمؤلفين في بغداد ودمشق والاندلس والقاهرة وغيرها يؤكد هذه السُّنَّة في الحياة. كذلك الساحة الشعرية يعتريها كغيرها المد والجزر ولعل الحياة التي نعيشها الآن بسرعة حركتها وتشعب وسائل العلم والاتصال واهتمامات الناس حتى ان الانسان يستطيع ان يتواصل مع العالم وهو في بيته مما احدث خللا في الاتصالات الحميمة المباشرة بين الأفراد والجماعات والشعر احدها إذ لم تعد المنتديات الوسيلة الوحيدة للتواصل مع تميز المنتديات عن غيرها بما توفره من علاقات إنسانية أكثر دفئاً وأقوى عاطفة وأقدر على تلاقح الأفكار ومناقشة القضايا الأدبية لما لها من علاقة مباشرة. من هنا لا اعتبر فتور التواصل قطيعة بما تعني هذه الكلمة من معنى ولكنها قد تكون فترة استرداد النفس أمام هذا الكم الهائل من تدفق المعلومات واختصار المسافة بين تواصل الثقافات مع بعضها إذ لم تعد الساحة الثقافية ساحة الجذب الوحيدة لجمهور المثقفين بل تعددت الاهتمامات وساحات الجذب. * بعد هذه التجربة الطويلة.. اين تصنع التجربة الشعرية في المملكة العربية السعودية؟ التجربة الشعرية لدينا ثرية وأصبح لها حضورها في الساحة الثقافية عربيا ولكنها ماتزال بحاجة إلى الوسائل التي توصل الإنتاج الأدبي والفكري خارج النطاق المحلي من دور نشر قادرة على التوزيع خارجيا والتعريف بأدبنا وكذلك وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون بأن تقدم أدباً عربياً.. ان التجربة الشعرية لدينا في مستوى التجارب العربية ولدينا رواد ومبدعون لهم من العطاء ما يرتفع بهم إلى مستوى نظرائهم في البلاد العربية ان لم يتفوق على كثيرين منهم ولكن ينقصنا الانتشار خارجياً. * إنتاجك الشعري وهو أربعة دواوين.. هل وصلت إلى القارئ كما يجب؟ إن قلت ان دواويني الأربعة وصلت إلى القارئ فأنا أغالط نفسي، ومقياسي في هذا ان الكثيرين من جمهور شعري في كل مناسبة أو كلما قابلني أحد ممن يهتم بالشعر يسأل عن دواويني وأين يجدها ولكن من يلحف الطلب سيجد ما يريد. والكتاب إذا لم يكن في متناول القارئ بسهولة ودون عناء فلن يتجشم مشقة البحث لكي يحصل عليه وخاصة في هذا الزمن الذي انصرف الناس فيه عن القراءة. * يقال أبا محمد ان الشعر يلد الأشقياء.. فأين أنت من هذا الشقاء؟ الشعر عالم الأشقياء بمعاناتهم وما يحملون من همٍّ خاص وعام ولكن مع هذا يجدونه عالما ساحرا ممتعا ويجدون في هذا الشقاء لذة وفضاء رحباً يحلقون فيه انه عالم مدهش دائب الحركة وليس بلدا لأن البلد قد يعطي صفة الركود والجمود والشعر ليس كذلك. * الشاعر «مسافر» هل عنيت كثيراً بطروحات الشعراء في العالم من حولك؟.. وهل تأثرت بأحد في بداية حياتك الشعرية؟ بالنسبة للشعر العربي نعم، قرأت وتتلمذت على أشعار كثيرة إذا صح التعبير لأن التتلمذ على شاعر بعينه غير وارد ولكن هناك شعراء تأثرت بمدارسهم الشعرية خاصة في أول رحلتي مع الشعر أمثال المتنبي وعنترة وزهير والسياب ونزار وغيرهم. * لماذا لم تستخدم الرمز والاسطورة القديمة مثلما استخدمه غيرك؟ استخدمت أساطير من التراث العربي كبيدبا وبلقيس ورموزا إسلامية كالمعتصم وصلاح الدين وعمورية وخالد وغيرهم لقد استلهمت في شعري روائع التاريخ الإسلامي لأنه أقرب إلى حياتنا وعواطفنا وألصق بانتمائنا ولأنه امتداد وجودنا وفخر تاريخنا كيف تريدني ان اخاطب جمهور الشعر العربي بأساطير اليونان والاغريق ومعظم هذا الجمهور لا يعرف عنها شيئاً او يعرف النادر او لا تتوافق مع واقعه وانتماءاته الإسلامية والعربية. * المشاركات المنبرية لها دور في تقديم الشعر.. هل تحققت أهدافها لديك؟ لقد اشتركت في أمسيات شعرية خارج المملكة ولكنها في أوقات متباعدة ومعظمها في دول الخليج.. ولعل هذا يعود في المقام الأول إلى ظروفي التي في أحيان كثيرة تجعلني اعتذر عن المشاركة. * لماذا لم تجرب الكتابة للصحافة حول قضايا الشعر؟ الكتابة عن قضايا الشعر خير من يكتب عنها أصحاب الدراسات الأدبية والذين تخصصوا في هذا المجال ولديهم التخصص الذي يمكنهم من تقديم كتابات موثقة وشاملة للنتاج الفكري الذي يكون موضوع دراستهم. * ماذا تعد للقارئ هذه الأيام من قصائد؟.. وهل لديك دواوين جديدة؟ آخر قصائدي التي كتبتها «حداء بين يدي الخلوج» ألقيتها في أمسية شعرية في نادي القصيم الأدبي ونشرتها «الجزيرة». أما الدواوين فلديّ ثلاثة دواوين في طريقها للنشر إن شاء الله.