من أجمل أن تجلس وتعيش لحظات عاشها الآباء والاجداد من شتى صنوف الحياة وكيف كانوا يجلسون وينامون ويتسامرون ويوقدون النيران في ليال باردة وممطرة وهل تخيلت نفسك وانت في سن السبعين والتسعين؟ فقد تضطرك الظروف لأن تجلس وحيداً بعد أن تخرج من عجلة الحياة الدائرة، أردنا الاقتراب من هذا العالم عالم المسنين الذي ربما يحرم كثير من أهله من الاهتمام الذي تعودوه، وبقدر ما قد يعاني هؤلاء من الفراغ بقدر ما يحملون خبرة وتجارب سنين مديدة نستثيرها في حوارنا مع أحدهم.. وهنا ضيفنا ليس في سن السبعين بل وصل عمره إلى اكثر من 100 سنة، يسكن حالياً في بلدة أم الساهك تبعد عن مدينة الدمام مسافة 15 كم بالمنطقة الشرقية. ملامحه لم تخفيها تجاعيد الحياة. وصحته جيدة بالاضافة إلى ذاكرته القوية. عبدالله لافي وفي هذا اللقاء يحدثنا سعيد هادي الاسمري قائلاً انه يبلغ المائة والعشرين عاماً وانه لم يتزوج طوال حياته وصحته تعتبر جيدة في هذه السن. ويقول العم سعيد لقد كنا في السابق في حياة يرثى لها قبل توحيد المملكة حيث كان الرجل يقتل ابن عمه بسبب الجوع وكانت القبائل متناحرة ومتباعدة والقوي يقتل الضعيف وكان النهب والسرقة موجودين في ذلك الوقت حيث كان لا رادع ولا أمن فكان الرجل يخاف على نفسه وعلى أهله وبيته. ولكن بعد توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه تحول الفقر إلى غنى والخوف إلى أمن واصبح الرجل آمنا في بيته لا يخاف إلا من الله سبحانه وتعالى. ويقول الاسمري: كانت اسرتي تعيش حياة البادية: لذا عشت بداية حياتي في البراري مع والدي، ولم اشارك في تلك الحروب والفتوحات على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله وبعد ان بدأت شركة ارامكو السعودية مع الشركات الامريكية التنقيب عن البترول شاركنا في بداية الامر في مدينة ابقيق، فكانوا يوفرون لنا المأكل والمشرب والمسكن الذي كان عبارة عن خيام الا ان العمل هناك كان شاقاً جداً مقارنة بمشقة رعي الماشية، فعمل تنقيب البترول شبه متواصل لمدة 12 ساعة يومياً، وكان راتبي آنذاك اربعة ريالات والتي تعادل حالياً أكثر من 4000 ريال، وبعدها لم احتمل العمل فطلبت ان اعود إلى أهلي في البر واعيش وسطهم وارعى الغنم والجمال، الا انهم اصروا ان اواصل معهم فقلت انني ارغب في مشاهدة اهلي، وحينما شاهدوا حالتي متأثراً قالوا لي أذهب فوظيفتك ستبقى محفوظة إلى أي وقت ترغب العودة إليه، وبعد أن استقررت مع اسرتي عرض علي أحد الاقارب العمل في الامارة فعملت في عهد الأمير ابن جلوي عليه رحمة الله لمدة عشرين سنة، وانتقلت بعدها للعمل في شرطة الدمام لمدة 12 سنة، بعد ذلك احالوني إلى التقاعد حينما بلغت سن الستين بالرغم من سلامة صحتي. في ام الساهك في هذه الاثناء توفي والدي فانتقلت والدتي إلى مدينة الجبيل لتسكن مع شقيقي الاصغر. ماذا عملت بعد ذلك؟ واجهت صديق لي فعرض علي ان اسكن معه في بلدة ام الساهك التي يسكنها مع اسرته، فاستأجرت بيتاً لي، وكونت لي حوشاً صغيراً ووضعت به بعض الاغنام. من أين لك المال لتصرف على نفسك ودفع الايجار؟ لي راتب تقاعد يكفيني لوحدي وجميع تكاليف حياتي. ولماذا لم تسكن مع والدتك؟ قال لي للاسف يا ولدي انت تعرف الزمن حالياً وكيف اثر على الناس فلا يوجد احد يستطيع ان يتحملك، ولا أحب أن أكون عالة على أحد يشفق علي ولديه من الاشغال والمهام من هم أهم وأولى مني ناهيك أنني من الناس الذين يحبون الوحدة. احببت من طرف واحد سألته لماذا لم تتزوج قال بابتسامة: لم اتزوج وأنا شاب واليوم لم يكتب الله ذلك، لأني ادركت أن الزواج وتكوين الاسرة مسؤولية كبيرة جداً ولم أكن أقوى على تحملها. ولم أندم على أنني لم أتزوج؟ واضاف يقول: وخلاصة تجربتي في الحياة أن راحتي تعب وتعبي راحة، وان الحياة عمل والامل حياة. سألته مازحاً ألم يسبق أن أحببت فتاة ورغبت في زواجها مثلا؟ قال نعم لكن الحب لم يدم لانه من طرف واحد بعد ذلك اعرضت عن التفكير في الزواج. ما الذي تحبه حالياً في هذه الدنيا؟ أحب شيئاً الله ابتلاني بحبه بالرغم من أنني لست بحاجة له ولكنها حياة الآباء والاجداد ولدت وخلدت فيني هذا الحب الذي كلما حاولت أن اتركه أجد نفسي ومن غير أن أشعر أبحث عنها واتقرب لها قد يفهم القارئ أن هذا ربما يكون مبالغاً لكنها الحقيقة التي تكلم بها العم سعيد وقال أن حب الماشية ورعايتها قد تولع قلبي بها، فلا يمكن أن أنام ويرتاح قلبي حتى أراها وتنام هنيئة معافاة. ان الماشية هي التي تسليني في حياتي اليوم وتتسلى بوجودي قربها واذهب معها سوياً ونعود سوياً. هل يمكن أن نقول أن سبب استقرار صحتك على هذا الوضع الجيد هو عدم الزواج أم ماذا؟ اجاب نعم الزواج هو أحد الاسباب اضافة إلى ذلك انني قليل الاكل بمعنى أتناول وجبتين فقط في اليوم. هل من توضيح أكثر يا عم سعيد؟ قال: هناك وجبتان لا يمكنني تركهما ابداً وهما وجبتا الفطور والغداء، أما وجبة العشاء فلا أتناولها لأنني أحرص أن أنام خفيف البطن مجرد ان أشرب كأساً من الحليب الطازج من الماعز. العم سعيد يقول الاطباء أن الغذاء والرياضة سببان في سلامة الصحة. فهل هناك رياضة تحرص عليها؟ ليست رياضة بالمعنى الذي يفهمه الناس حالياً ولكني أحرص على الذهاب والعودة بغنمي إلى السوق على قدمي شبه يومي، كما أذهب إلى سوق النعيرية كل يوم خميس من كل أسبوع اضافة إلى تنقلي في البلدة على قدمي، ولا استعمل السيارة سوى في المسافات البعيدة. هل تعاني من مرض معين حالياً، وهل سبق وأن اعترضك مرض طوال حياتك؟ أعاني من أعراض كبر السن فقط كما هي سنة الحياة، ولله الحمد لم اصب بمرض جعلني طريح الفراش سوى الامراض التي تعترضني في بعض المواسم ثم ما تلبث أن تزول. جيل اللبان وعن الشباب قال متأسفاً يا ولدي جيل اليوم لا تجد فيه رحابة الحديث حول الماضي ولم يذق طعم مرارة حياة السابقين، فجيل اليوم حديثهم حول الكرة والجوال ونوع السيارة والدش.. وعموماً كل سواليفهم لا طعم لها مثل علك اللبان لا تستطيع أن تستمر وتواصل في مضغه بمعني أنك تمل من سواليفهم. ألا تشعر أن الوقت يمر ببطء عليك؟ نعم، وليتك تأتيني في المنزل، فالوقت هناك يمر ببطء، وكل انسان في هذه الدنيا حالياً يشعر عكس ذلك وتسليتي الوحيدة هي طاعة ربي والمحافظة على الصلوات المفروضة في المسجد وباقي الفروض وتفقد ماشيتي في الصباح والذهاب بها إلى الاسواق والحديث مع من يرغب الحديث معي في السوق، وفي المساء انتقل لسماع محطات الراديو المختلفة، ومنها اذاعة السعودية. متابع لاحداث الساعة وهل لديك اجهزة مثل التلفاز أو الراديو، وهل تتابع ما يدور في هالدنيا من احداث؟ لدي مذياع «راديو» فقط، وهناك اذاعات استمع إليها كاذاعة القرآن الكريم واذاعات اخرى حينما تتجدد بعض الاحداث كاذاعة لندن واذاعات لا أعرف بعض اسمائها «سألته عن ابرز الاحداث في الساحة حالياً وجدت أنه متابع لا بأس به مقارنة ببعض كبار السن الموجودين حالياً» واختتم حديثه بالدعاء لله أن يحفظ بلادنا من كل مكروه ويحفظ لها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني.