قرأت في الجزيرة بتاريخ 22/12/1422ه أن منطقة اليوا في الإمارات كانت موطناً لبني عبس، وأن قبر عنترة العبسي في اليوا الإماراتية، لأن كبار السن تناقلوا خبر قبر عنترة، وهو حجارة بعضها فوق بعض. وبما أن لي مؤلفاً عن قبيلة عبس يقع في جزأين، فمن واجبي مشاركة الباحث الكريم حسين البادي في رؤيته لليوا الإماراتية، وأن بها ما يشهد على انتسابها إلى بني عبس، فأقول إن الجواء التي عاش فيها عنترة العبسي في بلاد القصيم في نجد، وهي بلاد معروفة اليوم، وبها مدن وقرى وأخبار عبس متواترة عند سكان منطقة الجواء، وصخرة عنترة في الجواء النجدية معروفة، وهي البلاد التي وردت في معلقته حيث يقول: يَا دار عَبْلَةُ بالجِواءِ تَكَلَّمِي وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ واسْلِمَي ويقول: وَتَحُلٌ عَبْلَةُ بالجِوَاءِ وَأَهْلُناَ بالحَزْنِ فالصَّماَّنِ فالمتُثَلَّمِ فالحزن والصمان والمتثلم في شرقي نجد وهي معروفة إلى اليوم، وحياة عنترة معروفة، فهو من فرسان حرب داحس والغبراء، فقد حمل السلاح وهو في سن العشرين تحت قيادة قيس بن زهير العبسي، ولم يلق السلاح إلا وهو في سن الستين عندما تم الصلح بن عبس وذبيان، لقد عاش عنترة أربعين سنة على غنائم الحرب، فهو لا يعرف كسب العيش إلا عن طريق الحرب، وعندما جنح الفريقان إلى السلم التفت فارس العرب يميناً وشمالاً فلم يجد مجالاً لكسب العيش، فعاش في ضيق، إلى أن توفي، فقد خرج في يوم قائظ ينشد بعيراً له، فهبت عاصفة تحمل الرمل والتراب، فهلك عطشاً بين شرج وناظرة، والمكانان معروفان في شرقي نجد. إذاً حياة عنترة ووفاته في نجد، فلم يبرحها إلى مكان آخر. وبما أن أمر عنترة كما ذكرنا فما علاقة عبس بالإمارات أو عمان قديماً؟ ،إن الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى النظر في الصلح بين عبس وذبيان، ثم النظر في نهاية قيس بن زهير العبسي قائد حرب داحس والغبراء لقد طالت الحرب بين عبس وذبيان على الرغم من قوة ذبيان وتحالفها مع بني أسد وطيء،فقائد عبس فارس مجرب، فهو من دهاة العرب، بحيث لا يدخل معركة إلا وهو يعرف كيف يخرج منها، لقد خطط لمعركة الهباءة ثم قال لقومه: أطيعوني في تنفيذ الخطة وإلا اتكأت على سيفي حتى يخرج من ظهري، وعندما وافق قومه أمرهم أن يسرحوا سوامهم من ليل، ثم أمر الفرسان أن ينهجوا نهجاً آخر، فتبعت ذبيان السوام، ثم تابع زعماء ذبيان، حتى أطبق عليهم في الهباءة فقتلهم، ثم امتدت الحرب بعد الهباءة في سلسلة من المعارك، حتى مل الفريقان الحرب، وكثر دعاة السلم، ومنهم الشاعر زهير بن أبي سلمى الذي أسهم في استنهاض همم رجال من بني مرة ذبيان، لأنه يعرف كثرة أموالهم وأنهم قادرون على دفع ديات المقتولين فقد وافق أولئك على تحمل الديات فيما لو تم الصلح، وقد سعى رجلان كريمان من بني مرة في الصلح فنجح مسعاهما فقال فيهما زهير بن ابي سلمى: سَعَى سَاعيَا غَيْظِ بن مُرَّة بَعْدَمَا تَبَزَّلَ مَا بين العَشِيرِة بالدَّمِ فَأَقْسَمْتُ بالبَيْتِ الذي طاف حَوْلَهُ رجالُ بَنَوهْ من قُريْش وَجُرْهُمِ يميناً لنِعْمَ السِّيدان وُجدْتُماَ على كُلِّ حالٍ من سحيلٍ وَمُبْرِم تَدَارَكْتما عَبْساً وذُبْيَانَ بَعْدَمَا تَفَانْواَ ودقوُّا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشِمِ وعندما اقترب الفريقان من الصلح لم تهن نفس قيس بن زهير عليه ليذهب إلى ذبيان في طلب الصلح، وكيف يذهب إلى حصن بن حذيفة زعيم ذبيان وهو الذي قتل أباه وأعمامه في الهباءة! فرأى أن يتم الصلح على يد الربيع بن زياد شريك قيس بن زهير في الحرب، فقد قال للربيع اذهب إلى ذبيان وأجر الصلح معهم، أما أنا فسأغادر بلاد عبس، فذهب الربيع بن زياد إلى حصن بن حذيفة والحارث بن عوف وتم الصلح بين الفريقين. ونعود إلى قيس بن زهير في وجهته بعد مغادرة بلاده، لقد رحل إلى النمر بن قاسط فأقام فيهم، ثم رحل إلى عمان عندما علم بثبات الصلح، وقد رحل معه إلى عمان عمرو بن رواحة العبسي وتوارت أخبار قيس بن زهير بعد مسيره إلى عمان، بل إن خصوم آل زهير عَيَّروا آل زهير بغربة قيس بن زهير، يقول بشير بن أُبَيّ العبسي: وَإنَّ الرِّبَاطَ النّكْدَ من أل داحِسٍ أبَيْنَ فَما يُفْلحْنَ يَوْمَ رهَانِ جَلبْنَ بإذْنِ اللَّهِ مَقْتَلَ مَالكٍ وَطَرَّحْنَ قَيْساً من وَرَاء عُمَانِ ويقول غلاق بن مروان العبسي: شَأمْتُمْ بها حَتَّى بَغِيضٍ وَغَرَّبتْ أَبَاكَ فَأَوْدَى حَيْثُ والىَ الأَعِاجِماِ وبما أن قيس بن زهير وعمرو بن رواحة استقرا في عمان فلا يبعد أنهما أطلقا على وطنهما الجديد الجواء (اليوا) أما عنترة فلم يبرح نجداً.