- 1 - طلاقُ النادِم قال الهيثم بن عدي: كانت تحت العربان بن الهيثم بن الأسود بِنْتُ عَمٍّ له، فطلَّقها، فتَبِعَتْها نفسُهُ، فكتبَ إليها يُعَرِّضُ لها بالرجوع، فكتبتْ إليه: إنْ كُنتَ ذا حاجةٍ فاطلُبْ لها بدلاً إنَّ الغزالَ الذي ضَيَّعْتَ مَشغولُ فكتبَ إليها: مَنْ كان ذا شغلٍ فالله يَكلَؤُهُ وقدْ لَهَوْنَا بِهِ والْحَبْلُ موصُولُ وقدْ قضَينا من اسْتِطْرَافِهِ طَرَفاً وَفِي اللَّيالي، وفي أيامِها طُوْلُ. - 2 - الوليد وسعدى وطلق الوليد بن يزيد الأُموي امرأتَه سعدى. فلما تزوجت اشتدَّ ذلك عليه، وندِمَ على ما كان منه. فدَخل عليه أشعبُ. فقال له: أبلغ سعدى عني رسالةً، ولك مني خمسة آلاف درهم. فقال أشعب: عَجِّلها. فأمرَ له بها. فلما قبضها أشعبُ قال: هاتِ رسالتك. فأنشد الوليدُ بن يزيد: أَسعدى ما إليك لنا سبيلٌ ولا حتى القيامة من تلاقِ بلى، ولعلَّ دهراً أنْ يواتي بموتٍ من خليلِكِ أو فِراقِ فأتاها أشعبُ، فاستأذن فدخل عليها. فقالت له: ما بدا لك من زيارتنا يا أشعب؟ فقال: يا سيدتي. أرسلني إليك الوليدُ برسالة، وأنشدها الشعر. فقالت لجواريها: خُذْنَ هذا الخبيث. فقال: يا سيدتي، إنه جعل لي خمسة آلاف درهم. قالت: والله لأُعَاقِبَنَّكَ، أو لَتُبَلِّغَنَ إليه ما أقولُ لك. قال: سيدتي اجعلي لي شيئاً. قالت: لك بساطي هذا. قال: قومي عنه. فقامت عنه، وألقاه على ظهره. وقال: هاتي رسالتك. فقالتْ: أَنْشِدْهُ: أَتبكي على سعدى وأنتَ تركْتَها فَقدْ ذهبَتْ سعدى، فَما أنتَ صانِعُ؟ فعاد أشعبُ إلى الوليد بن يزيد، وأنشده الشعرَ، فأسقط في يده، وأخذته كَظْمَةُ غيظٍ ثم سُريَّ عنه، فقال لأشعب: اخترْ واحدةً من ثلاث: إما أن نقتلك. وإما أن نطرحك من هذا القصر. وإما أن نُلقِيكَ إلى هذه السباع. فتَحيَّر أشعبُ، وأطرق حيناً، ثم رفع رأسَه فقال: يا سيدي، ما كُنْتَ لَتُعذِّبَ عَينين نظرتا إلى سعدى. فتبسَّمَ الوليدُ، وخلَّى سبيلَه. - 3 - كانت زَينب بنت يوسف الثقفي شقيقة الحجاج ذات جمال فائق، ولذلك شبَّب بها والأبيات الشاعر محمد بن عبدالله بنُ نمير الثقفي الذي قال: ولم تَر عيني مثلَ سِرْبٍ رأيتُه خَرَجْن من التَّنْعيم مُعْتَمِرَاْتِ مَرَرْن بفَخِّ ثَّم رُحْنَ عَشِيَّةً يُلبِّيْنَ للرَّحْمَنِ مُؤْتَجِرْاتِ تَضَوَّعَ مِسْكاً بَطنُ نَعْمانَ إذْ مَشَتْ بِهِ زَيْنَبٌ في نِسْوَةٍ خَفِراتِ ولَما رَأَتْ رَكْبَ النُّميري أَعْرَضَتْ وَكُنَّ مِنْ أَنْ يَلْقَينه حَذِراتِ دَعَتْ نِسْوةً شُمَّ بدَناً نواضِرَ لا شُعْثاً ولا غَبِراتِ فأدْنيْنَ لَمَّا قُمْنَ يَحْجُبْنَ دُوْنَهَا حِجاباً مِن القَسيِّ والحِبرَاتِ أَجَلَّ الذي فوقَ السَّمواتِ عَرْشُهُ أوانسَ بالبَطْحاءِ مُعْتَجِرَاتْ يُخَبِّئْن أطرافَ البَنانِ مِنَ التُقَى وَيَخْرُجْنَ وَسْطَ الليلِ مُخْتَمِرَاْتِ شاعت هذه الأبيات وتناقلها الرواةُ، وحفظها الحَجاجُ بن يوسف الثقفي، وذات يومٍ رأى الحجاجُ محمداً بنَ عبدالله بن نُمير الثقفي الذي كان يُشبّب بزَينب بنت يوسف أخت الحجّاج، فارتاع الشاعرُ محمد مِن نَظَرِ الحجّاجِ إليه. وازداد قلقه بعدما دعا به الحجاجُ، فلبى دعوته، ولما وقف بين يديه قال محمد: فِدَاكَ أبِيْ ضَاقتْ بِيَ الأرضُ رُحْبُها وَإِنْ كُنْتُ قد طُوّفتُ كُل مَكانِ وإنْ كنتُ بالْعَنقاء أو بتُخوْمِها ظَنَنْتُكَ إلاَّ أَنْ تَصُدَّ تَرَانِيْ فقال له الحجاجُ: لا عليك، فوالله إِنْ قُلتَ إلا خَيراً، إنَّما قلتَ هذا الشعرَ: يُخبئنَ أطرافَ البنَانِ مِنَ التُقَىْ ويَخْرُجْنَ وَسْطَ اللَّيْلِ مُعتجراتِ وقال الحجاج: لكن اخبرني عن قولك: ولما رَأتْ رَكْبَ النُّمَيْرِيِّ أَعرَضَتْ وَكُنَّ مِنْ أَنْ يَلقينَهُ حَذِراتْ في كَمْ كُنْتَ؟ قال الشاعر محمد: والله إِنْ كُنْتُ إلاّ على حِمارٍ هَزيلٍ، معي رفيقٌ على أتانٍ مثله. فتبسَّم الحجّاج ولم يَعْرِض له أبداً. - 4 - حرب داحس والغبراء قال أبو عُبيدة: حرْبُ داحس والغبراء بين عَبس وذُبيان، ابني بَغيض الغَطفاني. وهي من حُروب قيس، وكان السبب الذي هاجها أنّ قيسَ بن زُهير، وحَمل بن بَدر تَراهنا على الحصان داحسِ والفرس الغَبراء، أيهما يكون له السَّبْق، وكان داحس فحلاً لقيس بنُ زهير، والغبراء حِجْراً، لحَمَل بن بَدْر، وتواضعا الرهان على مئة بعير، وجعلا مُنتهى الغاية مئة غَلْوة، والإضمار أربعين ليلة، ثم قادوهما إلى رأس المَيدان بعد أن أَضمروهما أربعين ليلة، وفي طَرف الغاية شِعاث كثيرة. فأكمَنَ حَملُ بن بدر في تلك الشّعاب فِتْياناً على طريق الفَرسين، وأمرهم إن جاء داحس سابقاً أن يردّوا وجهه عن الغاية. قال أبو عُبيدة: فأرسلوهما فأحضرا، فلما احضرا خَرجت الأنثى من الفحل. فقال حَمَل بن بدر: سبقتُك يا قيس. قال قيس: رُوَيدا يَعْدُوان الجَدَد إلى الوَعْث ترشح أعطاف الفحل. قال أبو عُبيدة: فلما أَوغلا في الجَدد وخرجا إلى الوَعْث بَرز داحس عن الغَبراء، فقال قيس: جَرْي المُذْكيات غِلاء، فذَهبت مثلاً. فلما شارف داحس الغاية ودنا من الْفِتْيَةِ، وَثَبُوا في وجه داحس فردّوه عن الغاية. ففي ذلك يقول قيسُ بن زُهير: وما لاقيت من حَمل بنِ بَدْرٍ وإخوتِهِ على ذاتِ الإصادِ هُمُ فَخروا عليَّ بغير فَخْرٍ وردّوا دونَ غايتِهِ جَوادي وثارت الحرب بين عبس وذُبيان، ابني بَغيض، فبقيت أربعين سنة لم تُنتَج لهم ناقة ولا فَرس، لاشتغالهم بالحرب. فبعث حذيفة بن بدر ابنَه مالكاً إلى قيس بن زُهير يطلب منه حَق السبتى. فقال قيس: كلا، لأمطُلنك به، ثم أخذ الرُّمح فَطعنه به فدقّ صلبه، ورجعت فرسه عارية فاْجتمع الناسُ فاحتملوا دية مالك مئة عشَراء دُفعتْ إلى حذيفة. وزعموا أن الرَّبيع بن زياد العَبسيّ حَملها وحدَه، فقَبضها حُذيفة وسكن الناس. ثم إن مالك بن زهير نزل اللُّقاطة من أرض الشربّة، فأخبر حُذيفة بمكانه، فعدا عليه فقتله. وفي ذلك يقول عَنترة الفوارس: فَلِلّهِ عَينَا مَنْ رَأى مثلَ مالِكٍ عَقيرةَ قومٍ أنْ جَرَى فَرَسانِ فليتَهُما لم يَجريا قَيْدَ غَلْوَةٍ وليتَهُما لَمْ يُرْسَلا لِرِهَانِ فقالت بنو عَبس: مالك بن زُهير بمالك بن حُذيفة، ورُدّوا علينا مالَنا. فأبَى حذيفةُ أن يردّ شيئاً. وكان الربيعُ بن زياد مجاوراً لبني فَزارة، ولم يكن في العَرب مثلُه ومثلُ إخوته، وكان يقال لهم: الكَمَلَةُ، وكان مُشاحناً لقيس بن زهير بسَبب دِرْع لقيس غَلبه عليها الربيعُ بن زياد، فاطّرد قيسٌ لَبوناً لبني زياد فأتى بها مكةَ، فعاوض بها عبدالله بن جُدعان بسلاح، وفي ذلك يقول قيس ابن زُهير: ألم يبلُغْكَ والأنباءُ تنْمِي بما لاقَتْ لَبوْنُ بَني زِيادِ وَمَحْبسُها على القُرَشِيّ تُشْرى بأدراعٍ وأسيافٍ حِدادِ وكنتُ إذا بُليتُ بخَصمِ سَوءٍ دَلفتُ لهُ بدَاهِيَةٍ نآدِ ولما قُتل مالك بن زُهير، قام بنو فَزارة يسألون ويقولون: مَا فعل حِماركم؟ قالوا: صِدْناه. فقال الربيع: ما هذا الوَحْي؟ قالوا: قتلنا مالكَ بن زهير. قال: بئس ما فعلتم بقَومكم، قَبلتم الدِّية، ثم رَضيتم بها وغَدرتم. قالوَا: لولا أنك جارنا لقَتلناك، وكانت خُفرة الجار ثلاثاً. فقالوا له: بعد ثلاث ليال: اخرُج عنا. فخرج وأتبعوه فلم يَلحقوه، حتى لَحق بقومه. وأتاه قيسُ بن زهير فعاقده. وفي ذلك يقول الربيع: فإنْ تكُ حَربُكم أمستْ عوَانًا فإني لم أكُن مِمَن جَناها ولكنْ وُلْدَ سودةَ أرّثُوها وَحشُوا نارَها لِمَن اصطلاها فإنّي غيرُ خاذِلِكم ولكنْ سأسعى الآن إذْ بَلغَتْ مداها كانت الحرب سجالاً بين عبس وذبيان، وانتهت بصلح، وتشتمل حرب داحس والغبراء على أيام مشهورة من أيام العرب هي: المريقب، وذي حساء، واليعمرية، والهباء، وفروق، وقطن . وتم التوصل إلى الصلح بفضل مساعي هرم بن سنان والحارث بن عوف، اللذين تحملا تعويضات الحرب، وقد مدحهما الشاعر زهير بن أبي سلمى فقال: فأقسَمْتُ بالبيتِ الذي طافَ حَوْلَهُ رِجالٌ بَنَوهُ من قريشٍ و جُرْهُمِ يَميناً لَنِعْمَ السَّيدانِ وُجدتُما على كلِّ حالٍ من سَحِيلٍ و مبرمِ تداركْتُما عَبْساً وذُبيانَ بعدَ مَا تَفَانَوا ودقوا بينهُم عِطْرَ مَنْشِمِ فاصبحْتُمَا منها على خيْرِ مَوْطِنٍ بعيدين فيها مِن عُقُوْقٍ ٍ ومَأثَمِ عَظِيْمَيْنِ في عُليا مَعدًّ هُدِيْتُمَا وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاً مِنَ الْمَجدِ يَعْظَمِ