تشير وثيقة خطة التنمية السابعة إلى أنه «على الرغم من الزيادة المتوقعة في الاحتياجات التمويلية خلال خطة التنمية السابعة، إلا ان هناك موارد مالية كبيرة متاحة في شكل ودائع مالية تحت الطلب ومدخرات وأصول مالية أخرى لدى المصارف التجارية المحلية أو في شكل استثمارات مالية في الخارج، وتؤكد على ان معالجة هذا الأمر تتطلب حشد هذه الموارد المالية المحلية والخارجية عن طريق «اتخاذ اجراءات جوهرية لجعل بيئة الاستثمارات المالية وغير المالية في المملكة العربية السعودية أكثر جذباً ولا سيما من خلال تطوير الإطار المؤسسي والتنظيمي للنظام المالي والاستثمارات بما في ذلك ادخال أدوات تمويل جديدة لمقابلة الاحتياجات المتزايدة لشركات القطاع الخاص للتمويل طويل الأجل، واتخاذ إجراءات لدعم تحول مؤسسات القطاع الخاص إلى شركات مساهمة فضلاً عن تطوير سوق الأوراق المالية»، واعترفت الوثيقة ان القطاع الخاص السعودي يمتلك «استثمارات ضخمة في بعض الدول المتقدمة»، مشيرة إلى ان من أسباب ذلك محدودية فرص الاستثمار في السوق المحلية للأسهم، وطالبت الوثيقة «اتخاذ إجراءات عاجلة للبدء في تنفيذ اصلاحات لسوق رأس المال تهدف إلى تعزيز نمو صناعة قوية لسوق الأسهم والسندات، وتشجيع الاستثمارات في المملكة العربية السعودية»، واقترحت الوثيقة دراسة إمكانية القيام بالإجراءات التالية: * إصدار نظام لسوق السندات، يكون مكملاً لنظام مراقبة البنوك ونظام الشركات الحاليين، وكذلك تطوير التجهيزات الأساسية لسوق رأس المال في المملكة العربية السعودية، * إعداد إطار مناسب وتنفيذه لتنظيم عمليات إصدار السندات التي تقوم بها المؤسسات المالية غير البنكية بما في ذلك المؤسسات التي تقع مراكزها الرئيسية خارج المملكة العربية السعودية، * وضع آلية لتنظيم أنشطة سوق الأوراق المالية والإشراف عليها على غرار النظم المطبقة في دول أخرى، وينبغي للجهة التنظيمية لسوق الأوراق المالية ان تحدد إجراءات إصدار الأسهم الجديدة من أجل تشجيع الشركات على التحول إلى شركات مساهمة، * مراجعة اللوائح المتعلقة بتحويل الشركات غير المساهمة إلى شركات مساهمة وتيسير إجراءاتها بهدف تسهيل عملية التحول، لا سيما بالنسبة إلى الشركات ذات القدرات الابتكارية، بالإضافة إلى تحديد الإطار المؤسسي والتنظيمي اللازمين لتمكين القطاع الخاص من الحصول على رؤوس الأموال عن طريق إصدار سندات الشركات، * تقديم تسهيلات لضمان حصول الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم على التمويل، بحيث تشكل تلك التسهيلات جزءاً لا يتجزأ من سياسات المملكة العربية السعودية المتعلقة بتنويع القاعدة الاقتصادية واستحداث الفرص الوظيفية، * إصدار اللوائح الرامية إلى تشجيع البنوك التجارية على تقديم قروض بضمان الرهن العقاري وهو ما يتطلب التنسيق مع الجهات والإدارات الحكومية الأخرى ذات العلاقة، وكان إعداد وثيقة خطة التنمية السابعة قد ارتكز على الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية التي أقرها مجلس الوزراء بقرار رقم 58 وتاريخ 28/3/1420ه والتي حددت معالمها الرئيسية في ستة عشر هدفاً عاماً وسبعة عشر أساساً استراتيجياً، وقد أكد الأساس الاستراتيجي الثالث على «الاستمرار في سياسة فتح المجال للقطاع الخاص لمزاولة كثير من المهام الاقتصادية والاجتماعية، شريطة ان يترتب على ذلك منفعة حقيقية في تخفيض التكلفة، وحسن الأداء، وتشغيل المواطنين»، مشيراً إلى ان هذه السياسة يمكن ان تتأتى عن طريق: * المضي في تنفيذ سياسة التخصيص، مع مراعاة اختيار التوقيت المناسب وتهيئة الأوضاع الملائمة للمرافق المرشحة للتخصيص بما يكفل تحقيق أهداف التخصيص، * التعجيل بمراجعة جميع الأنظمة ذات العلاقة بأنشطة القطاع الخاص، بهدف تبسيط الإجراءات وتذليل العقبات، * الاهتمام بصناعة السياحة الداخلية عن طريق تحفيز وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، * تسهيل إجراءات قيام المزيد من الشركات المساهمة، * تطوير السوق المالية لتداول الأوراق المالية واتاحة الفرصة لمزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، * تشجيع وتحفيز المستثمرين على استكشاف واستغلال الخامات المعدنية عن طريق ايجاد التجهيزات الأساسية، وإثراء قاعدة المعلومات، وتوفير التمويل الميسر للمشاريع التعدينية، * الاستمرار في تشجيع الجمعيات التعاونية والمؤسسات الأهلية الخيرية على القيام بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية مثل تشغيل المصحات والمستشفيات ومراكز تأهيل المعاقين، والعيادات الخاصة، وتشييد المبرات، * حث البنوك التجارية على زيادة تسهيلاتها للمشاريع الإنتاجية مع زيادة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة، * العمل على زيادة فاعلية وتكثيف البرامج الخاصة بتعريف المواطنين بفرص الاستثمار المتوفرة في القطاعات الإنتاجية، * تعزيز قدرات القطاع الخاص وتوعيته للتعامل بمرونة وكفاءة مع الآثار المحتملة والناجمة عن المستجدات الدولية، * تشجيع قيام شركات وطنية مالية لاستثمار الأموال في الداخل، * تحسين المقدرة التنافسية للمنتجات الوطنية لمواجهة تزايد حدة المنافسة مع نظيراتها الأجنبية بالأسواق المحلية والعالمية، * تنمية الوعي الادخاري لدى المواطنين، واستحداث قنوات لتجميع واستثمار المدخرات الصغيرة، ويتأتى ذلك عن طريق: تكثيف دور وسائل الإعلام لإبراز أهمية الادخار، حث البنوك التجارية على استحداث أساليب ونظم ملائمة لتجميع المدخرات الصغيرة، تشجيع قيام بنك للادخار كنواة لبنوك ادخارية أخرى في المستقبل، الاستمرار في المحافظة على استقرار الأسعار لحماية المدخرات، * توفير المزيد من القنوات لاستقطاب مدخرات المقيمين، * تشجيع القطاع الخاص على زيادة استثماراته في مجال التعليم والتدريب، * تشجيع القطاع الخاص على الاسهام الفعال في تنمية المناطق، وكان شيئاً جيداً ان تزامن بدء العمل بخطة التنمية السابعة مع صدور بعض القرارات المهمة في إطار حزمة الاصلاحات الاقتصادية التي هدفت إلى توفير المناخ العملي لتطبيق أهدافها العامة وأسسها الاستراتيجية، وأهمها إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة، وقد يكون من الصعب اختزال القضايا الاقتصادية الرئيسية الملحة في هذا المقال، وهو ما يبرز في الوقت نفسه التركيز فيه على محور «تنمية المؤسسات والأسواق المالية» الذي نجحت وثيقة خطة التنمية السابعة في تشخيص الخلل الذي يعاني منه ورصد خطوط عريضة لمعالجته باعتباره محوراً تنموياً أصيلاً، ولا بد من القول، وبدرجة كبيرة من الارتياح بأن خطة التنمية السابعة تمثل نقطة تحول في منهجية التخطيط بالمملكة العربية السعودية وذلك لاعتمادها بدرجة كبيرة على منهجية التخطيط بالسياسات، مع تعزيزها بمجموعة من النماذج الاقتصادية المتطورة، وذلك بتبني حزمة من السياسات المالية والنقدية والسياسات المتعلقة بالتجارة الخارجية وميزان المدفوعات وتحليل السيناريوهات البديلة لانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، وفي المقابل أيضاً يمكن القول، وبدرجة كبيرة من الموضوعية، انه نظراً لأن الآثار المترتبة لتطبيق تلك السياسات على المؤشرات الكلية للتنمية تتباين ليس فقط من حيث الجوانب الكمية ولكن أيضاً من حيث اتجاهاتها المختلفة ومداها الزمني، فإنه يتوجب تطبيقها كحزمة متكاملة مع مراعاة المدى الزمني للخطة وفق آلية محدودة وواضحة وبشفافية عالية، وفي هذا الإطار فإن تبني خطة التنمية السابعة لرؤية عملية لتطبيق هذه السياسات يمثل المدخل الآمن لتحقيق الأهداف التنموية باتباع منهجية التخطيط بالسياسات، بدلاً من طرح فرضيات، قد تتحقق وقد لا تتحقق، وإن كانت المفارقة التي تواجه المخطط في هذا الشأن هي المدى الزمني التي يمكن للسياسات ان تؤثر فيها على الأهداف ومدى التزام الجهات المعنية بتنفيذ تلك السياسات خلال المدى المتوسط لخطة التنمية، ولعل ما يعيب منهجية التخطيط بالسياسات ان الأهداف المترتبة عليها تكون في معظم الوقت طموحة بالقدر الذي يتطلب اعادة النظر فيها باستمرار، وهي بذلك تناسب أسلوب التخطيط المتدحرج أكثر منها للتخطيط ذي المدى الزمني المحدد، والسؤال: هل هذا يكفي؟ إذ انه كما نعيب على خطط التنمية عموما على انها تتضمن جملة مؤشرات اقتصادية تحمل طابع التنبؤ لمستقبل الاقتصاد دون ان تتضمن خطة عمل أو آلية محددة لتحفيز النمو بالمستوى الذي يحقق أهداف واستراتيجيات التنمية، فإننا كنا نتمنى على خطة التنمية السابعة ان تتبنى رؤية عملية لتحقيق السياسات التي طرحتها كحل لأزمة السوق المالية، وان تضع برنامجاً زمنياً محدداً للجهات التنفيذية وفي مقدمتها وزارتا المالية والاقتصاد الوطني والتجارة لمعالجة الخلل في السوق المالية وخاصة فيما يتعلق بسوق الأوراق المالية وتوسيع قاعدة الشركات المساهمة، من الضروري جدا ان تكون خطة التنمية قادرة على التأثير على المسار الاقتصادي وألا تكتفي برصد المؤشرات الاقتصادية في المستقبل، وقد يكون من الضروري أيضاً في ظل حزمة الاصلاحات الاقتصادية التي تشهدها الساحة الاقتصادية الوطنية النظر في إعادة تشكيل مهام وزارة التخطيط بهدف تفعيل دورها وتوسيع دائرة صلاحياتها لتكون قادرة عملياً على التأثير على مسار الاقتصاد والعمل على تقويمه واثرائه ليكون لخطة التنمية حضور فاعل وتأثير عملي يتجاوز تشخيص الخلل وطرح الحلول النظرية،