مناسبة العيد مناسبة عظيمة، من المناسبات السعيدة، التي يفرح بها المسلمون، ففي العيد يجتمع الاقارب، ويتزاور الجيران، ويتواصل الارحام، وينبذ الخصام ويقضى على التهاجر. في العيد يفرح عامة الناس، صغارا وكبارا، رجالا ونساء، ما عدا صنف منهم، فان العيد يجدد احزانهم، وينكأ جراحهم، ويثير اشجان نفوسهم، يذكرهم العيد ألم الحسرة ولوعة الفراق. الايتام في العيد، لهم معاناة لا يدركرها الا عقلاء الناس، لذا يجب ألا تشغلنا عنهم فرحة العيد، ولا ينسينا مواساتهم لذيذ الطعام وما زهى من لبس جديد، فقد امرنا بالاحسان اليهم، والعطف عليهم، يقول تبارك وتعالى: {وّبٌالًوّالٌدّيًنٌ إحًسّانْا وّبٌذٌي الًقٍرًبّى" وّالًيّتّّامّى" وّالًمّسّاكٌينٌ..} [النساء: 36] فهنا أمر بالاحسان لهم، لانهم بحاجة للاحسان، لعله يعوض ولو جزءا يسيرا من حنان وعطف ورعاية آبائهم. ان اليتيم بفقده لوالده قد فقد الشيء الكثير، فأين والده في هذا العيد ليجلس معه ويلعب معه ويخرج معه؟ أين هو ليشكو اليه آلامه، ويبدي له آماله؟ اين هو في هذا العيد ليختار له لعبه وثيابه؟ فما احوجه لقلب رحيم، يحمل صاحبه للاحسان اليه، والشفقة عليه، يرحم يتمه، فينال برحمته رحمة الرحمن سبحانه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء». ان الاهتمام بالايتام، والعناية بهم، ومواساتهم في هذا العيد، له مردود عظيم، ففي الحديث الذي اخرجه عبدالرزاق في مصنفه وابو نعيم في حليته وصححه الالباني في صحيح الجامع ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه كقلوب كثير منا، لا يتأثر بموعظة، ولا ينتفع بذكرى اتى هذا الرجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: اتحب ان يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟: ارحم اليتيم وامسح رأسه واطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك». وفي الحديث الصحيح، بشر النبي صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم، المهتم بشؤونه، الراعي له، بشره بالجنة، بل بمنزلة قرب منزلته صلى الله عليه وسلم فقال:« كافل اليتيم له او لغيره اي من اقاربه او من غيرهم انا وهو كهاتين في الجنة» واشار صلى الله عليه وسلم بالسبابة والوسطى. وفي الحديث الصحيح ايضا قال صلى الله عليه وسلم:« من مسح رأس يتيم لم يمسحه الا لله، كان بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن احسن الى يتيمة او يتيم عنده كنت انا وهو في الجنة كهاتين»، وفرق صلى الله عليه وسلم بين اصبعيه السبابة والوسطى. ولكي ندرك حاجة الايتام لمن يعطف عليهم، نتأمل الحديث الذي رواه الامام مسلم رحمه الله من حديث ابي هريرة رضي الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:« خير نساء ركبن الابل صالح نساء قريش، احناه على يتيم في صغره، وارعاه على زوج في ذات يده» ومعنى احناه على يتيم في صغره: اي اشفقه، والحانية على ولدها: هي التي تقوم عليهم بعد يتم فلا تتزوج، فان تزوجت فليست بحانية. فلنحسن للايتام لاسيما في هذا العيد ولنتق الله صلى الله عليه وسلم فقد قال الله سبحانه وتعالى:{وّلًيّخًشّ الَّذٌينّ لّوً تّرّكٍوا مٌنً خّلًفٌهٌمً ذٍرٌَيَّةْ ضٌعّافْا خّافٍوا عّلّيًهٌمً فّلًيّتَّقٍوا اللَّهّ وّلًيّقٍولٍوا قّوًلاْ سّدٌيدْا} [النساء: 9].