قدمنا في المقال السابق نماذج من صور الحجاز في شعر الشوقيات، وكثيراً ما كان يستعمله في مقابل مصر، وسوريا، والعراق، أي أنه كان يطلقه على أرض الجزيرة العربية، بل بديلاً لمصطلح: «المملكة العربية السعودية» الذي كان لم يترسخ بعد. ومن ذلك ما جاء في قصيدته: «توت غنج آمون والبرلمان 2/160» وهو يتحدث عن مصر: ونثرتْ فوق الطريق وَرْدها واستقبلتْ «فؤادَها» و «وفْدها» موئلها، وكهفها، ورِدَّها وابن الذين قوّموا مقدَّها وألَّفُوا بعد انفراطٍ عِقْدَها وجعلوا صحراء «ليبيا» حدَّها وبسطوا على «الحجاز» أَيْدَها (فؤادها: الملك فؤاد. الوفد: حزب الوفد الأيد: القوة والسلطان». وفي قصيدته «صقر قريش 2/173» التي صاغها على أسلوب الموشحات، يقول: ثأر «عثمان» «لمروانٍ» مجاز ودمَ «السِّبْط» أثار الأقربون حسَّنوا «للشّامِ» ثأراً و«الحجاز» فتغالى الناس فيما يطلبون مكرُ سُوّاسٍ على الدهماء جاز ورعاةٌ بالرعايا يلعبون وفي حفل تكريمه ومبايعته بإمارة الشعر، الذي اقيم في دار الأوبرا الملكية: ألقى قصيدة عصماء «2/195» مطلعها: مرحبا بالربيع في ريْعَانهْ وبأنواره، وطِيبِ زمانِهْ ثم قال: يا «عكاظاً» تألَّفَ الشرقُ فيهِ من فلسطينِه إلى بَغْدانِهْ افتقدنا «الحجازَ» فيه، فلم نَعْ ثُرْ على «قسِّه»، ولا «سَحْبانِهْ» حملت «مصرُ» دونه هيكل الدِّي نِ، وروحَ البيانِ من فُرقَانِهْ وطَّدت فيكَ من دعائِمِها الفُص حى، وشُدَّ البيانُ من أركانِهْ كان هذا الحفل سنة «1346ه/1927م»، وحق للشاعر أن يفتقد الحجاز، اذ كان يرى في مبايعته له على لسان احد من شعرائه، مما يعطي تلك البيعة وهجاً وشرعية، وذلك لجذوره الشعرية الراسخة في أعماق التاريخ، وبما عرف فيه من الأسواق الأدبية كعكاظ، فالاصالة الشعرية إنما كانت منه وفيه، وما مصر وغيرها من البلاد العربية، وما تحويه من نثر وشعر إلا امتداد لتلك الجذور المرتبطة بالحجاز، الذي عنى به الشاعر هنا الجزيرة العربية كلها، وما كانت تضمه من تراث شعري. ويستمع الشاعر السعودي: «فؤاد إسماعيل شاكر» إلى قصيدة شوقي، فيغار على حرمات الشعر في الحجاز أن تنتهك، يقول شاكر: «وعقب الاحتفال مباشرة قدمت له هذه القصيدة التي نالت تقديره وإعجابه» حيث نشرت في جريدة «كوكب الشرق» الديوان ص 207 وكأنه كان قد كتبها مسبقاً بغية المشاركة بها في المناسبة، لكن منظمي الحفل هم الذين قصروا بشأن الحجاز وشعرائه، فلم يوجهوا لهم الدعوة، ولم يَشْركوهم في التحضير والإعداد، ولعل وقائع الاحتفال استغرقت أكثر من يوم واحد، بحيث تمكن فؤاد شاكر أن يدرج عتب شوقي في قصيدته، ويرد عليه وفي ثنايا ذلك أكد على مبايعته باسم الحجاز وشعراء الحجاز وقد جاءت القصيدة في الديوان مقسمة الى خمسة مقاطع متباينة القصر والطول، كونت اثنين وأربعين بيتاً، فهي تعد في المطوّلات، مضمِّناً فيها أربعة أبيات من قصيدة شوقي، والذي لاشك فيه أنه لم يكن بالحجاز في ذلك الحين شعر ذوبال، كما كان الحال في أقطار عربية أخرى، لكن كان يوجد فيه جملة من الشباب الطموح المقبل على الأدب والشعر والثقافة، والذي يجد نموذجه في شعراء مصر والشام والعراق وشعراء المهجر، فيحاول أن يكون، وأن يقف برجلين مستقلتين، ولذا فلن نعد أنفسنا بنص شعري على مستوى المناسبة التي افتتحها حافظ إبراهيم ببيته الرائع الشهير: أميرَ القوافي قد أتيتُ مبايعاً وهذي وفودُ الشعر قد بايعتْ معي يقول شاعرنا فؤاد شاكر، محتذياً شوقي في البحر والرويّ: يا أميرَ النُّهى، وربَّ بيانِهْ هذه روضُه، وأغصانُ بانِهْ أنتَ ربُّ البيانِ لا فخرَ يا شوْ قي، وربُّ السباق يوم رهانهْ من يباريك يا أمير القوافي أو يباري النُّهى وإعلاءَ شانِه رُبَّ شعرٍ أتيتَ بالسِّحر فيهِ رقيةٌ، أو تميمةٌ من بيانِهْ صُغتَ فيه اليَتيمَ سَمْطاً نَضِيداً نَسَّقتْ بينَه دَرارِي جُمَانِهْ وسنعود للقصيدة والكلام عن الشاعرين بمناسبتها في مقال تال ان شاء الله، أما الآن فنستكمل ما جاء عند شوقي من ذكر للحجاز، ففي قصيدته التي رثى فيها الفنان «عبده الحامولي» المتوفي سنة 1902م/ تستعمل كلمة «حجاز كار»، كمقام أيضاً، وقد أشار إلى ريح الصَّبا، والحِجَاز القُطْر، فقال: رُبَّ ليلٍ أغار فيه القماري وأثار الحسانَ من أقمارِهُ «بصبا» يُذكرُ الرياضَ صَباهُ و «حجازٍ» أرقَّ من أكارهْ وفي رثائه للملك حسين بن علي ملك الحجاز آنذاك (ت 1931م) 3/150 قال: المناحات في ممالك أبنا ئِكَ، بدريَّةُ العزاء، قوائمْ تلك «بغدادُ» في الدموع «وعمَّا نُ وراء السواد، و «الشامُ» واجِمْ و «الحجازُ» النَّبيلُ رِيعَ مصلِّ من ربوع الهدى، وآخَرُ صائم وفي رثائه لمصطفى كامل باشا «3/157» ، الزعيم الوطني المعروف «ت 1908م» يقول: لما نُعيتَ إلى «الحجازِ» مَشَى الأَسَى في الزائرينَ، ورُوِّعَ الحَرَمانِ يا ليت «مكةَ» و «المدينةَ» فازَتَا في المحفلين بصوتك الرنانِ ليرى الأواخرُ يوم ذاك ويسمعوا ما غابَ من قُسٍّ، ومن سَحْبَانِ ورثى أيضا الأمير سيف بن يحيى/ نجل إمام اليمن/ الذي توفي سنة 1932م، فقال:« 3/199»: وباتت بصنعاء تبكي السيوفُ عليه، وتبكي القنا في عدنْ و أعول «نجدٌ» ، وضج «الحجازُ» ومال «الحسين»، فعزَّى «الحسنْ» إن مدائح شوقي ومراثيه تفتقر في كثير من الأحيان إلي الصدق العاطفي الذي نبحث عنه فلا نجده، لأنه في اعتقادي كان يدعى إلى المشاركة فيضطر لذلك، كما أن مركزه الاجتماعي وعلاقاته الكثيرة بعظماء القوم كانت تفرض عليه ذلك أيضاً، ولا يمكن فيما يبنى على المجاملة أن يعد من الشعر بحال، وإنما هي حجلات شعرية، قد تواتيه، وقد لا تواتيه.