نعلم جميعا أن هناك فرقاً بين الحجاز الاقليم، والحجاز القطر، وفيما بين ما هو مسطور في الكتب وما هو شائع في أعراف الناس. فمكة والطائف وجدة والمدينة المنورة هي أهم المدن الحجازية، هكذا يرد ذكرها في كتب التاريخ، وهكذا ترد على أذهان الناس، مع أن علماء الجغرافيا ربما عدوا بعضها في تهامة، وبعضها في نجد، كما ان بعض إخواننا العرب كالمصريين قد يطلقون الحجاز على الجزيرة العربية كلها، أو البلاد السعودية بالذات، وسنجد ان الشاعر أحمد شوقي استعملها بعدة معان، لعل أهمها: الحجاز القطر، والحجاز: الجزيرة، ففي همزيته النبوية (الشوقيات 1/37) يقول: لما تمشَّى في (الحجاز) حكيمُهُ فُضّتْ (عكاظُ) به، وقام (حراءُ) أزرى بمنطق أهله، وبيانهمْ وحيٌ يقصِّر دونه البلغاءُ حسدوا فقالوا: شاعرٌ أو ساحرٌ ومن الحسود يكون الاستهزاءُ وعكاظ بالطائف، وحراء بمكة. فهو يذكر الحجاز، ويذكر بعض أجزائه، ومثل ذلك فعله في قصيدته: (انتصار الأتراك في الحرب والسياسة) الشوقيات 1/59 والتي مطلعها: الله أكبر، كم في الفتح من عجب يا خالد الترك، جدّد خالد العربِ يقول فيها: لما أتيتَ (ببدْرٍ) من مطالعها تلفّت (البيت) في الأستار والحجبِ وهشّت (الروضةُ) الفيحاءُ ضاحكةً إن (المنوّرة) المكية التُّرُبِ وهشّت الدار أزكى طيبها، وأتت بابَ الرسول، فمسّتْ أشرف العتب وأرّج الفتحُ أرجاء (الحجاز)، وكم قضى اللياليَ، لم ينعَمْ، ولم يطب فالبيت، وبدر، والروضة الشريفة، والمدينة المنورة، أجزاء للحجاز. ü وفي قصيدته (إلى عرفات) 1/98 يقول: على كل أفق (بالحجاز) ملائك تزف تحايا الله والبركاتِ اذا حُديت عيسُ الملوك، فإنهم لعيسك في البيداء خيرُ حٌداة وظاهر أن المثير الذي يقف وراء هذه القصيدة هو مناسبة متصلة بالحج يؤدي فيها الشاعر واجبا منتظراً منه، وهذا ما أفقدها الحرارة العاطفية، ونلتقي معه في قصيدة أخرى ذكر فيها الحجاز ذكرا مرتبطا بالحج، متبنّياً فيه موقفا سياسيا، تحس أنه المقصود من إنشاء القصيدة، وعنوانها: (ضجّ الحجيج) 1/211 رفعها إلى السلطان عبدالحميد العثماني، يستصرخه فيها من ظلم الشريف (عون الرفيق) وأعوانه، ويندد بهم وبما فعلوه بالحجاج، وذلك سنة 1904م، يقول مخاطبا السلطان: ضج (الحجاز)، وضجٌ (البيت، والحرمُ) واستصرخت ربَّها في (مكة) الأمم قد مسّها في حماك الضرُّ، فاقض لها خليفةَ الله أنت السيد الحكَمُ لك الربوع التي ريعَ الحجيج بها أ للشريف عليها أم لك العلَم..؟ إلى أن يقول: أدِّبه، أدِّبْ أمير المؤمنين فما في العفو عن فاسق فضلٌ، ولا كرم لا ترجُ فيه وقاراً للرسول، فما بين البُغاةِ وبين المصطفى رحم فهو كما نرى يغري الخليفة بالشريف حاكم مكة، ويذكره بأنه هو السلطان والراعي، وان الشريف لايعدو ان يكون أميرا من أمرائه، حتى إذا استحق التأديب أدَّبَهُ، وربما نحّاه عن منصبه. وقال يشيع صديقه الدكتور محجوب ثابت/ حين سافر إلى الحجاز (الشوقيات 2/84)، حيث استحضر في ذهنه وشعره مجموعة من الأماكن رمز بها إلى حبه للأماكن المقدسة، وطلب منه ان يبلغها سلامه، أما هو نفسه فلم يعزم يوما على حج أو عمرة، الأمر الذي أثار كثيرا من التساؤلات: (محجوبُ)..! إن جئتَ (الحجا زَ)، وفي جوانحك الهوى لَهْ شوقاً، وحباً بالرسو لِ، وآله أزكى سُلاله فلمحتَ نَضرة (بانِهِ) وسمعتَ كالريحان (ضاله) فالبان والضال من أشجار الحجاز، والجزيرة العربية كلها، وأنا متأكد أن الشاعر لم يره، وإنما يذكره تقليدا لذكر غيره له في هذا المجال، ثم يواصل: وعلى (العقيق) مشيتَ تنْ ظر فيه دمعَك وانهمالَه ومضى السُّرى بك حيث كا ن الروح يسري والرساله وبلغتَ (بيتاً) (بالحجا ز) يبارك الباري حياله اللهُ فيه جلا الحرا مَ لخلقه، وجلاَ جلاله ثم هو يسرد مجموعة من الفضائل والمكارم التي تتحلى بها تلك الأماكن، والخصائص التي خصها بها الله تعالى، في ثمانية أبيات، فيبدو كل بيت منها باسم الإشارة (هناك) مؤملا أن يحدث هذا التكرار شجون الحب في المتلقي، ويحرك فيه لواعج الشوق لمكة والمدينة وما فيها من أنساكٍ ومشاهد، فيقول: فهناك طبُّ الروح، طبُّ العالمين من الجماله وهناك أطلال الفصا حة، والبلاغة والنبَّاله وهناك أزكى مسجدٍ أزكى البرية قد مشى له وهناك عُذْريُّ الهوى وحدتُ (قيسٍ) والغزاله إنه يجمع بين طهر الأرض في الأماكن المقدسة، وبين ما جرى فيها من حياة شعرية غزلية عذرية، هي في الحقيقة جرت في منازل بني عذرة شمالي الحجاز، ولكنها لديه كما قلنا سابقا جميعا حجاز. أما مكة والمدينة والطائف فقد صال فيها الأحوص والعرجي، وابن أبي ربيعة بأشعارهم المكشوفة. ويستمر قائلا: وهناك حجري الخيل، يُجرى في أعنقها خياله وهناك خيّمت النُّهى والعلمُ قد ألقى رحاله وهناك سَرْحُ حضارة اللهُ فيأنا ظلاله ثم يوصيه بالمثول أمام أمير مكة الشريف حسين، والسلام عليه، ويمتدحه بعدة أبيات وتظل العاطفة الدينية خافتة باردة عند صاحب الشوقيات.