كم هو جليل وجميل أن تتوافق في آفاق عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض ثلاث مناسبات ثقافية كبرى، في عام واحد، وكل واحدة من هذه المناسبات قمينة بأن تكون ذات مردود إيجابي يرطب يابس الحياة، ويهزم عبوسها وشحوب أيامها، بما يزرع أجواء مشعة بالحبور النفسي، والتمازج الوطني المتفاعل مع كل حدث تخضوضر منه أيام الناس ولياليهم بربيع الثقافة وخصب الفكر وغناء الأدب. لقد اجتمعت في عامنا الهجري (1420ه) ثلاث مناسبات احتفالية نسيج كل منها: نصاعة التاريخ، وسموق الثقافة، ونفاسة التراث باستذكاره وتشخيص مافيه حاضراً,, بما يربط الأجيال بعضها ببعض. ثلاث مناسبات ما أحلاها: 1) العام المئوي لاستعادة الملك عبدالعزيز رحمه الله مدينة الرياض من حكم الرشيد إلى حكم آل سعود,, وذلك في 5 شوال عام 1319ه ومن ذلك اليوم كانت الانطلاقة التاريخية لوحدة الوطن واستقراره، وانتهاء عهد التجزئة الاقليمية، ومع قطع دابر القتل والسلب والنهب والفوضى المستعصية قبل ذلك الحدث الكبير. 2) اختيار (الرياض عاصمة للثقافة العربية) لعام 2000م بتأييد من وزراء الثقافة العرب وترشيح من منظمة الاممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). 3) المهرجان الخامس عشر للتراث والثقافة (مهرجان الجنادرية) والذي يصح أن أسميه (برلمان المثقفين العرب). هذه المناسبات الثلاث منها ما يصح أن اصفها بأنها (فلكية) قد لا تتكرر في الأمد المنظور, وهي اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية، وكذلك هي حال العواصم الأخرى,, ومنها مالا يدركه من الأجيال الدابة اليوم على الارض إلا النادر,, وهي الاحتفالية بمئوية فتح الرياض، وسبحان الحي الذي لا يموت. ومنها ما نأمل استمراره وتطوره عاما بعد عام، وهو المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) والذي اصبح معلماً راقياً من معالم الحياة الثقافية والتطور الحضاري في قلب الجزيرة العربية والذي تؤمه الاعداد الكبيرة من المثقفين والمفكرين العرب والاجانب سنويا للانتهال من مناهله العذبة علما وفكرا وثقافة، وترفيها بريئا في بعض نشاطاته المخصصة لهذا الغرض. وإذا نظرنا إلى المناسبتين الأوليين، وأنهما ليستا في عالم التكرار والعودة إلا أن يشاء الله,, فإن حقهما على كل جهة مَعنية، وكل مؤسسة علمية، أو ثقافية، وكل مثقف، أن لا يفلتا من بين اصابع الزمن,, دون أن يبقى لهما ما يخلد مرورهما الفلكي، وذكراهما التاريخية، بالأعمال والمنجزات التي لها صفة الديمومة والبقاء، وعمق العطاء الثقافي,, الذي يجب أن يجتاز أجواء الجزيرة العربية إلى العالم العربي في مشرقه ومغربه,, وفق معايير الجودة والابداع، والالتزام بالثوابت والقيم الاسلامية التي لا يمكن أن يتم التلاقي والتصافي بين المثقفين العرب بدونها. فالخروج في الأدب والثقافة والفكر عن ثوابت الإسلام وقيمه هو أخطر عوامل التفكك وهدم حاضر الأمة ومستقبلها، لا تساويه في خطورته الأسلحة الذرية,,! *** ولكي نزيد احتفالية الرياض عاصمة للثقافة العربية عمقا واثراء ووهجا فلابد من تحقيق بعض البرامج والنشاطات الهامة ذات المستوى العالي، والتي أرى أن من أهمها: 1) اعادة (جائزة الدولة التقديرية في الأدب) إلىالحياة من جديد لما لها من تأثير بالغ يفوق كل تأثير لسواها. وهل هناك مناسبة أولى وأجدر بأن تعاد فيها هذه الجائزة التي أُقلق فيها فقيد الأمة الأمير فيصل بن فهد رحمه الله من كثرة التساؤل عنها، واجابته في كل مرة بأنها (ستعود وستعود قريبا,,) ولكنه مضى طيب الله ضريحه قبل أن يحقق وعده بها, والأمل الآن في عودتها معقود بعد الله على جبين كل من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي يحدب منذ (40) عاماً على كل ما يرفع شأن وتطور عاصمة البلاد ويعلي قدرها عمرانيا وثقافيا. وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب وخليفة صاحب الجائزة المتعهد باعادتها، وهو يقود احدى المؤسسات الكبرى الفاعلة. لقد فعلت الجائزة، إبان السنتين اللتين منحت فيهما، فعلها الايجابي الثري على نشاط الحركة الأدبية وتجويد النتاج بقدر لم يسبق له مثيل,, حيث صدرت عدة دواوين شعرية وكتب أدبية كان كثير منها على المستوى المشرف لأصحابها وللمناسبة نفسها. وبالنسبة لي شخصيا واسمحوا لي أن أتحدث عن نفسي هذه المرة فلا بأس أن أذكر أنني احد المرشحين الثلاثة في عامها الثالث، والذي احتجبت فيه، بل لقد رشحتني (24) جهة ترشيح، ويشهد الله أنني لم أطلب من أي منها ترشيحي لكنها بقناعتها رشحتني تلقائيا وهي بعض الجامعات، والوزارات المعنية وبعض المؤسسات الصحفية، وبعض الأندية الأدبية، وبعض الاشخاص الذين نالوها قبل ايقافها رحم الله من مضى وحفظ من بقي فهل هو كثير على من أفنوا شبابهم وكهولتهم خدمة لدينهم ووطنهم وثقافتهم، أن يكرموا في حياتهم ليحسوا ويحس أهاليهم بأن الدولة لم تغفل تقدير جهودهم وجهادهم الذي تمخض عن عطاء مازال فاعلا في الحياة الثقافية وسيبقى إلى ما شاء الله. 2 عقد المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين هذا العام، وجعله يتكرر كل عامين لما سيتجلى عنه من تجدد وإثراء للحياة الثقافية في المملكة، ولما سيكون له من امتداد زمني في العطاء الأجواد,, إذا ما أعد له الاعداد الجاد والمناسب. 3 تكليف عدد من الوزارات والمؤسسات العلمية والثقافية بشراء كميات من النتاج الجيد للأدباء السعوديين لتشجيعهم واعانتهم على طباعة ونشر نتاجهم من شعر ونثر في الجانب الأدبي,, ومن علم ومخترعات ومبتكرات في الجانب الحياتي. وبذلك تتنسم الحياة انسام ربيعها, والله الموفق والمستعان.