أمير منطقة جازان يشارك منسوبي إمارة المنطقة الإفطار الرمضاني السنوي    اتفاق عربي أمريكي على مواصلة التنسيق بشأن خطة مصر لإعمار غزة    عقد الأندية المتأهلة اكتمل اليوم .. المملكة تستقبل نخبة آسيا الشهر المقبل في جدة    سمو أمير منطقة الباحة يلتقي كبار المانحين ورجال الأعمال في منطقة الباحة    غُرفة عمليات أجاويد 3 بخميس مشيط تحتفل بيوم العلم    رئيس الفلبين السابق يعلن «تحمل» مسؤولية أفعاله    بلدية محافظة الأسياح تحتفي بيوم العلم السعودي    27 لاعباً في قائمة "الأخضر" لمواجهتي الصين واليابان ضمن تصفيات كأس العالم    سبل تصدر طابعاً بريدياً بمناسبة يوم العلم    أمير القصيم يكرم 57 طالبًا وطالبة بجائزة «منافس»    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    ضبط مواطنين بمنطقة الجوف لترويجهما أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    «التجارة» تُشهر بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر    توزيع أكثر من 15.8 مليون م3 من المياه للحرمين في أوائل رمضان    نائب أمير حائل يشارك رجال الأمن إفطارهم الرمضاني في الميدان    صم بصحة في ظهران الجنوب    المملكة تستقبل «نخبة آسيا» الشهر المقبل في جدة    توزيع أكثر من 1.5 مليون حبة تمر على سفر إفطار الصائمين في المسجد النبوي يوميًا    ترمب: أميركا لن تسمح بعد اليوم بإساءة معاملتها تجارياً    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع الإفتاء بالمنطقة الشرقية للعام 2024    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : القطيبة    أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لقيادة حرس الحدود بالمنطقة للعام 2024    قائد القوات المشتركة يستقبل نائب قائد العمليات المشتركة الإماراتية    هيئة الصحافيين تعزز الإعلام السياحي بالطائف بورشة متخصصة    ضبط وإتلاف 850 كيلوغرام من الأغذية مجهولة المصدر في محافظة البيضاء بالدمام    نجاح عملية تثبيت كسور العمود الفقري والحوض بتقنية الروبوت    تعليم البكيرية يحتفي بيوم العلم السعودي    16 حاضنة وأكثر من 234 بسطة وعربة طعام متنقلة بتبوك    رابطةُ العالم الإسلامي تُثمِّن لمجلس الوزراء شُكرَهُ لعلماء مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"    السودان.. قائد الجيش يضع شروطاً صارمة للتفاوض    «الداخلية» تزين «طريق مكة» بالجائزة المرموقة    دلالات عظيمة ليوم العلم    سوريا.. توقيف متورطين بانتهاكات "الساحل"    اليمن.. الحوثيون يتوسعون بفرض الإتاوات    أشادتا في بيان مشترك بمتانة الروابط وأهمية تنمية التبادل التجاري.. السعودية وأوكرانيا تستعرضان جهود تحقيق السلام الشامل    نظام الفصول الدراسية الثلاثة.. الإيجابيات والسلبيات على المجتمع والاقتصاد    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. صراع مدريد يتجدد.. وأرسنال في مهمة سهلة    6 إستراتيجيات أمريكية ضد عصابات المخدرات في المكسيك    شارع الأعشى والسير على خطى محفوظ    وكيل محافظة الطائف يشارك أبناء جمعية اليقظة الخيرية الإفطار الرمضاني    إفطار جماعي ومد لجسور التواصل    أبوالغيط يثُمن دور المملكة في استضافة المحادثات الأمريكية الأوكرانية    بناء الجسور بين المذاهب من الحوار إلى التطبيق    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    محرز يسجل ثنائية في فوز الأهلي على الريان    جامعة أم القرى تنظم مأدبة إفطار رمضانية للطلاب الدوليين بالتزامن مع يوم العلم    «كفو».. خارطة طريق لتسويق الأفلام الدرامية    انطلاق المنتدى الثقافي بأدبي حائل    صِدّ عنه وكأنك ماشفته!!    2100 طالب في خدمة المحسن الصغير    الفعاليات الرمضانية تشعل التنافس بين حواري بيش    7 أهداف تدخل العميد دوامة العثرات    النواخذة لقلب الطاولة أمام دهوك    وجبات للإفطار بمسجد القبلتين بإشراف هيئة تطوير    شوارع وميادين مناطق المملكة تتزين بالأعلام احتفاء بيوم العلم    «صم بصحة» واحصل على جودة حياة    قطاع ومستشفى سراة عبيدة يُفعّل حملة "صُم بصحة" وحملة "جود"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاة الجدار
نشر في الجزيرة يوم 28 - 12 - 2020

مع نهاية اليوم، بالكاد وصلت مُنهكاً إلى ذلك الشارع المكتظ بضجيج الناس، قادماً من آخر المدينة، وباحثاً عن مقعد خشبي وفنجان قهوة وبعض الغرباء، لأروي ما بداخلي من مسافات عطش غرستها أيام حُبلى بلحظات مفقودة، ما كانت لتَمُر - لولا لطف من الله - ثم لأنني أحد أولئك الذين عبروا ذات يوم جسراً من «الوَجْد»، وآثروا ألا يعودوا من حيث أتوا، وألا يتنازلوا عن أي «وَلَه» مرَّ بهم، وكانوا «يميلون إلى العزلة، ويتمنون أن يُعثر عليهم»، هكذا أنا دوماً رجل مليء بالتناقضات، ولكنني أعرف إلى أين أنا ذاهب.
جلست في ذلك الركن الهادئ الذي تلفه عتَمَةُ الليل، لاسترق شيئاً من «الحنين» إلى نفسي، فأنا وهي لم نلتق منذ زمن بعيد، كيف لا وأنا من لم يُغْمَضْ له جَفْنٌ، طوال تلك الأيام التي فيها افترقنا، حتى التقينا على سبيل الصدفة، وما أن التقط أنفاسي، وهدأ ما بي من أثر الرحلة، حتى بدأت أتعرف على تفاصيل ذلك المكان المُعتِّم، والغارق برائحة القهوة والسيجار والمطر والخبز، مُنسجم مع حالة التجرد التي أعيشها متى ما سنحت لي الفرصة لإختلي بي، «وقد بلغتُ من شدّة عدم اكتراثي أن تمنيتُ في النهاية أن أقبض على دقيقة واحدة أحسُ فيها أن شيئاً ما يستحقُ الاهتمام» كما يقول صديقي (دُوستُويفَسكِي).
بينما كنت أُحَدِّقُ النظر في بقايا الرصيف الذي يقابلني، لفتت نظري فتاة جميلة، أخذت من الجدار مُتَّكَأً لجسدها الباذخ بكل مفردات جمال البشر، تُمسك بذراع قِيثَارَة، وترتدي قبعة بيضاء تنسدل من تحتها خيوط شعر أشبه بأمواج عبثت برمال ساحل ثم عادت، ما أن شاهدتها حتى أربكت ذلك المُتمرِّد الذي بداخلي، وهو الذي تعاهدت معه أن يبقى مدفوناً لما تبقى من الرحلة، هي الأخرى تُحَدِّقُ بي دون أن ترمش عيناها، وكأنها قررّت أن تستدعيه من جديد، لقد كان الأمر أشبه بأن يُقيّض الله لك أن تلتقي أحدهم في منتصف الرحلة لتستعيد معه شيئاً من بداياتها.
بالرغم أن وجهها الجميل لم يظهر منه سوى ما ينكسر عليه ضوء من فانوس الشارع، إلا أنه كان كفيلاً بأن يبرهن على أنها قطعة من حور الجنة، نصف ابتسامتها طوال الوقت توحي بأنها مسكونة بأجمل مفردات أي أنثى على هذه الأرض، مرّ الوقت، وأخفقت عيناي في الصمود أمام نظراتها، أشحت ببصري عنها إلى جموع الناس التي تراقبنا، وعشت حينها لحظة «تِيْه»، هل أعود لأرَمَّقَها وتبدأ حكاية جديدة من ذلك «الوَلَه»، وأوقظه من سباته، أم أغمض عيناي ولا أعود بالنظر إليها، وأبقى على ما أنا عليه من «وَجْد» توقف به الزمن.
أنا مُتعب للحد الذي لم أشعر به أنني آخر من في المقهى، لقد تأخر الليل، ولم أصل لنتيجة بعد، غادر الجميع، وأُغلقت معظم المتاجر، وبدا الشارع خالياً من الناس، لم يبق سوى أنا وهي والنادل الذي يقف بجانبي وكأنه ينتظر القرار، التفت إليه، وسألته إن كان يعرف تلك الفتاة، وأشرت بيدي إليها، ابتسم وقال لي: «يبدو أنك مُعجب بها»، فقلت له: لا، ليس كذلك، إنه مجرد اهتمام، فقال لي: «نعم أعرفها، هي لوحة فتاة على جدار الحانة المجاورة، رسمها فنان في الخريف الماضي».
يا لهذه النهاية الحزينة، لقد تلاشى سريعاً ما شرعت بكتابته معها، كنت سأقول لها شيئاً من حروف نزار: «الجميلات على كل رصيف، غير أني لا أرى غيرك في هذا الزحام»، أو كما قلت أنا ذات يوم: «لديكِ روح جميلة، كمطعم بيتزا قديم، في شارع مُعتم، في مدينة عتيقة، يوم مطر». لكنها لم تكن لتسمعني، هي لغة صامتة ومجرد ألوان وجدار.
غادرت المكان، ولم أُخبر أحداً بما حدث، سوى أنتم، وذلك المُتمرِّد الذي عاد ليتوارى بداخلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.