وضِعَت في الركن لتُشرف على كامل المكان، مهمتها نقل الصورة التي تلتقطها حية لتبث مباشرة عبر شاشات في غرفة مغلقة، المكان الذي وُضِعت به تلك الكاميرا صغير وضيق، عبارة عن مدخل لمؤسسة أو شركة، ربما مستشفى، لنقل أن المدخل لفندق صغير، هي لا تحيط بما خلفها، ولكن تشاهد البوابة الزجاجية التي تنفتح تلقائياً عند اقتراب أي شخص منها ليدخل أو يخرج، لا تعرف ما يحدث خارج المكان، ولكن ترصد بدقة كل ما هو بالداخل، حتى الآن ما قلته معروف لدى الجميع، فكاميرات المراقبة مهمتها الرصد وحفظ صورة حية لما يحدث في دائرة عدستها. هذه الكاميرا، وفي ذلك المكان الضيق، ترصد بدقة ما يحدث لرجال ونساء يجلسون خلف «كاونتر» يستقبلون الزائرين أو المراجعين لذلك المكان، هي تلتقط الصورة فقط بدون صوت، تُقدّم أفلاماً صامتة، ربما من يطّلع على ما رصدته وفكر أن يحتفظ به أو يعرضه لاحقاً فحتماً يحتاج إلى تعليق منه أو الاستعانة بموسيقى، كل كاميرا مراقبة تقدم صورة حية لأناس يمشون، يقفون، يركبون السيارات، يغادرون منازلهم، يتحركون، يتحادثون، حتى هذه الكاميرا الصغيرة التي كان قدرها أن تكون في ذلك المكان الضيق والمحدود تبث لقطات لأولئك العاملين خلف ذلك المكتب العريض الذي يطلق عليه «كاونتر» لا أدري ما هو الاسم المناسب باللغة العربية، هل نطلق عليه منضدة بيع أو منضدة استقبال، في انتظار ما يقرره مجمع اللغة العربية، عموماً تلك الكاميرا جماد ومن المستحيل أن تبوح بما رأته، بل تعرض ما تلتقطه، على مدار اليوم، أربع وعشرون ساعة تعمل باليوم لا تتعب، ربما تتعطل، ولكن هي ترصد، ومن يرغب أن يرى ما تراه الكاميرا يتجه للشاشة ويستمتع بالفرجة التي غالباً تكون مملة، لأن اللقطة واحدة تقريباً، ربما دقيقة من ملايين الدقائق التي ترصدها الكاميرا قد تكون مهمة، مثل حادثة انفجار مرفأ بيروت، كانت الكاميرا حاضرة، وسرقة السيارات، والاعتداء على بعض الأشخاص، وسرقة بعض المحلات، هنالك لقطات فعلاً مهمة، ولكن محدودة جداً، لذا فليس هنالك حكاية حقيقية خلف كاميرا المراقبة، لا بأس، اتفقنا أن ذلك المدخل لفندق صغير، والمنضدة « الكاونتر» للاستقبال، والكاميرا تقبع في الركن، تلتقط بوضوح صور من يدخل ويتجه للاستقبال، بعضهم يأتي من الخارج، وآخرون يأتون من الداخل، بالطبع خارج الحيز المتاح لالتقاط تلك الكاميرا، حتماً يوجد أكثر من واحدة لتغطية الداخل، ولاسيما أن هنالك بهواً كبيراً نسبياً مقارنة بالمدخل، لكن ها هي تتابع عبر عدستها رجلاً وامرأة بملابس رسمية يتحركان خلف «الكاونتر»، يمارسان عملهما في استقبال نزلاء الفندق والرد على استفساراتهم، وتعبئة بياناتهم باستخدام حاسب آلي، وتسليمهم مفاتيح الغرف، أو تسلم البطاقات الائتمانية لتسديد المصروفات، ابتسامة ثابتة من الاثنين للجميع، وترحيب، يتضح بحركة الشفتين، الكاميرا تلتقط صور النزلاء من الخلف وهم يقفون أمامهما، أغلبهم يلبس ملابس رسمية، بعض العاملين بالفندق يأتون ليحملوا حقائب النزلاء، متجهين إلى غرفهم، أو إلى الخارج عندماغادرون، ثمة معلومة، وهي أن الفندق يطل على الشارع مباشرة ليس له مدخل خاص، هنالك مواقف لنزلاء الفندق في خلف المبنى، بكل تأكيد هنالك أكثر من كاميرا مراقبة في مدخل المبنى في الخارج، وأيضاً في المواقف، هنالك فرق بين الداخل والخارج، فمَن في الخارج عليه أن يتحمل الشمس والمطر والرياح، والغبار، وجميع العوامل الجوية، أما بالداخل فغالباً الوضع ثابت، طيلة العام، ماذا نضيف بعد ذلك، حتماً لا جديد، ولكن هل تعرفون أن نهاية تلك الكاميرا كانت مأساوية، قد يقول البعض إن إدارة الفندق قررت استبدالها بأخرى، ربما لها مميزات أفضل، لا لم يحدث ذلك ولكن، الذي رصدته تلك الكاميرا في آخر ثواني بثها، هو زجاج متناثر وغبار، ثم انقطع البث، الأمر أكثر بشاعة من حكاية كاميرا مراقبة، سيارة مسرعة فقد سائقها قدرته على التحكم بها، اقتحمت تلك البوابة الزجاجية، دخلت مقدمتها، وحطمت كل ما هو أمامها، المدخل صغير، لكن ليس بذلك الصغر الذي يمنع دخول سيارة نقل صغيرة، تحطم كل شيء، لا يعرف مصير الكاونتر والأهم مصير الموظفين الرجل والمرأة، ومن كان بالمصادفة يقف مقابلهما من نزلاء الفندق، وكذلك مصير السائق، لا نعرف ذلك لأن تلك الكاميرا كانت من ضحايا الاقتحام، ولأن بقية كاميرات المراقبة لا تتجاوز حدود تغطيتها المساحة المخصصة لها، وهي بعيدة بكل تأكيد عن نطاق ذلك المدخل الصغير.