وطن لدينا – في صبانا - نتاج مطالعاتنا لأدبيات تراثنا الثقافي العربي؛ بأن الأدب هو تلك السلطة الناعمة التي تستطيع تغيير كثير من قواعد اللعبة الاجتماعية. وليس الأمر حكرًا على واحد من تلك الأنواع الاجناسية للأدب، فلكل نوع أدبي حضوره الفاعل الذي ربما قد يختلف أو فلنقل يتغير معامل تأثيره وفقًا لتغير ذائقة المكون البنيوي للمجتمع، كما هو حاصل الآن في مجتمعاتنا الحضارية العربية التي غدت تحبذ الرواية وتنفعل بها وتتفاعل معها، أكثر من الشعر ذاته. قرأنا بأن الشعر العربي قد زوج العوانس كما جرى في قصة الشاعر الجاهلي أوس بن حجر مع بنات فضالة بن كلدة، بعد أن كسرت فخذه، فأسهمن مع أبيهن في تطبيبه حتى تعافى، وكانت أصغرهن حليمة توليه جل رعايتها، فكان هو القائل: وأفْهِمْنا بأن الشعر قد غير أطراف المعادلة الاجتماعية في زمنية جاهلية بعينها، فأعلى من شأن قبيلة وعزز من القيمة الاجتماعية لها وجعل من اسمها الذي كان يعد رمزية للدونية والانتقاص، ليكون تعبيراً عن القيمة والوجود الاجتماعي البارز، كما جرى في قصة بنو حنظلة بن قريع بن عوف بن كعب، الذين كانوا يلقبون ببني أنف الناقة ويسبون بذلك اللقب. وذلك في قول الشاعر الحطيئة فيهم: هذا الدور الاجتماعي المتزايد لأثر الأدب في تاريخ الشعوب العربية، قد تناقص تدريجياً حتى كاد أن يُمّحَى، وصاحبة نكوص لأثر الشعر وقدرته على التأثير والتغيير على كافة المستويات وخاصة منها السياسي، ولهذا نجد في الفترة المتأخرة أو كما يسميها المؤرخون في الفترة الثانية من العصر العباسي، إن الفيلسوف والمتصوف أبوحيان التوحيدي يعمد لحرق كتبه بعد أن تجاوز ال90 من عمره. ونجد الثائر اليمني في خمسينيات القرن الميلادي المنصرم الشاعر محمد محمود الزبيري الملقب بأبي الأحرار يصيح في إحدى قصائده بأعلى صوته قائلاً: لاحقاً، مع التتالي الحضاري العالمي، فقد ورث فن المقالة، تلك القيمة التأثيرية للأجناس الأدبية الأخرى، وتحديداً منها فنّا الشعر والخطابة. فأصبح للمقال الصحفي أو فلنقل للصحافة الورقية على عمومها تلك السلطة التي وصفت لغوياً؛ بالسلطة الرابعة، إلى جانب الأنواع الأخرى للإعلام من مرئي ومسموع. والآن ومع قدوم الألفية الثالثة وذلك الحضور الطاغي للمنجز التكنولوجي في مجال الاتصال وتقنية المعلومات؛ فقد شهد عالمنا العربي تغييراً ملحوظاً في نوع وشكل أدوات النقد والتعبير ومن ثم التغيير المجتمعي، فنكصت سلطة الإعلام الورقي وغيره من الأنواع التقليدية لتحل سلطة مواقع التواصل الاجتماعي، فانتقلت أجناس أدبية بعينها من شعر وقصة ورواية ومقال لتأخذ مكانها في أيقونات التعبير الرقمية، فاستعادت بعض الزخم وتصاعد كذلك معاملها للتأثير مجدداً، إلا أن جنساً تعبيرياً جديداً قد تولد عنها، يندرج في مربع السرد ويدعوه البعض بالتغريدة، قد أضحى هو سيد المشهد التعبيري وخطف سلطة الأثر والتغيير من الشعر وأجناس التعبير الأدبية الأخرى، إلا إذا عددنا التغريدة هي نوع أدبي جديد ورضينا بهكذا اعتقاد. ** **