صور بر الوالدين تختلف بيننا، ولكن البعض يُعطينا دروسًا ويُلهمنا من خلال ما يقوم به من أعمال فاضلة، وعلى سبيل المثال ما يقوم به د. إبراهيم التركي مؤلف «الألفيَّة لا الأبجديَّة» لا ينام ليلته إلا وكتابه عن والده - رحمه الله وغفر له - بجانبه، حتى يدعو له في كل ليلة وكل نهار وكل صلاة. وفي رأيي أن هذا من أعظم صور الإحسان والبر. عند معرفتي بصدور الكتاب، لم أتردد ولو لبرهة لاقتنائه، خشية من نفاده، لأن مؤلفه غني عن التعريف، وأحبابه وقراؤه في كل حدب وصوب. عند وصولي إلى المكتبة، اطلعت على الكتاب، ووجدته ذا طبعة جميلة، على الرغم من أن تكلفته لا تستحق المبلغ المرصود، بل أكبر، ولكن هذا إن دل إنما يدل على كرم من المؤلف، وهو من طبعه على نفقته الخاصة، وسعيه من هذا لتوثيق سيرة عطرة ومسيرة حافلة، لرجل بدأ من الصفر فعلاً وبنى نفسه بنفسه، حتى خلّد اسمه في التاريخ ومواقفه في الذاكرة وصورته في الأذهان. كان المعلم الفاضل - رحمه الله - لا يتحدث عن نفسه كثيراً، متواضعًا إلى أبعد حد، واصلاً للإنسان ورحيمًا بالحيوان ووفيًا للجماد! سيبقى علامة ستظل إلى الأبد في الأدب خُلقًا وقَلمًا، وسيظل رمزًا في الجد والاجتهاد، وهو الذي عمل سائقًا ثم بعد طريق طويل من التضحيات أصبح أستاذًا في النحو والبلاغة، له منا الدعاء والثناء. التحق بالتعليم النظامي بعد عقده الثاني، ولم يكن قارئًا ورقيّاً فحسب بل إلكترونيًا أيضًا، وهذه قلّ ما تجدها في وقتنا هذا، شغوفًا بالقراءة. وذُكر في الكتاب في صفحة 49 «الكتاب لا يُفارق عينيه، يتفقد مكتبته، ويُقلقه ألا يجد كتابًا في موقعه». كان يختم القرآن مرات عدة في الشهر، وفي نظري أن الحُرمان أن تقرأ كل شيء إلا القرآن. الكتاب يحتوي على صور متنوعة، وإذا تصفّحته كأنك تتجول في معرض تجد فيه صورًا قديمة حاضرة بكل عفويتها وتألقيتها وأخرى من أجل توثيقها. كَتب في الكتب أسماء عدة من بينهم ابنته ريم، عن والدها الأب والصديق والمعلم والمربي. كتب القدير حمد القاضي عنه، تحت عنوان «رحيل النبلاء». كتبت الأستاذة شادن عبدالرحمن الشبيلي، ونصها حمل عنوان «رجل يذكرني بوالدي» -رحمهم الله رحمة واسعة. كتب الأستاذ عبدالرحمن بن صالح المذن «نص بليغ وبديع». وصفه الأستاذ إبراهيم الماجد في كتابته عنه، بأنه (رمز ثقافي). الحقيقة جمع كبير كتبوا عنه في الكتاب بكل صدق وحب ووفاء ونقاء، ولكن الذي يخفف ألم رحيله، وجود أبنائه وبناته البررة، لهم الشكر والتقدير على إحياء روحه وبقاء ذكره من خلال كتاب «الألفيَّة لا الأبجديَّة» وعلى رأسهم د. إبراهيم التركي. ** **