لم أصدق أذني وأنا أتلقى خبر وفاة «عميد المسرح السعودي» والممثل التلفزيوني المعروف الفنان محمد العلي.. لقد كانت مخابرة هاتفية قام بها احدالاصدقاء والزملاء من التلفزيون السعودي والذي فاجأني بهذا الخبر الصعب، ولكن إرادة الله فوق كل شيء.. ولا نستطيع إلا ان نقول «إنا لله وإنا إليه راجعون» تغمد الراحل برحمته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. لقد تعرفت على الفقيد شخصياً قبل ستة عشر عاما، وكنت قبل ذلك اشاهد الكثير من اعماله التلفزيونية والمسرحية وأقرأ قفشاته الصحفية في مجلة اليمامة.. حيث التقيته في مبنى التلفزيون السعودي عام 1986م، والذي اتخذه الفقيد مقراً لخدمة الفن والفنانين السعوديين بعد عودتي مباشرة من الولاياتالمتحدة.. وقد كان لي عظيم الشرف بهذا اللقاء الكبير الذي تم خلاله مناقشة بعض الافكار والاعمال التلفزيونية التي ينوي الفقيد تنفيذها لصالح التلفزيون السعودي الذي يعتبر عشقه الأول. وتكررت لقاءاتي بالفنان الراحل حيث كنا نقضي ساعات طويلة نتحدث عن المسرح السعودي والتلفزيون والإعلام بصورة عامة.. ثم جاءني يوما وقال: ما رأيك يا أبا مازن في عمل تلفزيوني اجتماعي كوميدي أنوي تقديمه في شهر رمضان المبارك؟ قلت له: فكرة ممتازة.. سر.. ونحن من ورائك سائرون.. ولكن قل لي: ما هي هذه الفكرة؟ فاعتدل في جلسته وقال: خليك معي قلت له: وأنا معك على طول يا أبا عبدالإله.. ولكن ما هي الفكرة؟ قال: خليك معي. قلت: كما قلت أنا معك. قال: الفكرة يا حبيبي هي «خليك معي» قلت له: وماذا ستطرح خلال «خليك معي»؟ قال: سأصب جميع خبراتي العملية وتجاربي الحياتية.. وسأناقش وأنتقد.. وأكشف جميع القضايا الاجتماعية بأسلوب كوميدي جديد. قل: أنت قدّها وقدودها يا أبا عبدالإله. قال: ولكني في حاجة الى دعمكم يا اصحاب الرأي والمشورة.. والارتباط.. قلت: فهمنا الرأي والمشورة.. وماذا عن الارتباط؟ قال: وهو يضحك ضحكته المميزة: ألا تعرف يا دكتور.. الارتباط؟ قلت: أعرف معنى كلمة الارتباط.. ولكن ماذا تقصد بها هنا؟ قال: أقصد إذا قدمت نصوصي كاملة وعرضتها على ادارة الرقابة ولجنة التقييم وحازت على تقييم جيد جدا.. ارجو ألا تحفظ في المكاتب بل ترفع لمعالي الوزير حفظه الله للموافقة ومن ثم ترسل للارتباط.. هل فهمت الآن ما اقصد بالارتباط؟ قلت: فهمت يا أبا عبدالإله. وقد أولى وزير الاعلام معالي الدكتور فؤاد عبدالسلام الفارسي اهتماما كبيرا بمسلسل «خليك معي» والذي استمر عرضه على شاشة القناة الاولى خلال شهر رمضان الكريم في كل عام حتى ان المسلسل المذكور كان يحرص معاليه على ادخال حلقاته الى المكتبة قبل حلول الشهر الفضيل حرصا على عرضه في غرة الشهر المبارك. ومسلسل «خليك معي» هو احد الاعمال التي قدمها الراحل من مسرحيات واعمال تلفزيونية متعددة نال معظمها الاعجاب والتقدير لتناولها ظواهر ومشكلات اجتماعية سعودية قدمها بأسلوبه الساخر الهادف المميز وعمل على طرح الحلول لها. وقد ابتدأ الفنان الراحل علاقته بالعمل المسرحي في منتصف السبعينات حيث قدم مسرحية «طبيب بالمشعاب» على مسرح قاعة المحاضرات الكبرى التابعة لوزارة المعارف في الرياض ومن ثم تبعتها أعمال مسرحية وتلفزيونية متعددة من ضمنها مسرحية «تحت الكراسي». ويعتبر الفنان الراحل من أوائل الفنانشين السعوديين الذين شاركوا في مسلسلات بدوية على مستوى الوطن العربي وقد أثبت مقدرته الفنية التي اعترف بها جميع رواد المسرح والتلفزيون في جميع الاقطار العربية.. وقد حصل على العديد من الدروع والجوائز والشهادات المسرحية والتلفزيونية من المهرجانات الخليجية والعربية والدولية. وبوفاة الفنان.. الأخ.. الصديق.. الحبيب محمد العلي.. تفقد الساحة الفنية في المملكة والخليج أحد أعمدتها وعمالقتها في مجال التمثيل المسرحي والتلفزيوني.. رحم الله أبا عبدالإله.. وأسكنه فسيح جناته.. و«إنا لله وإنا إليه راجعون».