إلى المنادين بالحرية الإنسانية، والمتشدقين بها، وإلى الداعين إلى ثقافة الأديان واحترامها والساعين لها، إلى الفرنسيين عموما، ونظامهم خاصة. كل حرف هنا هو رسالة أعنيها، وحقيقة أرويها من أرض مولد سيد البشرية، وهادي الإنسانية، من مكة موطن محمد بن عبدالله الذي به ختمت الرسالات، ومعه تحققت أعظم المعجزات، أسير في شعاب مكة القديمة، وطرقها المطورة الحديثة، وأرى جبل النور يحتضن مهبط الوحي، وموضع نزول القرآن فأتذكر قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4)، شهادة سماوية بأخلاق ربانية رُبِّي عليها محمد صلى الله عليه وسلم وكان بصفاته هو الأشمل، والأمجد بكل تعاملاته الأخلاقية، فكان لنا قدوة في علاقاتنا الأخوية، والزوجية، والعائلية والوطنية، والدولية، وغيرها من العلاقات الإسلامية مع الأصدقاء، أو الأعداء في العلن، أو الخفاء، أرى جبل ثور وأستشعر حقيقة قوله تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 40). إنه محمد الذي نصره الله بجنود غير مرئية، وأيده بملائكة مخفية، في حياته وبداياته فكيف لا ينصره بعد إكمال بلاغه وبعد مماته؟! إنه الإسلام الذي به كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى فكيف لرئيس فرنسا وغيره أن يعلو أو بتجاوزه يسمو؟! أعبرُ بطن عرفة وكأني أسمع الآية التي نزلت هنا وقرأها سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم على المسلمين قائلاً: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3)، فأبكي ألماً على من تمادى على ديننا، ونبينا، وأحمد الله على نعمة الإسلام التي جعلها منهجنا وعقيدتنا. من بعض الأماكن التي كان محمدا بها يوما، وما زال في قلوبنا وبيننا دوما، أقول للمتطاولين: خسئتم، وما فزتم، وعقوبة الله ستنالكم شئتم أم أبيتم. ديننا الإسلامي دين الحرية، والحضارة، دين الحوار والثقافة، دين الاحترام لكل دين وعبادة؛ ولكننا لن ولا نرضى بالتجاوز على الإسلام، ولا التعرض لسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.