«انعقد السحاب وتكاثف كليل هابط ثم تساقط الرذاذ، اجتاح الطريق هواء بارد مفعما بشذا الرطوبة، حث المارة خطاهم غير نفر تجمعوا تحت مظلة المحطة، وأوشكت الرتابة أن تجمد المنظر لولا أن اندفع رجل، راكظا كالمجنون من شارع جانبي، واختفى في شارع آخر على الجانب الآخر. تبعه على الأثر جماعة من الرجال والغلمان، وهم يتصايحون لص... أمسكوا اللص............... فأمسكوا به وانهالوا عليه صفعا ولكما فمن شدة الضرب قاوم وضرب كيفما اتفق، وشدت أعين الواقفين تحت المظلة إلى المعركة. يا لها من ضربات قاسية عنيفة - ستقع جريمة أشد من السرقة! - - انظروا .. الشرطي واقف في مدخل عمارة يتفرج - بل أدار وجهه إلى الناحية الأخرى ..( ص 8 ) (10) تتطور أحداث القصة العبثية، تبرز أحداث فوضوية نجد اللص يخطب في الناس، ويحصل حادث بين سيارتين في الشارع، تبرز جثث، يخلع اللص ملابسه، ويمارس الرقص في الشارع يتساءل الكاتب «إن لم يكن منظرا تصويريا، فهو الجنون ..... إن لم يكن تصويرا فهو فضيحة، أن حقيقة فهو جنون» «ولمح الواقفون تحت المظلة آدميا من ضحايا الحادث يزحف ببطء شديد تحت سيارة ملطخا بالدم، حاول النهوض على أربع لكنه سقط على وجهه سقطة نهائية - كارثة حقيقية بلا أدنى شك - الشرطي لا يريد أن يتحرك ! ولكن أحدهم لم يبرح مكانه خشية المطر، وقد انهل انهلالا مخيفا وقعقع الرعد، وانتهى اللص من خطابه فوقف ينظر إلى مستمعيه بثقة واطمئنان، وفجأة راح يخلع ملابسه حتى تجرد عاريا، رمى بملابسه فوق حطام السيارتين اللتين أطفأ نيرانهما المطر» ( ص 9 ). (11) والقصة تعتبر «تصوير واقع ومعبر لحالة الاطمئنان التي كانت تعيشها الأمة، والثقة التي كانت تضعها في أولي الأمر حتى انفجرت الأحداث» ( 12) المرحلة الشاعرية والأحلام تحول نجيب محفوظ في أعماله القصصية الأخيرة مثل (أصداء السيرة) و(أحلام فترة النقاهة) إلى شاعر وحالم وحكيم، نختار بعض قصصه أو أحلامه وحكمه: حلم 192 «هذه حديقة الحرية التي تروي أزهارها بدموع العاشقين، وأنا أتجول في جنباتها بين آهات الحب وهتاف المناضلين، وقد عاهدت نفسي على أن أزود النسيان عن الحب والنضال». (13) حلم 201 «يا له من بهو عظيم، يتلألأ نورا ويتألق زخارفًا وألوانًا.. وجدتني فيه مع إخوتي وأخواتي وأعمامي وأخوالي وأبنائهم وبناتهم، ثم جاء أصدقاء الجمالية وأصدقاء العباسية والحرافيش وراحوا يغنون ويضحكون حتى بحت حناجرهم، ويرقصون حتى كلت أقدامهم، ويتحابون حتى ذابت قلوبهم، والآن جميعهم يرقدون في مقابرهم مخلفين وراءهم صمتا ونذيرا بالنسيان، وسبحان من له الدوام». (14) ... ... ... المراجع: 1 - نجيب محفوظ، زقاق المدق، دار القلم، 1972 2 - نجيب محفوظ، بين القصرين، مكتبة مصر، ب.ت. 3 - نجيب محفوظ، أولاد حارتنا، دار الآداب، 1986 4 - نجيب محفوظ، ثرثرة فوق النيل، دار الشروق 1966، رابط نت 5 - نجيب محفوظ، تحت المظلة، مجموعة قصصية، دار الشروق، 1967 6 - نجيب محفوظ، أحلام فترة النقاهة، دار الشروق، رابط نت 7 - جمال الغيطاني، المجالس المحفوظية، دار الشروق، 2007 8 - كمال النجمي، نجيب محفوظ، كتاب الهلال. ** **