قراءة العروض المسرحية وفق منهجيات النقد الحديث ما زالت تتصدر قائمة الهموم المسرحية العربية، وتبدو هاجسا للكثير من الاكاديميين الذين يواجهون النقد بوصفة سؤالا جوهريا عن امكانية اختبار التجربة المسرحية وتحليلها دون الوقوع في الفهم الملتبس لهذه المناهج المستوردة، او التورط بانماط الكتابات الصحفية التي تجعل من النقد المسرحي عنوانا لها. هنا مراجعة سريعة في أوراق هذه القضية مع د. وطفاء حمادي استاذ النقد المسرحي في الجامعة اليسوعية في بيروت. * يبدو د. عبدالرحمن بن زيدان متفائلا تجاه العروض المسرحية العربية لكنه الى جانب ذلك يبقى متشائماً فيما يخص النقد المسرحي.. برأيك كيف يمكن أن نقيم حال النقد المسرحي عربياً؟ انا اتفق مع الدكتور عبدالرحمن بدون تردد وبدون تحفظ، فانا ايضا اشتغل على النقد المسرحي صحافيا، انا من الذين يبحثون ليس عن الاكاديمية لكن عن الموضوعية، احيانا وانا اكتب المس في شعوري شيئا من الجدل.. اجد باني ملت بأحاسيسي الى جانب ما، فاحاول ان ألجم انفعالي وارجع الى موضوعيتي.. فعلا النقد به مشكلة ولن أقول اشكالية. وبالنسبة للعروض والحركة ولكوني متابعة للعمل المسرحي الجامعي، والشبابي يمكنني القول بان هناك رؤى مهمة عند الشباب المسرحي، ليس في اقلها انهم يعبرون عن حالهم، وما يعيشونه من هموم على كل المستويات. للأسف المسرح بدأ ينتقل لمرحلة ثانية من الجيل الثاني، والنقد لم يبرح مكانه وهذه ماساة. والمشكلة ان اغلب النقاد لا يتابعون الشباب الاكاديمي، وبرأيي ستظل هناك مشكلة بين النقد الصحفي والنقد الاكاديمي.. هناك نقد اكاديمي لكن يظل في اطار الابحاث والدراسات. *ترى هل المشكلة في المناهج النقدية؟ هل هناك صعوبة في تطبيقها، بحيث يمكن القول بوجود مشكلة في التعامل مع الادوات النقدية؟ اذا اتفقت معك على تسمية مناهج نقدية، فسنجد ان المنهج في واد والنقد الموجود في واد اخر.. كيف لك ان تفرض منهجا نقديا على الصحافة؟ .. نحن امام خيارين: الاسلوب الاكاديمي، والاسلوب الصحافي.. كلمة منهج هنا انا لا اوافق عليها.. فالمنهج له معايير ومقاييس واصول يتم تطبيقها على العروض. فلنتحدث عن السيميائية كمثال. السيميائية نادرا ما تعالج عرضا، هي تعالج ظاهرة كأن تتناول الحكواتي او التراث ونبدأ الاشتغال سيميائيا على السرد والحكاية، اما نقد العروض فذلك نادر ويكون متخصصا جدا ولن يكون مكانه الصحافة ولنسميه نخبويا اذا اردت. *هل هذا يعني اننا لا ننتظر نقدا من أي نوع من الصحافة؟ لا طبعا.. النقد المتخصص موجود ضمن اطار ضيق في بعض المجلات كمجلة الحياة المسرحية في سوريا، ويمكن ان يتراكم.. الان في الجامعة الى جانب المنضمين الى التمثيل والاخراج والتأليف هناك قسم من الطلاب يذهب إلى النقد وقد تنبني عند الواحد منهم ملكة التعامل مع المناهج النقدية. *الى أي قدر يمكن أن تساهم الاكاديميات في تحقيق حالة نقدية مسرحية؟ ليس هناك خيار غير هذا.. انها الخيار الوحيد. *وهل قدمت شيئا حتى الآن؟ انها تراكض ، فمازلنا حتى اليوم نتساءل عما اذا كان هناك مسرح ام لا، وهل نملك مسرحا عربيا ام لا؟ نحن نبحث عن هوية المسرح في كل ندواتنا ومؤتمراتنا.. انا اعتقد انه طالما هناك معاهد فنون في العالم العربي فسيكون امر التراكم ممكنا.. فليخرج من كل كلية ناقد او ثلاثة، تجربتهم حتما ستأخذ بالتراكم مع تراكم التجربة المسرحية العربية.. وبالمناسبة هذا الامر لا يتعلق بالعالم العربي، حتى في الغرب، لو قرأت مشاكلهم وابحاثهم ستلاقي أن هناك الكثير من الامور المشتركة، كالمسرح التجاري، الممثل الاكاديمي وعلاقته بسوق العمل، وعلى مستوى النقد ايضا.. الكثير منهم يشتكي من النقد الانطباعي واللاموضوعي و..الخ. المشكلة قائمة وبنسب متفاوته.. فهم قد قطعوا شوطا في المسرح، وعندهم جمهور له خياراته، وهنالك جمهور نخبوي ونقد نخبوي متخصص ايضا. *هل يملك المخرج، المؤلف أو حتى الممثل أن يكون ناقدا امينا لذاته ولتجربته؟ بمعنى أن ينقلب إلى ناقد مسرحي لها؟ كانت هناك محاولات، لكن السؤال هو هل يستطيع أن يكون على مسافة من عمله ليرى عمله بوضوح وتجرد.. يتهيأ لي أن هذه مسألة صعبة جدا.. لا يمتلكها الا من لديه حساسية عالية وقاسٍ على نفسه ليقدر على امتلاكها. ولربما تساءلنا قبل ذلك إلى أي مدى يبدو الجيل الشاب الحالي قادرا على أن يكون موضوعيا ويقبل النقد قبل السؤال عن امكانية ممارسته النقد مع نفسه.