على مقاعد الدراسة الأكاديمية قبل ثلاثين عاما، وفي حضرة ذلك الجدل الواسع بين ما هو معاصر وما هو أصيل يحلّق على مرآنا ومسمعنا -وبعيدا عن الضجيج- نتاج الأستاذ الدكتور محمد صالح الشنطي باحثا ودارسا ومتأملا موضوعيا في نتاج الأدب السعودي؛ شعرا وقصة، قضايا وإشكالات، منهجيات وأطروحات، حتى أصبح هذا الاسم العلم مقترنا بل وملازما مهما لكل منجز إبداعي، أو فعل أدبي في المملكة العربية السعودية. لقد كان ولا يزال من الأقلام النقدية المتمرسة التي لم تفتأ تلاحق بالاهتمام والدرس (طبوغرافية) الحراك الأدبي في السعودية وفي الوطن العربي؛ ولهذا فإنك لا تكاد -وهي صورة ذهنية راسخة- تذكر النقد الأدبي الحديث إلا ويحضر شامخا ومتجذرا اسم الدكتور الشنطي بوصفه أبرز من رافق سيرورة الأدب في وطننا بإخلاص يشهد بذلك مصفوفة ممتدة من الكتب والمجلدات في شتى جوانب التناولات النقدية منذ أن أطلت ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم عبر كتابه الموسوم ب(متابعات نقدية) 1981م كما تسرد ذلك سيرته العلمية الحافلة، ليبدأ عقد من الدراسات الجادة والمعمّقة والمقالات الصحفية التي أضاءت الملحقات الأدبية ذات الانتشار والتأثير الواسعين آنذاك، ثم في الملتقيات والمؤتمرات الأدبية والنقدية والجلسات الحوارية والعلمية المتخصصة. ولعل المتأمل في نتاج أستاذنا الشنطيّ تلفتُه عنايتُه الجلية بالمنهجية والموضوعية حين يتناول قضية ما أو فعلا إبداعيا معينا، آخذا في الاعتبار أن تكون الدراسة ذات قيمة علمية نوعية، وإحاطة وشمولية، ناهيك عن ترفّعه عما يتماسّ مع الأشخاص سواء على صعيد القراءات النقدية أو الحوارات، إذ هو أحد المكرسين في محاضراته ومع طلابه ومناقشيه لمنهج الحوار والاختلاف من أجل الفهم لا من أجل الخلاف فحسب، معترفا أنّ على المتلقي أيا كانت صفته ألا يسلّم لكل رأي، وأن يعمد إلى رؤية الأمور من زواياها المختلفة بغية أن يكون نقاشه أو اعتراضه علميا صرفا وخاليا من الذاتية التي لا تقدّم شيئا في مضمار العلم. وأنا هنا حين أدوّن هذه الشهادة لمبادرة (في ضيافة الأدب العربي الحديث والمعاصر) فإنما أسطّرها في ظلّ قراءة مثمرة لكثير من نتاج ناقدنا الرائد -أطال الله في عمره- سواء حين كنّا طلابا في قسم اللغة العربية وآدابها، أم في بلاط الصحافة ممارسين وقراء كذلك، والرجل للحق حظي بتقدير المشهد الثقافي بعامة، وهو جدير، لقاء ما قدمه منذ أن وطئت قدمه تراب وطننا معلما ثم أستاذا أكاديميا، بله ما رفد به المكتبة النقدية من كتب ومصنفات لا غنى للباحثين عنها، وعلى كلّ فليست هذه الكليمات -مهما حاولتْ- قادرةً على اللحاق بسموّ ذلكم النجّم الساطع اسما وأثرا، وإني لأرجو الله أن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يثيبه الخير كلّه، وأن يبارك في علمه وعمله. ** **