الناقد محمد صالح الشنطي يغادر المملكة للتدريس في الأردن، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الجهد النقدي الخلاق... ماذا يعني هذا؟. لم يكن الشنطي في يومٍ ما ناقداً فقط، أو أستاذ أكاديمي مهمته إلقاء المحاضرات على مئات الطلاب، ولا عربياً وافداً يطلب الرزق في هذا البلد، كان أكثر من كل ذلك. لعله الكاتب الوحيد الذي يمكن أن تجد في كتبه كل ما يجعلك قريباً جداً من الأدب السعودي، قصةً وشعراً وروايةً. يمثل حالاً فريدة في هذا الشأن، يصعب أن تتكرر، لا على مستوى النقاد السعوديين ولا العرب الذين يقيمون في المملكة لسبب أو لآخر. حالاً فريدة ليس فقط في دأبه على ملاحقة المشروع الأدبي السعودي وتجلياته، عبر دراسات جادة وجديدة في آن، تغطي عشرات الكُتاب من القاصين والشعراء والروائيين والنقاد، بل لأنه لم يسعَ أبداً إلى التكسب من وراء مجهوده، لا عبر الكتابة في الصحف بمردود مادي، مثل ما يسعى الكثير من السعوديين والمثقفين الوافدين، ولا من خلال البحث عن أسماء بعينها لما لها من نفوذ مادي أو معنوي. ولكن، هل ضاقت الجامعات السعودية، والكليات المنتشرة في المملكة بهذا الرجل؟ أليس جديراً ولو باستثناء صغير تقترفه هذه الجامعة أو تلك الكلية، من أجل أن يبقى هو الذي قدم جهوداً غير مسبوقة؟ سيظل ينهل منها الباحث والناقد والمثقف إلى زمن غير معلوم. هنا شهادات من عدد الأدباء من الأدباء السعوديين، حول ما قدمه الشنطي من جهد نقدي كبير. محمد الشدي: نافذة على إبداعنا عرفت الدكتور محمد الشنطي منذ فترة طويلة، ممتدة على طول اشتغالنا بهموم الثقافة والكتابة، وقد قضى بيننا أجمل الأيام بالنسبة إلينا كإخوان في هذا البلد العربي الذي يعتز به... وكان محل حفاوة وتقدير لكل من عاصروه من الكتاب والأدباء والمثقفين باعتباره واحداً من النقاد العرب، الذين أثروا ساحتنا الثقافية والفكرية والأدبية بالكثير من الآراء النقدية، التي كانت بمثابة النافذة التي يطل من خلالها على إبداعات كتابنا، بخاصة جيل الشباب الذين استفادوا من تجربته النقدية، وجرأته في طرح آرائه الصائبة في كثير من الأحيان. لقد فاجأ الجميع بهذا القرار الوداعي، وكان آخر مرة اجتمعت به في حائل عند زيارة وزير الثقافة والإعلام للمنطقة الذي اهتم بالأخ الشنطي الذي يعرفه جيداً. حسين الهويمل: سِجِلٌّ حافل بالحقائق الأدبية يعد الناقد الأكاديمي محمد بن صالح الشنطي من النقاد الموضوعيين المنهجيين، الذين رصدوا الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية على مدى ربع قرن، وجاءت دراساته النقدية متوازنة بعيداً من الشطط والإقصاء والفئوية، لهذا فهو الراصد الأمين والمؤرخ الدقيق، تقصّى أقصى خصائص الأدب العربي في المملكة مسجلة بقلم المؤرخ وعين الناقد ودقة المنهجي، فكان كالكتب سجلاً حافلاً بالحقائق التاريخية والأدبية. وهو في منهجيته ووسطيته أشبه بالدكتور شوقي طيف رحمه الله في تأريخه للأدب العربي. والشنطي الذي كان يجب أن يُكَرّم من الأدباء في المملكة غادر البلاد بهدوء، تاركاً من الأعمال ما يخلد ذكره في السجل الأدبي. ولقد عرفت الشنطي عن قرب وخَبَرْتُه بالمعاشرة والاشتراك في المؤتمرات، فوجدت فيه الصدق والمعرفة وبعد النظر وسلامة القصد، والحرص على استكمال العمل، والبعد من المجاملة. وستكون لي دراسة عن جهوده النقدية أرجو أن تكون في سياق تكريمه من المؤسسات الثقافية والأدبية. يوسف المحيميد: مَرْجَع مهمٌ للأدب السعودي كنت في البدايات عام 1989 بعد صدور مجموعتي القصصية الأولى"ظهيرة لا مشاة لها"، عندما كتب الأستاذ محمد صالح الشنطي دراسة نقدية عنها، ضمَّنها أحد كتبه النقدية فيما بعد. لكنني عرفته قبل ذلك من خلال ما كتبه عن المجموعات القصصية لقصاصي الثمانينات، ثم اشتغاله على الشعر، وكذلك الرواية، حتى أصبح يحق القول لنا أن الشنطي يعتبر مرجعاً مهماً للأدب السعودي، لا يقوم بدراسات انتقائية، بل بدراسة شاملة لكل ما صدر من أعمال خلال فترة زمنية معينة. أعتقد أن الشنطي قدَّم في النقد التطبيقي للأدب السعودي أكثر مما قدمه النقاد السعوديون مجتمعين. كنت أتمنى ألا يعامل الشنطي معاملة الوافدين، بل أن يكون له وضعه الخاص، ففي العالم الآن، أصبح من يقدم الكثير لأي وطن في أي من مجالات الإبداع في الكتابة أو الفن أو الرياضة، فإنه يعتبر من أبناء هذا البلد، له ما لهم وعليه ما عليهم، كل ما أتمناه فعلاً أن يتم تقدير هذا الكاتب المخلص، تكريماً معنوياً ومادياً، ولعل الأمر لا يقتصر على كلية إعداد معلمين في حائل أو أدبي حائل، بل لعل وزارة الثقافة والإعلام تسهم بدور مهم في هذا الجانب. حسين بافقيه: باحث أخلص للبحث والتأليف كان الناقد الدكتور محمد صالح الشنطي صانعاً أساسيًّا من صُنَّاع المشهد الثقافيّ والنَّقديّ في المملكة العربيَّة السعوديَّة، واستطاع خلال ما يقرب من 30 عامًا أنْ تشمل دراساته وبحوثه أوجه النَّشاط الأدبيّ في القصة القصيرة والرواية والشعر والنقد، وامتدّ أثره إلى أجيال تدين له بالاحترام والتقدير، ولا سيَّما نفر من كُتَّاب القصة القصيرة السعوديّين، هذا الفنّ الذي استأثر بجانب كبير من عمله النَّقديّ. والدكتور الشنطي باحث أخلص للعلم والبحث والتأليف، ولك أنْ تعرف أنَّ نشاطه التأليفيّ انطوى على مجالات مختلفة في العمل الأدبيّ، في تاريخ الأدب العربيّ القديم، حين أخرج غير كتاب عن الآداب العربيَّة في العصور الخوالي وفي الشعر، وقد خصَّه بمؤلفات شتَّى لعلّ من أهمَّها وقوفه على الشعريَّة العربيَّة الحديثة في المملكة في ثلاثة أجزاء، وفي الرواية، وقد وضع في ذلك كتاباً يعدّ الآن من كلاسيكيَّات الأعمال النقديَّة، وفي القصة القصيرة، والمشهد النقديّ وسوى ذلك من معالم الحياة الثقافيَّة في المملكة. ولأنَّه رجل تربية وتعليم أحسن إلى طلابه وتلاميذه في كليَّة المعلِّمين في حائل حينما أخرج لهم عدداً من المؤلَّفات في التحرير الأدبيّ، وأسهم، بنشاط منقطع النَّظير، في تحرير عدد من النَّدوات التي عرفْنا من خلالها كليَّة المعلِّمين في حائل التي لم تكن لتُعْرَف لولا هذا الأستاذ القدير الذي لم تستهْوِه المدن الكبرى كالرياض وجدَّة، وآثر أنْ يكون على مقربة من جبلَيْ أجأ وسلمى، وأنْ يحيا في المواطن التي دَرَجَ في مسالكها حاتم طيِّئ، وأنْ يتعرَّف إليه المثقفون السعوديّون، وبخاصة المنتمين إلى حركة الحداثة، إبَّان صعود ذلك التيَّار، وأنْ يعرفوا له نزاهتَه وحدبه، ورعايته لأجيال من الأدباء الشبَّان. تحيَّة ملؤها الحبّ والوفاء لهذا الرجل الكبير الذي قدَّم للثقافة في المملكة العربيَّة السعوديَّة، والذي أحبّ هذه البلاد فوقف حياته - مدَّ الله في عمره - على التعريف بثقافتها، والتنويه بأدبها وأدبائها، وكان، بحقّ، أنموذجاً فذًّا للباحث الذي يعمل، ويكدح من أجل الثقافة العربيَّة. عبدالعزيز الصقعبي: جزء من المشهد الثقافي يعد الدكتور محمد الشنطي من النقاد المميزين الذين أُقاموا في المملكة، عُرِفَ بمتابعته الدقيقة للمشهد الأدبي بشكل شامل الشعري والسردي. وعلاقتي به دامت أكثر من 20 عاماً عندما تناول بعض قصصي وقرأها عندما كنت في بدايات التجرب. بالطبع هولا يبحث عن الأسماء بل عن العمل الإبداعي المتميز، الذي ينتشر في الصحف أو يطبع من كتب. إلى حد كبير أتخيل ان الدكتور الشنطي داخل ضمن المشهد السعودي الثقافي، ولا أنظر إليه كاتباً قادماً من خارج المملكة، ولكن كأحد الرموز الأدبية السعودية. عبدالحفيظ الشمري: قامة نقدية تثبت دلالات الاستقصاء أن محمد صالح الشنطي فارس النظرية النقدية، وملهم التجربة الأدبية. ويظل الناقد الشنطي قامة حتى وإن نأى عن مشهدنا النقدي"المتهالك"، فنقادنا"الخائبون"لا يمكن أن يجاروا تجربة هذا الإنسان الفلسطيني الذي قدم لأدبنا وإبداعنا المحلي ما لا يمكن أن ينكره أي أحد. وحتى إن رحل سيظل موجوداً بيننا،على كل الأصعدة فليت أصحاب التجارب الجديدة من المهتمين بالنقد أن يخلصوا لتجربة هذا الفذ. محمد العباس: ناقد غير صدامي الدكتور الشنطي اسم نقدي مهم في الحياة الثقافية والمشهد الثقافي النقدي، ويعتبر من أفضل الأحداث النقدية التي تنتمي إلى ما يعرف بالنقد الوافد، على رغم التحفظ على مثل هذا المسمى، وحتى إن غلبت على دراساته الصيغ الوصفية، وتقديم المشهد أو الظاهرة الأدبية بشكل بانورامي، فإنه ناقد غير صدامي مع الظواهر أو الأسماء الأدبية بقدر ما يمارس حالة من الحدب على المنجز الإبداعي بشكل عام. ويتميز بحضور كمي هائل، وقد تناول العديد من الظواهر الأدبية وأشبعها بالدراسة والمتابعات الدقيقة. مبارك الخالدي: إضافة نادرة للحركة الثقافية أحزنني خبر مغادرة الدكتور الشنطي المملكة، لأنني أعتبره خسارة كبيرة، ولكن يعزينا انه سيكون متواصلاً مع المشهد الثقافي في السعودية. معرفتي له تعود إلى الثمانينات حين كنت شاباً كان أول ناقد يقوم بقراءة قصة لي في بدايات مشواري الأدبي، وترسخت العلاقة بعد اشتغالي في جريدة"اليوم"محرراً قي القسم الثقافي في بداية علاقتي بالصحافة الأدبية. له مشاركات نقدية ومتابعات أسبوعية وقراءات للأعمال الإبداعية. لقد أسهم في ذلك الوقت بتقديم رؤى نقدية أسبوعية. فإسهامات الدكتور الشنطي في الحركة النقدية لا تقدر بثمن. وهو لم يحدد نفسه بالمهنة، ولكنه بطريقة غير مسبوقة انطلق إلى جميع أنحاء المملكة، ما أشعرنا بالغبطة، فكانت قراءاته إضافة كبيرة ونادرة إلى الحركة النقدية في المملكة. محمد حبيبي: مرحلة نقدية مهمة الدكتور محمد صالح الشنطي من النقاد الذين بذلوا جهوداً في مرحلة تاريخية مهمة من مراحل الأدب السعودي، وكان على اطلاع بما يُكتب ويُنشر في تلك الفترة، لذلك قام بالكثير من الطروحات، التي كانت تسد كثيراً من الثغرات الموجودة في متابعة الكثير من الأعمال الأدبية، والاتجاهات الفنية والأجناس الكتابية. وكل ذلك بطبيعة الحال كان مرتبطاً بتلك المرحلة التاريخية، التي كان يقدم فيها جهده. والشنطي من النقاد القلائل الذين أثبتوا أو حققوا الإخلاص للأدب السعودي، بعكس كثير من النقاد الذين قدموا دراسات سطحية واستعراضية، ولم تكن تخلو من أغراض أو مصالح إن صح تسميتها دراسات. لذلك فالشنطي حري بالتقدير والتكريم، نظير ما قدمه في تلك المرحلة التاريخية. خالد اليوسف: الحياد الفكري والنقدي! لم يخطر لي يوماً أن أكتب شيئاً عمن يكتب عنا! عمن يتابع نتاجنا وحركتنا الأدبية ثم الثقافية ثم التعليمية، عن نموذج إنساني وأدبي ونقدي! ولن أتمادى للدخول في ردهات المدح والإطراء والثناء وهو يستحق أكثر من ذلك، لكن بما أن الحديث عن تجربة الدكتور محمد الشنطي التي أثرت حياتنا الأدبية والثقافية، من خلال عشرات الكتب التي تشهد بذلك، ثم عن مغادرته وطنه الثاني الذي عاش فيه قرابة الأربعين عاماً، وهذا الخبر هزني شخصياً وسيبقى حبيباً إلى القلب حتى لو كان بعيداً. للدكتور الشنطي محطات في حياتي وعلاقتي به متفرعة، قرأته مع بداية الثمانينات الميلادية في صحافتنا المحلية: اليومية والأسبوعية، ثم امتدت لتصل إلى المنابر والأمسيات والندوات والمحاضرات التي أثراها بعلمه، وقدرته الفذة على تحليل ومتابعة الأدب السعودي بعامة والنثري منه بخاصة، وبرز هذا في كتبه التي صدرت وأصبحت مرجعاً لمن بعده.= واستمرت علاقتي المرجعية والمصدرية في مده بكثير من نتاجنا الأدبي، وشارك معي في كثير من أعمال نادي القصة السعودي، كالتحكيم والدراسات والفحص، ثم في أول تكريم له عبر نادي القصة السعودي وهي من الأمسيات الناجحة على رغم كيد الفاشلين، وقد فتحت له أمسيات تكريمية أخرى وهو يستحق أكثر من ذلك. مثقفو حائل: أثرى المنطقة وقدم أدباءها المغمورين عبر عدد من مثقفي حائل عن مشاعرهم تجاه ناقد في حجم الشنطي، كان قريباً إلى أنفسهم وإلى إبداعهم الأدبي، مشاركاً إياهم فاعلياتهم الثقافية التي تنظمها المؤسسات الثقافية هناك، ويقول الشاعر شتيوي الغيثي:"إن افتقاد قامة إنسانية وأكاديمية كالدكتور الشنطي هو افتقاد للحراك الثقافي في المملكة كافة، وليس مقصوراً على مدينة محددة، حتى ولو كان موجوداً فيها، إذ إن نتاجه النقد كان يتحدى الحدود والجغرافيا. وعَرَف الشنطي عن قرب نوعية الحراك النقدي والأدبي والثقافي بشكل أعم، ومن هنا تصبح رؤيته للأمور في ظل توثيقه المعروف لكثير من القضايا النقدية في السعودية رؤية فاحصة وموثقة توثيقاً مرجعياً، إذا صح التعبير. أما الشاعر محمد عبدالرحمن الحمد، فيعتبر الشنطي من أعظم النقاد العرب،"أسهم ليس في تنشيط الحركة الثقافية في حائل، بل في تشكيل جيل من المثقفين الشباب في المنطقة، بما يحمله من عمق ثقافي ورؤية شمولية تستوعب متغيرات المشهد الثقافي العربي بوجه عام، إلى جانب ذلك افتقد المجتمع الحائلي برحيله إنساناً تماهى مع المجتمع بكل تفاصيله. ويرى عبدالله الحربي في الشنطي أنه"رمز من رموز الثقافة في منطقة حائل، خلال العشرين سنة الأخيرة، رجل قدم الكثير للمنطقة التي لم يقدم أبناؤها شيئاً يستحق الذكر، قدر ما قدم هذا الناقد فبحث وأعطى المثقفين والشعراء المغمورين ما يجعلهم معروفين في الساحة الثقافية". ويرى سكرتير نادي القصة في جمعية الثقافة في حائل عبدالسلام الحميد، أن ما يتوافر في الشنطي لا يتوافر في الكثير من المثقفين،"الحرص الصادق على المشاركة في كل المناسبات الثقافية، ما كان يمثل دعماً كبيراً للشباب المهتمين بالثقافة. وكان الشنطي يثري الجو الثقافي في حائل، كان وجوده في غاية الأهمية، سنفتقده كثيراً وستفتقده الساحة الثقافية بشكل عام. ولعل هذا يمثل تحدياً كبيراً للمهتمين في الحرص على متابعة الاهتمام بالمنجز الثقافي السعودي".