الأدب صورة الواقع، وهو انعكاس لمواقف الإنسان الأديب من الحياة، وقد عرف الأدب بأنه كل كتابة في أي نوع من أنواع الكتابة من شعر أو سرد على اختلاف الأنواع، وقد ذكر الجاحظ أن الأدب هو أخذك من كل علم بطرف، وهذا المعنى يقودنا إلى توضيح أن الأدب لا يقتصر على الكتابة السردية في الأنواع المعروفة، ولا على الشعر كذلك، وإنما يدخل في هذا الإطار الكتابة القائمة على سبر أغوار النص الأدبي، كما أنها تتجاوزه إلى ذات مبدع النص، وهو ما يُعرف في المصطلح الفلسفي بالقراءة الباطنية للنصوص في علم النفس، أي جعل الكاتب حاضراً في أثناء تحليل النص الأدبي؛ لما لارتباط النص بقائله من علاقة وثيقة لا يُمكن الفصل بينهما، كذلك الأمر في علاقة علم النفس بالأدب التي تبدو علاقة الروح بالجسد، وهو ما يُشير إلى أن مسألة العلاقة بين الأدب والنفس علاقة توأمة؛ لما بينهما من تعالق ووشائج لا تنفصل في حال من الأحوال، وإذا كان علم النفس يتغلغل في اللاوعي لفهم النفس البشرية ؛ فإن الأدب يتغلغل في الذات في جانبيها الخفي والظاهر، لينطق بمكنوناتها، ومن هذا المنطلق يبدو علم النفس مسباراً من مسبارات الذات في تعبيرها عن مكنوناتها التي تظل حبيسة الداخل حتى تتخذ من اللغة حالة تُعبّر من خلالها عما يعتمل في ذاتها من مشاعر، وما يعتري النفس من انفعالات وأحاسيس قد تكون خافية في كثير من جوانبها وحالاتها ما لم يُعبَّر عنها، إن علم النفس بوصفه منهجاً فكرياً يقوم على تحليل الظواهر الإنسانية يُعنى بالمقام الأول بآلية التفكير التي جعلت الإنسان يقوم بهذا السلوك لا سواه، وكذلك الأمر في الكتابة الإبداعية؛ فإن علم النفس لا يبحث في النص الظاهر من خلال مدلولات معجمية اللغة وإحالاتها المرجعية، وإنما يُولي علم النفس جلَّ عنايته إلى ما وراء اللغة بهدف الكشف وتجلية ما خفي، إنه قراءة ما بين السطور، واستكشاف ما وراء دلالات الظاهرة للألفاظ. تتبدى العلاقة بين الأدب وعلم النفس أكثر وضوحاً من خلال اتجاه الأدب إلى دراسة الشخصيات البشرية في الأعمال الأدبية، وهذه الدراسات وما يتبعها من محاولات الكشف عن الدوافع الغامضة خلف سلوكيات تلك الشخصيات، أو اتخاذها موقفاً ما من الأحداث الدائرة ورفضها موقفاً آخر كل ذلك يندرج في إطار اهتمام علم النفس، ومن هذا المنطلق يظهر أن علم النفس يدرس الموضوعات ذاتها التي يحاول الأدب الكشف عنها، وفهم حيواتها وطرائق تفكيرها وطرح مزيد من الأسئلة حول الناس وردود أفعالهم تجاه الحياة، وقد أشار أرسطو إلى تلك القضية وارتباط علم النفس بالأدب من خلال كتابه الموسوم ب ( تنقية العقل والنفس من المشاعر) وبذلك أسَّس لدخول علم النفس مجالات الكتابة الأدبية، وهو ما ظهر في كتابات الأدباء والفلاسفة، وكان فن السرد الروائي الميدان الأرحب في ذلك التلاقي بين الأدب وعلم النفس ، ومن نافل القول إنَّ الحالة النفسية للأديب تظل مصدر الكتابة، وهي بلا شك تؤثر سلباً أو إيجاباً على نتاج الأديب؛ فالمزاج الرائق سينتج أدباً غير ما يمكن أن ينتج صاحب النفس القلقة التي تُعاني مشكلات نفسية واضطرابات سلوكية. ** **