ارتبطت بدايات ظهور السينما في المملكة العربية بمشروع خط الأنابيب (التابلاين)، حيث كان مشروع خط التابلاين تحدياً في عالم صناعة النفط، فهو الأكبر من نوعه، إذ امتد بين ساحل الخليج العربي إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ليكون معبراً لنقل النفط من السعودية إلى أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. وتحت لهيب حرارة شمس صحراء الدهناء والنفود، ومع وعورة تضاريس الصحراء وانعدام الطرق المعبدة والمرافق في تلك الفترة وفي تلك الظروف الصحراوية الصعبة عمدت الشركة إلى بناء تجمعات سكنية للعمال زودوها بالماء البارد المثلج وبدور السينما وبالمطاعم الحديثة وملاعب القولف والتي كانت نقلة ثقافية للأهالي آنذاك. وشهدت تلك الفترة بدايات ظهور السينما، ثم توالت دور السينما في الأندية الرياضية وفي بعض السفارات الأجنبية، وهذا التقرير يلقي الضوء على نشأة السينما في المملكة ودورها في الحراك الثقافي والانفتاح على الثقافات العالمية. السينما في الحدود الشمالية يقول المؤرخ سعد بن فريح اللميع، صاحب كتاب (التابلاين بداية التحول في عرعر) المهتم بتاريخ التابلاين ل(لجزيرة) أن ميلاد المدن الثلاث (طريف وعرعر ورفحا)، تزامن مع ميلاد «التابلاين»، والذي بدوره جاء مصحوباً بتغيرات ثقافية. إذ يستذكر أهالي هذه المدن أنهم كانوا يذهبون مع آبائهم منذ 60 عاماً للسينما، التي أنشئت للعاملين في الخط النفطي، وكانت تعرض أفلاما أجنبية وعربية في هذا الوقت البعيد. العام 1950 تقريباً عرف الأهالي السينما في التابلاين، وكانت تعرض فيلماً عن النفط والعلم وكانت السينما تعرض أفلاماً علمية في مدارس عرعر. أضاف «اللميع» أن خط التابلاين لا يزال موجوداً، وهو جزء من تاريخ المدن الثلاث، وما صاحبها من تغير ثقافي حينذاك، مبيناً أنه قام بتأليف كتاب عن هذه الحقبة الزمنية، يحكي قصة التابلاين وتأسيس المدن الثلاث، الذي جاء متسقاً مع خطط الملك عبدالعزيز، لتوطين البادية في القرى والهجر، حتي يتسنى للدولة تقديم الخدمات اللازمة لهم. في الأندية الرياضية ويذكر الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول في كتابه الشهير (تاريخ السينما في العالم) أن الصالات السينمائية السعودية افتتحت خلال السبعينيات الميلادية عبر الأندية الرياضية على وجه التحديد للرجال فقط، وفي بعض السفارات الأجنبية والبيوتات الشهيرة خصوصًا في جدةوالطائف ولكن بشكل عشوائي تفتقد فيه إلى التنظيم والتهيئة اللازمة للمشاهدة، حتى تم إغلاقها بشكل نهائي لاحقًا. كما أن أحياء موظفي أرامكو بالمنطقة الشرقية تحتضن صالات للسينما منذ افتتاحها إلا أن الإقبال عليها ليس قويًا وذلك بسبب اقتصارها في الدخول على موظفي أرامكو وعائلاتهم. في السفارات الأجنبية المؤلف خالد ربيع السيد، صاحب أول كتاب سعودي عن السينما الذي صدر حديثاً بعنوان (الفانوس السحري: قراءات في السينما) أشار في كتابه إلى أن السينما السعودية قديما كانت أفلاماً تسجيلية تنتجها شركات النفط في المنطقة الشرقية للتوثيق، بالإضافة إلى بعض الأفلام القصيرة، مثل أفلام المخرج السعودي عبدالله المحيسن. وأضاف أن السفارات الأجنبية في المملكة كانت أول من فتح أبوابها لمحبي السينما من أبناء الشعب السعودي، حيث كنت من مرتادي السفارة النيجيرية والسفارة الإيطالية لمشاهدة الأفلام السينمائية التي يقومون بعرضها بالإضافة إلى سينما «باب شريف» و»أبو صفية» في جدة، أما مدينة الطائف فقد كانت قاعاتها عبارة عن فناء واسع لأحد المنازل أو أرض فضاء يتم وضع بعض الكراسي وشاشة للعرض السينمائي فيها. العاشقة البدوية وسميرة توفيق ويذكر المؤرخ سعد اللميع موقفاً طريفاً عطفًا على ما ذكر عند الحديث عن السينما في شركة التابلاين، واستمتاع الموظفين والأهالي بذلك حيث دفع هذا الأمر أحد التجار في عرعر - ممن كان بالتأكيد شاهدا على هذا الإقبال على السينما - إلى تبني فكرة استثمارية، وهي إنشاء سينما خاصة فقام بشراء كل ما يلزم، وجهّز المكان المناسب للعرض، وعزم على هذا المشروع التجاري. وفعلًا بدأ المشروع، وتم عرض باكورة الإنتاج، وكان فيلمًا بدويًّا (العاشقة البدوية) بطولة سميرة توفيق، التي كانت معشوقة لكثير من أبناء ذلك الجيل، من خلال الاستماع والطرب بصوتها و(غمزتها) الشهيرة، التي سلبت لبَّ الكثيرين من أبناء الصحراء. يقول الرواة: شهد الفيلم حضور كبير، طبعًا لم يكن الحضور مجانًا، بل كان مدفوع الثمن، لكن هذه المتعة لم تدم طويلًا، حيث قامت الجهات المختصة بإغلاق صالة العرض وأوقفت حلم ذلك التاجر بجني الأرباح، فكان هذا الفيلم الذي لم يكتمل هو الأول والأخير.