كتاب للابن البار الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي عن والده أستاذ اللغة العربية وعاشق تدريس ألفية ابن مالك والمربي والأديب (أبي إبراهيم) الأستاذ عبدالرحمن بن علي التركي. جاء في طبعة أنيقة ملونة، بلغت (287) صفحة. ازدان الغلاف بصورة صاحب السيرة والمسيرة وهو في حالة ذكر الله - عز وجل -. وجاءت الصفحة الأولى للكتاب يتوسطها صورة لصاحب السيرة وكاتبها والأخير في سن الخامسة من عمره. جاء الكتاب في خمسة فصول، الفصل الأول بعنوان: (خطوات المسير) فوجدت نفسي أمام بانوراما تحكي مسيرة طفل وُلد على الأرجح عام 1352ه في مدينة عنيزة، لم ينسجم مع التعليم من خلال الكُتاب الذي كان يدرس فيه، ومع المعاناة التي تجرعها من سوء التعامل من قِبل معلمه «المطوع»، جعلته في حيرة من أمره، لا يريد أن يكدر خاطر والديه، ويخبرهم بعدم ذهابه إلى الكُتاب، فوصل به الأمر أن يقضي وقته مختبئًا في زوايا حارة الخريزة حتى يحين انصراف الطلبة فيعود معهم. ولم يحتمل ذلك كثيرًا بل قرر إبلاغ والديه بالعمل مع والده في سقيا الأثل وزراعته، والتوقف عن الدراسة في الكُتاب. وعندما بلغ عمره (15) عامًا توجه إلى مدينة جدة، وعمل سائقًا في خفر السواحل لمدة 6 أعوام. وعندما ألح عليه والداه بالعودة إلى عنيزة عاد والتحق بالدراسة في المعهد العلمي الذي حدد له اختبار القبول به أن يكون في الصف الثاني الذي يعادل الصف السادس حاليًا، وذاع تفوقه في أرجاء المحيط التعليمي؛ وهو ما مكنه من التدريس في المدرسة الفيصلية الابتدائية وهو في الصف الثالث المتوسط، وواصل انتسابه للمعهد العلمي حتى أتم المرحلة الثانوية، وانتسب إلى كلية اللغة العربية في جامعة الإمام، وانتظم في السنة الأخيرة فقط، وتخرج ضمن العشرة الأوائل عام 1384/ 1385ه، وَوُجِّه للتدريس في المعهد العلمي في حائل، وكان خلال تلك الفترة قد تزوج فاصطحب أسرته، ومكث بها عامين بعد وفاة والده، ونقل بعد ذلك إلى التدريس في المعهد العلمي في عنيزة، وكان يمتاز في تدريسه بتنظيم السبورة بشكل دقيق مع وضوح الخط. وقد نجح الابن البار في تصوير حياة الوالد والأسرة في تلك الفترة، وكأنها بانوراما تجسد طبيعة البيوت والجيران والمسؤولين في العمل والتعليم منذ خفر السواحل حتى التقاعد من مسيرته في تدريس اللغة العربية، وتنقله من جدة إلى عنيزة إلى حائل، والعودة إلى عنيزة، وصعوبة السفر من عنيزة إلى حائل والعودة في الطرق الصحراوية التي كانت تحتاج دائمًا إلى صحبة أو دليل يجيد معرفة الطريق لعدم التيه في الصحراء. وقد تبيّن لي من هذا الفصل رسائل عدة، لعل أهمها: الرسالة الأولى: الفكر المستنير للطفل الذي لم يركن لطريقة تدريسه في الكُتاب. ولعل ذلك كان واضحًا عندما تصدر التدريس للمرحلة الابتدائية وهو طالب في الصف الثالث المتوسط؛ وهذا يدل على عدم الاعتراف بقدراته الحقيقية؛ وهو ما جعله يهجر الكُتاب. الرسالة الثانية: حرصه على جبر خواطر والديه بادعائه أنه يحضر مع الطلاب في الكُتاب. الرسالة الثالثة: تحمُّله المسؤولية مع والده في معاونته بسقيا الأثل وزراعته. الرسالة الرابعة: الطموح لتحسين دخل الأسرة بالسفر إلى جدة وهو ابن ال(15) عامًا، والعمل في خفر السواحل. الرسالة الخامسة: بره بوالدَيْه عندما استجاب لرغبتهما في ترك العمل في جدة، والعودة إلى عنيزة. الرسالة السادسة: الإصرار على تحقيق الهدف والتفوق عندما عاد إلى الدراسة النظامية، وتفوقه في معهد عنيزة العلمي. الرسالة السابعة: التآلف والتراحم مع الجيران، والأهل والأصدقاء، والعمالة المنزلية. جاءت وفاته مفاجئة؛ إذ باغَتَهُ مرض الوفاة عصر السبت 1/1/1441ه، وانتقل إلى جوار ربه بعد ظهر الثلاثاء 4/1/1441ه. وجاء الفصل الثاني بعنوان (مواقف وحكايات)، ذُكرت فيه العديد من الحكايات والصفات التي تميز بها صاحب السيرة، لعل منها: بُعده عن الجدل في قضايا الثقافة والمجتمع، وكذلك عن الحزبية في شؤون الدين والسياسة. وكان محاورًا بارعًا مع المستويات كافة بلين ورفق، محبًا للمذياع، يحضر إلى عمله مبكرًا بعد صلاة الفجر مباشرة، ويحث الطلبة الذين يحتاجون إلى تقوية على الحضور فجرًا أو عصرًا لكي يعطيهم دروسًا إضافية، وكذا بعد تقاعده في المسجد لتدريس النحو لطلبة الجامعة والدراسات العليا. روى الكثير من مزايا الشيخ السعدي - رحمهما الله-، لعل أبرزها وصفه باللطف والتسامح والاعتدال وحب الناس له وسبقه الفقهي. لم يكن ينسى من يسدي إليه معروفًا. عُرف بيسر التعامل، ويسعد بالحديث عن والده، والصدقة عنه، والأضحية له. امتازت تربيته لأولاده بالحزم واللين معًا؛ فلم يكن الخروج للشارع أو السوق مسموحًا في وقت الصغر إلا معه، ولم يكن السهر مسموحًا أيضًا إلا للضرورة. إدارته للوقت كانت منضبطة جدًّا، يتمسك بقيم الصدق والإخلاص في العمل. كان سريع التأثر، قريب الدمعة، وكثيرًا كان يمسح دموعه بصمت. وكان حريصًا على إخفاء مشاعره عند وداع أبنائه أو بناته وقت سفرهم أو مرضهم. كان يمازح أولاده، ويلاطف أبناءهم، ويحرص على تعليم الجميع، ويتفقد دروسهم. كانت تربيته بالنظر، وإن احتاج إلى توضيح فبمزاح. الفصل الثالث: قراءة في سيرته، والرابع: الأصدقاء، والخامس: توقيع تلاميذه ومحبيه. وتحدث فيه عن سيرته ومناقبه (56) من المفكرين والمثقفين والأدباء - رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته -.