أحببت الرسم كثيراً رغم أني لا أتقنه، فاتت أيام طويلة وأنا أشعر بطعم الألوان في حلقي، وأرى خطوط الرسم بين عيني، كنت حالمة بائسة أتمنى أن أخرج تلك الكمية الهائلة من الشعور على مرأى العيون المتعطشة للفن، لكن في النهاية تنبهت بأني قادرة على ذلك ما دمت أكتب !، أن تتلاعب بالأحرف والكلمات وتشكلها كيفما تشعر فذلك رسم من نوع آخر، فكما تمتع اللوحة العين فالكلمات أيضاً تمتع الروح وتشعرك بلونها وصوتها وقوتها وضعفها وكأنك تركب الأمواج معها، أنا أرسم ما أشعر به بالكلمات، ألوانها هي مشاعري فالأزرق للطرح والأحمر للانتقاد والأصفر للجرأة والأخضر للتفاوض والأسود للإعجاب، بإمكاني التعويض هكذا مادمت أملك الشغف وأشعر بالمعاناة فهذان المقبضان لبوابة الإبداع، فحين يموت الشغف تنتحر الروح بصمت ولايبقى هناك قارب إنقاذ صالح للإبحار إلا أن تغوص معانياً في الأعماق، تلك الحقيقة فجرت ينابيع فنية عذبة كثيرة سمحت لنا باستساغة طعم الحياة، كانت الكتابة لي كالجب الذي أنقذ سيدنا يوسف بصدقها وعمقها ومساندتها، أجدني أكتب لألقم أحرفي للروح التي تركل جوفي باحثة عن موطن تستقر به، أكتب لأن حنجرتي تكفنت بالصمت وادّعت الانتحار، أكتب لتتحرك رئتاي مع الشدّة والسكون باحثة عن الهواء في قمم المعاني، أكتب لأرتوي من جدول البلاغة ونهر الجملة، في الكتابة كوكب آخر يقصده الموهوب ويبحث عنه المتعلم ويتمناه المتذوق الذي يكتفي بالاستمتاع بالفن بكافة أشكاله، مؤكد أن الله جميل يحب الجمال، الجمال الذي يبعث فيك حب الاستمرار في العيش، والتطلع للغد المبهج، وتناسي كل ضائقة أعاقتك، لماذا ؟ لأن الفن لا حدود له، ولا قواعد تكبله، ولا شروط تنقصه، الفن مكتمل يكون كما أحببت أن يكون، يعكس تلك المثالية التي يحلم بها البشر في أذهانهم، في عالمهم القادم، في أرواحهم التي ستغادر إلى الجميل يوماً ما، تلك هي فلسفة الفن، وجوهره الفريد، فائه: الفكرة ونونه: نحن .. لاشك في كونه أحد مصابيح التحول وجذور الابتكار. ** **