تتميز مخطوطة مصحف ابن البوَّاب العراقي المصورة بجمالها وحسن تنسيقها وتبويبها، واشتمالها على معرض فني للخطوط العربية الساحرة بروعتها، وهي من محفوظات مكتبة شستربتي - دبلن. كتبها ابن البوَّاب عام 391 ه الموافق 1000م. والمخطوطة مكتوبة بخط المصاحف، وعناوين السور بالخط اللؤلؤي - كما يذكر كتاب"الخط العربي من خلال المخطوطات"الصادر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض - وهي كما يشاهد مُفتَّحة، فنجد حروف الميم والفاء وأختها والعين مفتحة غير مغلقة، ما أعطى بهجة للكتابة وحلاوة. واستعمل ابن البواب بحسّه الفني والتذوقي امتدادات الكاسات، ووضع فيها الحروف والكلمات، وأكثر من استعمال الكاف الثعبانية، وهو ما أضفى على الكتابة شكلاً متناسقاً، حيث ظهرت المرونة على حد وصف كتاب"الخط العربي"السالف الذكر في أداء الخط. وكتب ابن البواب البغدادي المصحف على 15 سطراً، وهو الأسلوب المتبع حتى اليوم في كتابة المصاحف وتنسيقها. ورسم ابن البواب في مصحفه زخارف دائرية هندسية مذهبة على جانب واحد من الصفحات، للدلالة الى الأجزاء، والأحزاب كانت ذات أرضيات متنوعة بين الأسود والأزرق، كما أن أرضية الورقة الأصلية بالطريقة نفسها. ومن جماليات المخطوطة وروعتها اهتمام ابن البواب بعمل كمثرى ذهبية بعد كل خمس آيات، ووضع دائرة صغيرة ذهبية بعد كل عشر آيات. ونتيجة لكل ما سبق من بدائع وجماليات في المخطوطة المصورة وصفها المستشرق الإنكليزي رايس وصفاً عجيباً، نشره في كتيب بالإنكليزية والفرنسية والعربية، وألحقه بالمصحف المصور، قال فيه:"توجد خمس صفحات مزدوجة مزخرفة بالكامل، ثلاث منها في بداية المخطوط واثنتان في آخره... وفي اثنتين منها لا توجد سوى الزخارف، أما الثلاث الأخرى، ففيها كتابات علاوة على الزخارف". ويرى المحقق الدكتور المعتصم عوض أستاذ المخطوطات العربية في القاهرة أن"هذه المخطوطة نادرة، لأنها آية فنية وهندسية، في خطوطها وكتابتها، حتى إن كل من يراها يصيبه الإدهاش، ولا يملك إلا الاعتراف بمهارة ابن البواب العجيبة". ويقول المستشرق رايس أيضاً:"ويبدأ المخطوط بإطارين زخرفيين مستطيلي الشكل، كل منهما مقسم إلى سبعة شرائط أرضيتها ملونة بألوان مختلفة، والشريط الأوسط في كل إطار له أرضية سوداء، أما السنة الأخرى فتبادلية زرقاء ومكسوة، بأشكال ذات تظليل خفيف بلون بني غامق لا يكاد يبين". وفي الشرائط كتب عدد آيات القرآن بالخط اللؤلؤي الجميل، وفي الصفحتين الأخريين كتب الآتي:"في عدد أهل الكوفة المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على محمد نبينا السلام"داخل أشكال هندسية مثمنة كبيرة متشابكة الخطوط ومتصلة مع ما يجاورها من الأشكال الهندسية المثمنة الأخرى ذات الأرضية الذهبية والمزينة بفروع زهرية كل منها على حدة، وتضم كتابات مذهبة وحوافي بيضاً". وتضم المثمنات الصغيرة زهرة اللوتس الملونة بالمداد البني الغامق، والفاتح فوق أرضية زرقاء. ومصحف ابن البواب نموذج فني رائع لطريقة الكتابة والتزويق والخطوط وفنونها في القرن الخامس الهجري، وهناك نسخة من هذه المخطوطة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية. ويضيف المعتصم عوض قائلاً:"بلغ ابن البوَّاب الغاية من التجويد الفني، في الرسوم والمقاسات الهندسية، وفي تقسيم الصفحة، واختيار الألوان الجذابة المعبرة عن المضمون، فالشكل فرع للمعنى، والعكس. والفن يعانق عبقرية ابن البواب، الذي مازج في مصحفه بين الدقة والجمال، بين أسرار الظلال، وروح الفن الإسلامي المرتبط بالثقافة الإسلامية، المنفتحة على عوالم: الهندسة والحساب وعلم الجمال، وعالم التشكيل والألوان"موضحاً أنه"توجد كذلك نسخة من هذه المخطوطة في المكتبة التيمورية في مصر".