روى الزركشي (794ه) «حُكِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ [377ه] مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالَوَيْه [370ه]ِ فِي مَجْلِسِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، فَسُئِلَ ابْنُ خَالَوَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جاءوها وفتحت أبوابها}[الزمر: 73]، فِي النَّارِ بِغَيْرِ وَاوٍ(1)، وَفِي الْجَنَّةِ بِالْوَاوِ! فَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: هَذِهِ الْوَاوُ تُسَمَّى وَاوَ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْطِفُ الثَّمَانِيَةَ إِلَّا بِالْوَاوِ، قَالَ: فَنَظَرَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ وَقَالَ: أَحَقٌّ هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَا أَقُولُ كَمَا قَالَ، إِنَّمَا تُرِكَتِ الْوَاوُ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهَا مُغْلَقَةٌ وَكَانَ مَجِيئُهُمْ شَرْطًا فِي فَتْحِهَا فَقَوْلُهُ: {فُتِحَتْ} فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَفُتِحَتْ} فِي الْجَنَّةِ فَهَذِهِ وَاوُ الْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ جَاءُوهَا وَهِيَ مُفَتَّحَةُ الْأَبْوَابِ أَوْ هَذِهِ حَالُهَا»(2). لا نعلم من سماها بذلك ولا متى؛ فالمصادر تنسب القول بها إلى ثلاثة ابن خالويه (370ه)، والثعلبي (427ه)، والحريري (516ه). قال الثعلبي «{وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} وقال بعضهم: هذه الواو واو الثمانية، إن العرب يقولون: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، لأن العقد كان عندهم سبعة»(3). وقال الحريري (516ه) «وَمن خَصَائِص لُغَة الْعَرَب إِلْحَاق الْوَاو فِي الثَّامِن من الْعدَد، كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن... وَتسَمى هَذِه الْوَاو وَاو الثَّمَانِية»(4). وينفي العلماء القول بها أو يضعفونه، فالقيرواني(479ه) يقول «وأما من يقول هي واو الثمانية، ويستدل بذلك على أن للجنة ثمانية أبواب، لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71]، فشيء لا يعرفه النحويون، وإنما هو من قول بعض المفسرين»(5). والمرادي (749ه) يصفهم بضعفة النحويين (6)، وقال ابن هشام (761ه) «وَقد مضى فِي بَاب الْوَاو أَن ذَلِك لَا حَقِيقَة لَهُ»(7). وقال السبكي(773ه) «وأما قولهم واو الثمانية فهو كلام ضعيف ليس له أصل طائل، وإن كان وقع في كلام كثير من الأئمة واستندوا فيه إلى أن السبعة نهاية العدد عند العرب»(8)، وقال خالد الأزهري (905ه) «وَقَوْلهمْ إِن مِنْهَا أَي من وَاو الثَّمَانِية قَوْله تَعَالَى {وثامنهم كلبهم} وَهَذَا القَوْل لَا يرضاه نحوي لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم إعرابي وَلَا سر معنوي»(9). ويستدل الرازي (606ه) لبطلان واو الثمانية قال «وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الْحَشْرِ: 23]»(10). إذ لم تأت الواو قبل المتكبر. وفسروا ما ظاهره عطف للثامن بها، بأن الواو إما عاطفة لازمة مثل (ثيبات وأبكارا) فالعطف للمغايرة، و(الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) فالعطف لتلازم الصفتين، وإما حالية نحو (وفتحت أبوابها)(11)، وإما زائدة نحو (وثامنهم كلبهم). والذي ننتهي إليه أن واو الثمانية خرافة لا أصل لها، وليس يتعلق بها سوى مُستهتَر بالغرائب. (1) الزمر: 71. (2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 3: 189 . (3) الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، 6: 162 . (4) الحريري، درة الغواص في أوهام الخواص، ص: 31 . (5) القيرواني، النكت في القرآن الكريم، ص: 304 . (6) المرادي، الجنى الداني في حروف المعاني، ص: 167 . (7) ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ص: 859 . (8) السبكي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، 1: 544 . (9) خالد الأزهري، موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، ص: 146. (10) الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، 21: 449 . (11) قول القيرواني في (النكت في القرآن الكريم، ص: 430) إن المبرد يعدها زائدة صحيح، وأما أنه «كان ينكر قول من يقول هي (واو الثمانية) قال: لأن هذا غير معروف في كلام العرب» فلم أجده في كتب المبرد ولعله في نسخ لم تصل إلينا.