البطولة الحقة، هي تلك التي تصل إلى التضحية بالروح، لا البطولات المزيفة، التي شاعت في الأزمنة الأخيرة، وهي في الحقيقة لا تنتمي إلى عالم البطولات لا من قريب، ولا من بعيد، بل من الظلم البائن إضافة هؤلاء إلى الأبطال. جائحة كورونا كان من بين دروسها وربما حسناتها، أنها أبرزت من هو البطل الحقيقي من المزيف، هذه الجائحة أفرزت العديد من الأبطال الذين ضحوا بالكثير من أجل التخفيف من آثار تفشي هذا الوباء، وفي مقدمة أولئك الأبطال الأطباء والممارسون الصحيون الذين قضى بعضهم نحبه وهو في الخطوط الأمامية مع المصابين والضحايا، لذلك حصدوا التقدير والثناء من جميع مجتمعات العالم. كذلك من بعض البطولات، ما قام به البعض من الوقوف مع حكوماتهم ومجتمعاتهم على قدر استطاعتهم، وهذا نموذج صيني، فقد بادر صاحب مطعم من قومية هوي الصينية المسلمة في منطقة جيانغان بمدينة ووهان، إلى تقديم وجبات غداء وعشاء محلية الصنع بشكل منتظم لمدة أكثر من 30 يوميا متتالية منذ ليلة رأس السنة الصينية إلى الفرق الطبية المساندة والقادمة منبكين وتيانجين وقانسو ونينغشيا بالإضافة إلى العمال في مستشفى تونغشي ومستشفى الاتحاد (شيخه) وشرطة المرور وعمال الصرف الصحي إلى غير ذلك من العمال. ويقدم المطعم أكثر من 300 وجبة يوميا، تشمل كل وجبة اللحم والخضراوات. ولم يحاسب على طلبيات مؤقتة، على سبيل المثال في مساء يوم 18 فبراير، قام هوانغ لين صاحب المطعم على الفور بعد أن علم أن الفريق الطبي القادم من شمال الصين لم يتكيف مع أكل الجنوب، بتنظيم طاقم العمل لإرسال وجبات من المعكرونة المقلية إلى أكثر من 100 شخص من الطاقم الطبي القادم من بكين، وإعداد 500 طبق من الزلابية الإضافية لأكلها خلال ساعات العمل الإضافية. قال هوانغ لين: «لم أطلب مالا مقابل ما أوزعه من وجبات خلال هذه الفترة، لأنني لا أملك شخصيا ما يمكن تقديمه من مساعدات أخرى سوى هذه الوجبات، آمل أن ينتهي المرض قريبا وأن تعود الحياة إلى مسارها الطبيعي». وفي المملكة حدث ولا حرج عن أنواع البطولات، والأبطال الحقيقيين، ففي القطاع الصحي ضرب وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة وفريقه، أروع الأمثلة في إدارة الأزمة تحت إشراف ومتابعة وتوجيهات سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي يعمل ليلاً ونهاراً، ولكن بصمت. الدكتور توفيق الربيعة كان ملازما لأطقمه الطبية في جميع أنحاء المملكة، وقد أثنى معاليه على أبطال الصحة التطوعية، مؤكدًا أن هذا عمل نبيل وخلق عظيم يدعم الجهود في مكافحة وباء فيروس كورونا المستجد. وعبر حسابه الرسمي على تويتر، قال الربيعة: استمرارًا لجهود أبطال الصحة التطوعية.. منصة التطوع الصحي تفتح المجال للراغبين في المشاركة التطوعية للخدمة في المجالات الصحية المباشرة وغير المباشرة. وأضاف: إن التطوع عمل نبيل وخلق عظيم يدعم الجهود لمكافحة الوباء.. شكرًا لكل متطوع سخر وقته وجهده لخدمة وطننا الغالي. ومع مكوث الكثيرين في منازلهم، إلا أن هناك ممن لا بد من خروجهم مثل العاملين في الحالات الطارئة الذين يعتبرون العمود الفقري للمجتمعات، ويتم الاعتماد عليهم في الأوقات العصيبة. ومن الأبطال كذلك العاملون في الجمعيات الخيرية والمؤسسات المجتمعية من فرق تطوعية وإسعافية وإرشادية، ولجان تنموية في المدن والمحافظات، وقد شاهدنا جميعاً تلك الجهود المضنية، التي لا شك دافعها الأول والأخير، هو البحث عن الأجر من الله، فكم فرجوا لمكروب وأعانوا ملهوف، وخففوا من معاناة نفسية. أبطال حقيقيون، هم أولئك الذي عملوا وهم يخشون الموت، ويخشون مقدماته، التي ربما تكون سبباً في معاناة أسرة بأكملها. أتصلت بأحد الأصدقاء اسأله عن أبنه الطبيب، فقال: منذ بداية الأزمة وهو معتزل البيت، من عمله إلى شقة استأجرها خشية أن ينقل العدوى لزوجه وولده! ألا يحق لنا أن نفخر ونفاخر بهؤلاء الأبطال؟ بلى وربي .. بلى وربي. وإلى الحلقة التاسعة -بإذن لله-.