مع طلوع الشمس، بعد آخر ليلة من رمضان، بزغ الفرح والسرور والاحتفال. ليلة واحدة كانت فارقة، ورقة في صفحة التقويم، رقم في مجلد التاريخ، استيقاظة شمس واحدة نقلتنا من الروحانية إلى الاحتفالية. في جائحة كورونا جاء العيد متخلياً عن مظاهره، تاركاً ملابسه الجديدة في سيارات الشحن المعطلة، وأغلق أبوابنا عن وجوه الأهل والرفاق، حرمنا زيارة مصلى العيد ومشاهدة الأطفال يجمعون الحلوى من السجاد. عيد جعلنا نمر بتجربة فريدة نقيس بها أثر الفكرة المجردة من مظاهرها علينا. في الحجر المنزلي أمضينا كل يوم يشبه أخيه، أيام متداولة لا يمكن تصنيفها، تدور بترتيب محفوظ منذ سنين، حتى ليالينا الرمضانية وصباح العيد قضيناها في نفس الأماكن مع نفس الأشخاص نمارس نفس الطقوس، لقد كنا معاً بالأمس واحتفلنا بنا اليوم بشكل فرائحي جديد، لأن فكرة العيد هبطت من السماء مع الشمس، تحمل في بطنها بهجة وإيماناً. كيف لفكرة في أثرها الخفي، في قوتها الناعمة، في حضورها المدوّي أن تنقل مشاعرنا في ساعات قصيرة؟ وكأنها تقلب الصفحة لنبدأ فصلاً جديداً. بماذا يمتلئ حوض العقل الذي تسبح فيه الأفكار؟ وكيف تمتلئ كل فكرة بمشاعر ومعتقدات ورؤى وذكريات؟ ثم إن هناك عمقٌ في الفكرة الواحدة لا يمس بالكلمات، ولا يُطال إلا بسؤال دؤوب وتأمل عميق. فكرة واحدة قد تنقلنا من العيد إلى رمضان. فكرة واحدة تنقلنا معها من النقص إلى الكمال، حين نعرف أن نصف الكأس الفارغ.. امتلأ بالهواء! فكرة واحدة في عمق أرواحنا تحررنا من الخوف والذعر والكره والعنصرية والنبذ والإنكار إلى الأمان والتفهم والحب والتعاطف، فكرة قادرة على إنقاذنا من جلد الذات لو نظرنا لأنفسنا بعين الصديق الصدوق والأم العطوف، فكرة مخبأة موقوتة، قد تكون قلماً يلهم أو رمحاً يؤلم، حديقة مزهرة أو غابة موحشة، شريط هدية أو حبل مشنقة، قنبلة موقوتة أو ألعاب نارية للاحتفال. ماذا لو عرفنا مكامن سكونها واستطعنا الوصول إليها ثم قلبنا وجهها المألوف المؤذي إلى وجهها الجديد الرؤوف؟ كل فكرة هي كالقمر، لها وجه مظلم والآخر منير.. فانظر ماذا ترى! ** **