من أظهر ما يلحظه المتصل بالخلافات النحوية أنها في بعض المسائل تستغرق كل الاحتمالات الرياضية، رأيت ذلك وأنا أدرس بناء اللفظ (آية)(1)، وألحظه الآن في إعراب الكاف من اسم الفعل (عليكَ) في نحو قولنا (عليكَ زيدًا)؛ إذ نجد الكاف في محل جرّ أو نصب، أو رفع، أو لا محلّ لها من الإعراب. أما البصريون ابتداءً من سيبويه(2) فنظروا (عليك) لفظها ومعناها، فلفظها (جار ومجرور) عددت (على) حرف جرّ أو ظرفًا مضافًا إلى هذه الكاف، أما معناها فمعنى الفعل الذي يرفع فاعلًا، وربما نصب مفعولًا؛ ولذا قدروا ضميرًا مستكنًّا في هذا الاسم كما يستكنّ في الأفعال، قال المبرد «وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت: عَلَيْكَ زيدًا ففي (عَلَيْك) اسمان: أَحدهمَا: الْمَرْفُوع الْفَاعِل، والآخر: هَذِه الْكَاف المخفوضة»(3)، ويستدل على حالتي الرفع والنصب بالتابع المؤكد، قال «تَقول: عَلَيْكُم أَنفسِكُم أَجْمَعُونَ زيدًا، فتجعل قَوْلك (أَجْمَعُونَ) للْفَاعِل، وَتجْعَل قَوْلك: (أَنفسِكُم) للكاف، وَإِن شِئْت أجريتهما جَمِيعًا على الْكَاف فخفضته [عَلَيْكُم أَنفسِكُم أَجْمَعينَ زيدًا]، وَإِن شِئْت أكّدتّ، ورفعتهما [عَلَيْكُم أَنفسُكُم أَجْمَعُونَ زيدًا]»(4). ومذهب البصريين واضح كل الوضوح في عدّ هذه الكاف في محل جرّ، ولذا يعدّ اسم الفعل هو (عليك) برمته، قال ابن فرحون «و(الكاف) في مَوضِع جَر؛ لأنّ اسمَ الفعل هو الجارّ والمجرور. و(على) لم تُستعمَل وحْدها اسم فِعْل»(5). وذكر لنا أبوحيان ثلاثة الأعاريب الأخرى لكاف (عليك)، قال «فمذهب الكسائي أنها في موضع نصب، ومذهب الفراء أنّها في موضع رفع ... وذهب طاهر بن بابشاذ إلى أنها حرف خطاب فلا موضع لها من الإعراب»(6). والنصب أو الرفع عام الدلالة لتعدد صدقه على غير وظيفة؛ ولكنا نجد التحديد عند خالد الأزهري، إذ النصب على المفعولية، والرفع على الفاعلية(7)، وينبه الأزهري إلى مقتضى القول بالمفعولية أو الفاعلية أو عدم الإعراب، قال «واستفدنا من ذلك أنَّ اسم الفعل إنما هو الجار فقط، والمجرور خارج عنه»(8). ولا نجد في الكتب المتقدمة ولا المتأخرة في حدود علمي ما يفسر جهة المفعولية، ولا الفاعلية سوى تعليق يسير يمكن الانتفاع به نجده عند يس العليمي الذي ردّ قول الكسائي، فقال «يرده قولهم: (عليك زيدًا) بمعنى (خذْ) وخذْ إنما يتعدى لواحد»(9). وليس يلزم الكسائي هذا؛ إذ يمكن كون معنى عليك زيدًا: أُلزمك زيدًا، وليس قولي هذا قبولًا لقول الكسائي. وأما الفاعلية عند الفراء ففسرها يس بقوله « أي استعارة ضمير غير الرفع له»(10). ونظير هذه الاستعارة قولهم (لولاي ولولاك) والقياس: لولا أنا ولولا أنت؛ إذ ذهب الكوفيون إلى أن الياء والكاف في موضع رفع(11). وواضح ما في قول الكوفيين من تكلف. وما أراه أن الكاف هي كما كانت قبل نقل التركيب للدلالة على الفعلية، وليس لها إعراب مستجد. ... ... ... (1) ينظر: الشمسان «جوانب الدرس التصريفي للفظ(آية)»، دراسات لغوية، ص171. (2) سيبويه، الكتاب، 1: 250. (3) المبرد، المقتضب، 3: 211. (4) المبرد، المقتضب، 3: 211. (5) ابن فرحون، العدة في إعراب العمدة، 2: 352. (6) أبوحيان، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 5: 2310. (7) خالد الأزهري، التصريح على التوضيح، بتحقيق محمد باسل عيون السود، 2: 287. (8) خالد الأزهري، التصريح على التوضيح، بتحقيق محمد باسل عيون السود، 2: 287. (9) خالد الأزهري، التصريح على التوضيح، بحاشية يس العليمي، دار الفكر، 2: 198. (10)خالد الأزهري، التصريح على التوضيح، بحاشية يس العليمي، دار الفكر، 2: 198. (11)الأنباري، الإنصاف في مسائل الخلاف، 2: 564.