يجري على ألسنة كثير من المحدثين ويكتبون (أتفق معه)، وهم يريدون أوافقه، وقد أورد أستاذنا أحمد مختار عمر هذا الاستعمال في معجمه وصححه، ومثاله عنده «اتَّفَقَ البائع مع المشتري»، وذكر في الرأي أنها مرفوضة، و»السبب: لاستعمال «مع» مع صيغة «افتعل» الدالة على الاشتراك». وقال في «الصواب والرتبة: -اتَّفق البائع والمشتري [فصيحة]-اتَّفق البائع مع المشتري [صحيحة]»، وعلق بقوله «أجاز مجمع اللغة المصري إسناد صيغة «افتعل» الدالة على الاشتراك إلى معموليها باستعمال «مع»؛ بناءً على أنها تفيد معنى المعية والمصاحبة والاشتراك في الحكم مما يُدل عليه بالواو. وقد أجاز الكسائي وأصحابه: اختصم زيد معَ عمرٍو»(1). وهو قول متوقف فيه؛ لأن دلالة المعية هي المفهومة من واو المعية فكأن (اختصم زيدٌ مع عمرٍو) تساوي (اختصم زيدٌ وعمرًا) وهذا لا يقول به أحد، والفضلات وهي كالمفعول معه أو المفعول به لا تأتي إلا بعد فعل استوفى ما يقتضيه من فاعل، والفعل اختصم ونحوه لا يجوز الاكتفاء بفاعل واحد، تقول: جاء زيد وعمرو أو جاء زيد وحده، ولكن لا تقول: اختصم زيد وحده، فهذا محال، قال ابن السراج «وتقول: اختصم زيدٌ وعمرٌو ولا يجوز أن تقتصر في هذا الفعل وما أشبهه على اسم واحد؛ لأنه لا يكون إلا من اثنين»(2)، ولذلك «لا يجوز أن يقع هنا من حروف العطف إلا الواو، لا يجوز أن تقول: اختصم زيدٌ فعمرٌو؛ لأنك إذا أدخلت الفاء وثم اقتصرت على الاسم الأول؛ لأن الفاء توجب المهلة بين الأول والثاني وهذا الفعل إنما يقع من اثنين معًا، وكذلك قولك: جمعت زيدًا وعمرًا لا يجوز أن تقول: جمعت زيدًا فعمرًا»(3). وهذه الواو هي التي يسميها السهيلي (الجامعة)، قال «وهذا الأصل مستتب في جميع حروف العطف إلا في (الواو) الجامعة، وهي التي تعطف الاسم على اسم لا يصح انفراده، كقولك: اختصم زيد وعمرو، وجلست بين زيدٍ وعمرٍو، فإن (الواو) هاهنا تجمع بين الاسمين في العامل، فكأنك قلت: اختصم هذان، واجتمع الرجلان، إذا قلت: اجتمع زيد وعمرو»(4). وهي تختلف عن الواو العاطفة المقتضية تكرير العامل، قال ابن جني «من ذلك قولهم: اختصم زيد وعمرو، ألا ترى أن العامل في المعطوف غير العامل في المعطوف عليه، فلا بُدَّ إذًا من تقديره على: اختصم زيد واختصم عمرو، وأنت لو قلت ذلك لم يجز؛ لأن اختصم ونحوه من الأفعال -مثل اقتتل واسْتَبَّ واصطرع- لا يكون فاعله أقلّ من اثنين»(5). ومن لطائف ذلك أن فاعل اختصم ونحوه مستغن عن توكيد معناه، قال المبرد «وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش لَا يُجِيز: اخْتصم أَخَوَاك كِلَاهُمَا، وَلَا اقتتل أَخَوَاك كِلَاهُمَا وَيَقُول: (اخْتصم) لَا يكون إِلَّا من اثْنَيْنِ أَو أَكثر، وَإِنَّمَا أَقُول: جاءني أَخَوَاك كِلَاهُمَا؛ لأعْلم السَّامع أَنه لم يَأْتِ وَاحِد، وَكَذَلِكَ: جاءني إخْوَتك كلهم؛ لأعْلم أَنى لم أبقِ مِنْهُم وَاحِدًا»(6). وقال الفارسي «وَلَا (اخْتصم زيدٌ وعمرٌو أَيْضا) لأنّ أَحدهمَا لَا يَسْتَغْنِي عَن الآخر»(7). وسيجد النحويون التقليديون مشكلة في إعراب (اختصم زيد مع عمرو)، ف(مع) عندهم ظرف منصوب مضاف إلى ما بعده، وهو هنا إما أن يتعلق بالفعل اختصم ليقيده أو يتعلق بحال محذوفة أي اختصم زيد مصاحبًا عمرًا، وكلا الأمرين مفسد للمعنى، ولو قيل إن (مع) هنا صارت حرف عطف كالواو وأن ما بعدها مجرور بها لفظًا مرفوع محلًا لأنه معطوف على مرفوع لكان قولًا. ومن يتشبث برأي الكسائي أغفل رأي الفراء الذي منع المسألة كما منعها غيره من النحويين، ولعل الأولى التوقف في هذا الاستعمال والاستغناء عنه باستبدال غيره به، فيقال اختصم زيد وعمرو، أو خاصم زيدٌ عمرًا، وكذلك نعدل عن (أتفقُ معه) إلى (أوافقُه). ... ... ... (1) أحمد مختار عمر، معجم الصواب اللغوي،1: 96. (2) ابن السراج، الأصول في النحو، 2: 76. (3) ابن السراج، الأصول في النحو، 2: 76. (4) السهيلي، نتائج الفكر في النحو، ص 196. (5) ابن جني، الخصائص، 2: 411. (6) المبرد، المقتضب،3: 242. (7) الفارسي، المسائل السفرية، ص: 31.