منذ الأصيل وأنت خالية شمس الأصيل تذبل على جغرافيتك.. على جدران المنازل وأسوار الحدائق على أطراف المآذن وسعف النخيل شمس الأصيل تذرف الدمعة الصفراء الباردة على جبين التلال الصخرية ووجنة الكثبان الرملية ويلتف حبل الغروب كمشنقة من ذهب على أعناق الغضا!! إن غروب الشمس في المدن الصامتة عزف شجي لتوديع بلا تأمل..!! عنيزة.. الليلة أنتِ مدينة خالية مشهد الغروب الفاتن فيك.. اعتدت أن أتمتع برؤية لحظاته في معصم يدك عبر إطلالة عليك من فوق تل في الشرق أومن نفود عالي «بالمصفر» من الغرب الغروب فيك يا عنيزة صفحة من كتاب أقرأها بنظرات باسمة حتى تغرق الشمس في المغيب وأعود بعد أن تشتعل أنوار شرايينك وفوانيس الحدائق ومصابيح المنازل!! عنيزة.. الليلة أنت مدينة خالية وبعد الأصيل تدثرت بالمساء.. لقد تساقط الظل.. وهبت الرياح.. وامتزج صوت حفيف الريح بصر صرة النوافذ والأبواب.. وبصوت ارتعاشه أغصان أشجار وتساقط بعض ثمارها ثم لمع البرق.. ومن بعده هزيم الرعود جاء المطر برائحته كأنه زائر المساء جاء المطر بقطراته كأنه ساقي الشجر جاء المطر بصوت خطواته كأنه عازف الإيقاع ومثلما كان وداع شمس الأصيل بلا وداع.. كان لقاء المساء والمطر بلا لقاء!! عنيزة.. الليلة أنتِ مدينة خالية عنيزة ليلك ممطر ولكن الدروب خالية الميادين خالية المقاهي بلا رائحة البن والنعناع وكراسيها خالية عنيزة هذا ليلك ممطر واعتدنا أن نحتفل معك بالمطر.. نتبلل بالمطر.. نتعطر بالمطر .. نسهر معك نصغي لحكايات المطر.. في ليلك الممطر يحلو لنا معك السمر ولسانك فيه ينطق بالحكايات والأشعار والأغاني ففي «المصفر» و«الخبيبة» نكون حول مجمر نار الغضا دفء البهجة يملأ نفوسنا هذا معه رواية من ذاكرة.. وهذا معه ديوان شعر وهذا معه عود يدندن عليه وآخر الربابة كطفل صغير في أحضانه «يناغيه» ويستنطقه الكلام!! ولكن هذه الليلة بلا صوت بلا كلمات بلا قوافي بلا أوتار!! عنيزة.. الليلة أنتِ مدينة خالية من أجلك ومن أجلنا هناك سواعد قوية وعيون عاشقة وساهرة في كل تفاصيلك ودروبك ونحن نهجر دروب أصيلك والمساء أنا هنا في الحي الذي يضج بالسكينة أنا هنا في البيت الذي تملأه الطمأنينة أنا هنا في غرفتي أطل من النافذة على شارع بلا خطوات بلا جياد حديدية تتحرك فيه أنا هنا والكتابة تدعوني إلى سريرها الساحر أوراقي على مكتبي الصغير تتحرك كأنها جناح حمامة بيضاء تناديني تعال اسقني في هذه الليلة الممطرة من سحابة حبرك دعِ الخيال يحمل المدينة الخالية التي تغتسل بالمطر ويضعها أمام عينيك في كفي الورقي اجعل من غرفتك كوكبا تسكنه هذه المدينة الخالية ضع في زاوية من زوايا غرفتك مزارع نخيل وسط المدينة وأوديتها وفي زاوية دع رمال المصفر تتمدد وغضاها يطل من النافذة وفي زاوية من غرفتك أفسح مكانا للمسوكف والحيالة والملاح والضبط والبحيرية والضليعة وأحفادها الأشرفية والشفاء والفاخرية والعليا وفي زاوية ضع بحيرة الملح البيضاء في العوشزية المليحة المغتسلة بالمطر والدروب المتعرجة بين أشجار الأثل والنخيل في الوادي والروغاني وصور دخان نار السمر ورائحة القهوة وابتسامات المزارعين في أحاديث عن المطر!! وارسم بقلمك هنا مئذنة وقبة الجامع الكبير وبرج الساعة ومركز القصيم العلمي والمدينة الغذائية وكل معلم من معالم المدينة الخالية عنيزة.. الليلة أنت مدينة خالية لم أقاوم الإغراء والكتابة أنثى طاغية الجمال.. تريد أن يسرح لها خاطري شعرها بمشط قلمي تحت زخات المطر وضعت إصبع يدي السادس ليشرب من عروق يدي وتزهر من أجل المدينة الخالية أجمل الكلمات ولكن!! فجأة تذبل الحروف وتختفي لأن ليل Corona virus الكئيب يريدني ألا أستمع ولا أستمتع ولا أحاكي المطر بالمطر حتى اسم هذا الوباء لن أكتبه بالحروف العربية لأني لا أريد أن يمتزج بحبري ولا ببياض أوراقي Corona virus يريد أن ينسيني فن كتابة مشاعر أعماقي لا يريد لقلمي أن يقرأ من كتاب ذاكرتي ويريد أن يتلبسني كلما حاولت أن أبوح بمشاعري لا أستعيد رواية عمري.. حتى التجول في أنحاء المدينة الباذخة الجمال تحت زخات المطر هنا في غرفتي منتجعي المسقوف حين أكتبها يريد Corona virus منعي ليقتات من هواجسي يعلمها اليأس والخوف والكآبة حتى لو كانت المدينة خالية سوف أجعلها في أوراقي مدينة ساحرة الجمال يملأها الحب والأمل والسكينة والفرح بلا Corona virus ** ** - عبدالعزيز حمد الجطيلي E-mail: [email protected] Twitter: @aljetailty