ماذا تبقى بعد كل هذا الماضي؟ أيقظي الوردة التي غفت في يدي فأن حافات تويجها الحمراء تشبه حافات جراحي. هل تستطيعين ايقاف هدير الآلات والبشر؟ انه يضرب رأسي كما يضرب هدير الأمطار زجاج النافذة. هل بقيت طيور أخرى في مكان ما من العالم؟ انها تجتمع كلها اليوم على نافذتي، كأنها تريد أن أكون طيراً وأمضي معها ربما أشجاها هديلي الليلي، ذلك الهديل الذي يصل الى كل الجزر والغابات لا أنظر في المرايا إلا حينما أريد أن أكاثر المرأة التي أمامي وأجعل منها امرأة بلا نهاية أو عدد. أشتاق الى رفوف أخرى، معلقة على الجدار، لأضع عليها القفف التي تختبىء داخلها حيوات صغيرة من كائنات الماضي. ... أي مذاق ذاك الذي تتركه المرأة ذلك الذي لا يشبه إلا نفسه، ولا يتكرر في ذاكرة. أصهل في منفاك كما تصهل الخيول في البرية. أصهل وحدك في رمال الغربة الساخنة وأنت تتخيل الخيول تجوب السهوب في وادي النهرين. أصهل كما لو كنت عارياً في تيه. غادرت الحظائر لتذرف انسانيتك على شعاع الشمس. اسطبلات البشر خالية من البشر. وحدها الخيول جمحت من رائحة البشر العطنة. لم يبق لي إلا أن أجمع حطام التاريخ، وأكوّمه على الطريق وأشعل فيه النيران. رماد. كل رقم الماضي وصفحاته المكتوبة على جلود الماعز والغزلان والبردي والورق العباسي تخبو تحت الجمر المنطفىء. أية بلوى ألقى بها التاريخ على كاهلنا؟ أيتها الحشود الماضية وراء الماضي توقفي على ضفاف النهر، لكي ينتهي التاريخ هناك. ويبدأ اليوم من جديد. كل شيء في التاريخ الا الشهوة. لا يحتفظ لنا بها تاريخ ولا زمن. هكذا علينا أن نكون قراصنة ونهاجم سفن النساء في البحار لنأتي بهن الى المخادع والمقصورات. أبحث عمن أقص عليه طفولتي. لكي يقصها على طفل آخر. أريد أن أفخرها مرة أخرى لتعود. لم يكن في شوارعها ليلكٌ أو سنديان. كان هناك دفلى وسيسبان ونخيل. الوردة الوحيدة التي كانت في الحقول المجاورة هي وردة الراعي. أما على سياج البيوت فكانت وردة الساعة وورد الليف. هل بقي من ذلك شيء الآن؟ هل تذهب حيات أم سليمان الى شقوق الحيطان؟ ليذهب هذا المنفى الذي لا تفور منه رائحة خبز التنور الى الجحيم ليذهب هذا المنفى الذي لا يتصاعد منه دخان عشاء العائلة الى الجحيم. ليذهب هذا المنفى الذي لا يأتيك فيه صوت آذان الفجر في ليالي الصيف الى الجحيم. لقد ذهبنا الى الجحيم وانتهى الأمر. الساحرات يطاردنني. أيتها البتول لا تكوني الساحرة التي تطاردني. أراك على حصان أبيض يضيء ظلام الليل وعرفه ينثر حبات الضوء على الحقول. هي أيضاً كانت تفعل ذلك. كانت تغريني بالمضي وراءها فمضيت. مضيت حتى تورطت. وقعت في سحرها ولم أعد قادراً على العودة اصهلي في أذنيَّ لكي تنحل تميمة تلك الساحرة. قطّري رضاب لماك على شفتيَّ لكي يذوب الطلسم المعقود. هبّي اليَّ بذلك البخور لكي تطردي الوسواس الذي يداهمني. أيتها البتول... أيتها البتول... يا خلاصي لا تكوني قاتلتي. فهناك ما يكفي من النيران اللاهبة في أنفاسنا لإيقادك ما الذي يفعله طابور الأرامل هذا في هذا الفجر الرمادي؟ ان الأزواج الذين ينتظرونهم لن يعودوا. فلتأخذ كل أرملة قطعة من هذا الفجر. وترش نداه على نهديها لكي تبرد الرغبات * شاعر عراقي مقيم في لندن.