هل ستجرفنا «الدعاية الأمريكية»؟ أم «الدعاية الصينية»؟ هل حقاً «صنعت الصين فيروس كورونا المستجد لتدمير العالم»؟! أم أن «خطأً حدث في معاملها الخاصة بالأسلحة البيولوجية فتسرب منها الفيروس القاتل»؟! أم أن خفاشاً من الخفافيش التي تعمل عليها التجارب، استطاع الهرب من المعمل، فصاده أحدهم، ليبيعه لاحقاً في سوق ووهان للحوم، فتشتريه فتاة صينية حسناء، لتأكله فتنقل العدوى لبلدها وللعالم؟! وهل «أكل الخفافيش» هو السبب؟! لنكن واقعيين، فالدعاية التي تقول إن الصين قد تعمدت نشر المرض؛ بعيدة كلياً عن المنطق! إذ ليس من مصلحتها ذلك.. خاصة وأنها من أكثر الدول التي انعكس أثر هذا الوباء سلباً على اقتصادها وصناعتها. كما أنها بلد متقدم علمياً وتقنياً وصحياً، وتحرص على الصحة العامة لمواطنيها باعتبار ذلك ضمن أولويات أمنها الوطني، وأن الفيروس التاجي بطوره المستجد «كوفيد 19» هو - بحسب أبحاث علمية- فيروس طبيعي لا يمكن تصنيعه. فلننظر إذاً إلى الأمور بموضوعية وحياد، منطلقين من منظور أكثر وعياً للواقع ولمصالحنا.. لقد مر التاريخ الإنساني بالعديد من الأمثلة على أوبئة جائحة مشابهة لما نمر به في جائحة «كورونا»، تنقلت من أقاصي الغرب إلى أقاصي الشرق، وحصدت أرواح ملايين البشر، حتى قبل الطفرة الهائلة في وسائل النقل العابرة للقارات.. لكن الجديد اليوم هو محاولة تسييس الوباء وربطه بدولة، أو ثقافة، أو عادات وتقاليد لهذا البلد أو ذاك بهدف تصفية حسابات سياسية، ودون أي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية. قد يتفهم البعض قيام جهات في الولاياتالمتحدةالأمريكية أو حتى في أوروبا بذلك، لأنها قد ترى بأن لها فيه منفعة ما، تخدم مصالحها في خضم المنافسة الشرسة بينها وبين الصين، لكن بالتأكيد ليس من مصلحتنا الانحياز في هذه الأزمة مع أي طرف دون الآخر، بل تعزيز التعاون الدولي بين الجميع لمواجهة هذا الوباء، كما جاء في الكلمة الضافية لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله- في قمة مجموعة العشرين الافتراضية الطارئة، والتي كانت بمثابة خارطة طريق مهمة للتعامل مع الأزمة، على الأصعدة كافة، ليس فقط السياسية والاقتصادية والصحية والعلمية، بل والإعلامية أيضاً. والواقع أن الصين - ومعها العالم- قد ابتليت بهذا الوباء، كما سبق وابتليت مناطق أخرى من العالم بأمراض وفيروسات شاءت إرادة الله أن تنطلق من أراضيها لتنتشر في أرجاء المعمورة. وإذا ما تفحصنا جيداً الخط الزمني للبيانات والتصريحات الصينية الرسمية، منذ اللحظات الأولى لاكتشافها المرض ولتبين لنا بوضوح كيف دفعت الصين أيضاً باتجاه التعاون الدولي، وشجعته، وشاركت العالم بما لديها من معلومات حوله. لا شك أن العالم يمر اليوم بأزمة كبيرة بكل المقاييس، ربما لن يتمكن من العودة إلى ما كان عليه قبل «كورونا» ما لم تتمكن القوى الكبرى، وفي مقدمتها القوتان العظميان في العالم أمريكاوالصين، من إيجاد طريقة للتعاون وإدارة هذه المشكلات معًا، وهو ما أشار إليه الدبلوماسي الأمريكي العريق «ريتشارد هاس»، الذي يرى بأننا نعبر نقطة تحول في التاريخ الحديث، وأن المحللين قد اختلفوا «حول نوع العالم الذي سيتشكل في أعقاب الوباء»، مضيفاً: «معظمهم جادل بأن العالم الذي ندخله سيكون مختلفًا بشكل أساسي عما كان موجودًا من قبل. يتوقع البعض أن يؤدي الوباء إلى نظام عالمي جديد بقيادة الصين؛ ويعتقد البعض الآخر أن هذه الأزمة ستؤدي إلى زوال زعامة الصين. يقول البعض إنها ستنهي العولمة وتقوض التجارة الحرة، وأن الدولة القطرية والنزعة الوطنية ستعلو وتتفوق؛ فيما يأمل البعض الآخر أن تكون فاتحة لعصر جديد من التعاون العالمي. ويرى آخرون أنها ستؤدي إلى تغيير الأنظمة والحكومات في مختلف البلدان - أو كل ما سبق». لكن الأكيد أنه من السابق لأوانه التنبؤ بموعد انتهاء الأزمة نفسها، إذ سيعتمد ذلك على درجة وعي الناس، والتزامهم بالتعليمات والإرشادات الصحية بشأن التباعد الاجتماعي والنظافة الصحية الموصى بها؛ وتوافر فحوصات طبية سريعة ودقيقة ومعقولة التكلفة، وعقاقير مضادة للفيروس، ولقاح تطعيم؛ ومدى الإغاثة والدعم الاقتصادي المقدم للأفراد والشركات. وقبل ذلك كله، ما شددت عليه حكمة القيادة السعودية من أنه «يجب تنسيق استجابة دولية موحدة في مواجهة هذه الجائحة»، وأن «نأخذ على عاتقنا تعزيز التعاون للبحث عن لقاح لفيروس كورونا»، و»تقوية الجاهزية العالمية لمواجهة الأمراض المعدية مستقبلاً».