القلق حالة نفسية مريرة، نعاني منها نحن الذين يزاولون الاستشارات القضائية العليا، والتحليل النفسي؛ إذ نعاني الأمرّين في حال وجود شخص ما، لديه استشارة، أو عنده أمر ما، يريد البوح به مشافهة أو كتابة. ولكي أحاول إخراجه من القلق نركز دائمًا لتتم معالجة القضية أو الحالة أو نظر الشكوى على: هل هي الأصل؟ أم إنها إفرازات لا شعورية، أثمرت هذه الشكوى؟ لكن سوف أبيّن المفردة لهذه الكلمة؛ فذلك يسهم جدًّا في المراد منها، فأقول: 1/ القلق: حروفه الأصلية ثلاثية:(ق, ل, ق). 2/ قلق: يقال قلق: اهتم (بكسر اللام). 3/ ويقال قلق: اضطرب. 4/ وقلق, يقلق: توقع مكروهًا ما. 5/ يقلق وتقلق: يخاف وتخاف تحفزًا. 6/ قلق: (بكسر اللام) مهتم مرتجف. 7/ وقلق: بفتح اللام على سبيل المصدر. 8/ وقلق: ارتجف وذعر. 9/ ويقال قلق: خاف لا شعوريًّا. 10/ ويقال قلق الرجل: هام تفكيرًا. 11/ ويقلق: يتحرك، ويكثر الالتفات. 12/ ويقال قلق الطفل: بكى, يبكي جوعًا أو لعلة ما. 13/ والقلق: هو سبب الخوف لا العكس. 14/ وقلقت الناقة: اضطربت وضاقت. 15/ وقلق الفحل, الطير, العامل (يراد اضطربوا وتضايقوا). وعلى هذا فالقلق حالة نفسية، تؤدي إلى الآتي: 1/ الخوف, التردد. 2/ الشك, العجلة. 3/ التصرف عفويًّا. 5/ سوء التصرف أحيانًا. 6/ عجلة الحكم طيشًا، وسوء التقدير. 7/ آلام نفسية، منها (القولون العصبي). كما أنه يؤدي إلى إيجابيات حميدة لمن أدرك الحياة، وفقه الحياة، الحلو والمر كذلك. فمن تلك الإيجابيات: 1/ الحذر من تكرار الخطأ. 2/ الوقوف عند حد العلم. 3/ التأمل الجيد للحالات الطارئة. 4/ التنبه الإرادي الدائم. 5/ تقديم حسن الظن أحيانًا. 6/ ملازمة الصمت عند الموجب له. 7/ ترك سوقية الألفاظ والنقد المتعالي. 8/ الحذر من حب الشهرة ونشدان المدح. هذه هي أجل ما وقفت عليه خلال دراسات قضائية ونفسية وتحليلية لبعض مَن نظرت قضاياهم، واستمعت إلى طلب استشاراتهم. وهي رائدة لمن تأملها، ولاسيما من ذوي العلية، وساسة الحالات العليا في العصر الحديث. ولست بكاتم ما وقفت عليه نحو هذا. لست بباخل على أحد، فهاأنذا أسرد حرفًا حرفًا هذا الكلام الجميل في بابه ولبابه. ورد في هذا الكتاب (دائرة المعارف السيكولوجية) (ج1/ ج2/ ص144 من جزء 1 إلى ص201 ما يأتي: (ولكي نشفي من الخوف يجب علينا أن نفصله ذهنيًّا عن الشيء أو الفكرة التي يرتبط بها القلق). ثم ماذا؟ جاء هناك: (فإذا حكَّمت عقلك تستطيع أن تتحقق من أن الخوف من الأماكن المكشوفة ليس هو الذي يزعجك، بل القلق مرتبط بفكرة هذه الأماكن). ويذكر كذلك ويقول: (إن اندلاع القلق يتبع في بعض الأحيان خسارة وظيفة، أو سقوطًا في امتحان، أو تسلط رئيس في الشغل.. والعلاج يجب أن يوجَّه في مركَّب النقص، وليس إلى السبب الخارجي. ومركَّب النقص الشديد لا يمكن أن يُستأصل إلا بتربية سيكولوجية جديدة). وكلام كهذا جدير بالاعتبار، خاصة في هذا العصر، ولاسيما بين (الدول)؛ لنظر حالات القلق. وهو ما يجب محاربته, محاربته بالعقل والحكمة، ونظر أسبابه الحسي منها والمعنوي على كل حال. وإذا كان الخوف هو نتيجة للقلق، والقلق هو ما يلزم علاجه تلقائيًّا بين المرء ونفسه، فإن فقه الواقع يقود بالضرورة إلى فقه سياسة الحياة كلها، وهذا دون ريب يطرد القلق 100 % تدريجيًّا، وإذا بالخوف يذهب إلى العدم. إذًا المشكلة (أن القلق) هو أصل ما ينصبّ عليه الهدف للإطاحة به، وليس (الخوف) أخيرًا إلا نتيجة ضرورية، حصلت لضعف الإنسان في إدراك حقائق الحياة. ويلزم من هذا ومعناه على واضحة في سبيل مقيم أن يكون (المرء) صادقًا مع نفسه، يعرف ويدرك ما لها، وما عليها. هنا، وهنا فقط، نعرف طعم الحياة بفطرة صحيحة، ونقاء واضح وشفاف سليم مبين.